قال الله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13].
وقال سبحانه: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} [يونس: 83]. قال ابن كثير: هم الشباب.
أخرج الحاكم والبيهقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اغتنم خمساً
قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».
هذه هي الخطبة الرابعة في سلسلة (هموم الشباب)
عنوان الخطبة: كيف أجد عملاً مناسباً؟
أيها الإخوة:
العمل المرضي والزوج الوفي والمنزل الصحي ثلاثة إن استطعنا مساعدة شبابنا في
تأمينها فقد أعناهم على أن ينطلقوا ليعمروا البلاد ويخدموا العباد، فليُرنا الشباب
عندها جده واجتهاده.
يعتبر العمل من ضروريات الحياة الكريمة فعندما يعمل الفرد يجد مكانته في المجتمع ويؤمن متطلباته بعز وكرامة وينفع نفسه والآخرين ويرضي ربه.
واحد من هموم الشباب الحصول على العمل المرضي المناسب، والعمل المناسب
ما جمع ثلاث خلال:
ما كان حلالاً، وما كان متوائماً مع اختصاص الشاب أو ميوله وقدرته، وما كان
مردوده المادي كافياً.
اطلعت على دراسة غربية مترجمة عن إمكانات الشباب السوري الاقتصادية نشرها المركز القومي للترجمة بمصر عام 2016 ذكرت أن الخمول أمر نادر الملاحظة من
واقع البيانات المتاحة للشباب السوري، فالشاب السوري إما أنه يعمل أو يبحث عن عمل أو يدرس. ولا تتعدى نسبة الشباب الذين لا ينضوون في قوة العمل ولا يدرسون 1-2 %، بينما تكون نسبة الشباب العامل 25 % عند عمر 15،
و 80 % عند عمر 24 ، و 93 % عند عمر 29.
وهذا يدل على أن شبابنا فاعل والحمد لله، وهو مقتف أثر رسولِ الله صلى الله عليه وسلم والصحابةِ الكرام وسلفِ أمته، ولكنه محتاج إلى دعم مادي ومعنوي ليجد العمل المناسب.
ورد ذكر العمل واشتقاقاته في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة مرة! ولعل أكثرَ
ثلاثِ مصطلحاتٍ تعترضك وأنت تقرأ القرآن الكريم هي (الإيمان، والعلم، والعمل)
وحدَّث رسولُ الله أصحابَه كثيراً عن العمل، ودفعهم إليه، فكان يقول لهم: «مَا أَكَلَ
أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ
عَمَلِ يَدِهِ» [البخاري].
«لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا
وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاس أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ» [البخاري].
«مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً أَوْ يَزْرَعُ زَرْعاً فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا
كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ» [متفق عليه].
«خَيْرُ الْكَسْبِ كَسْبُ يَدِ الْعَامِلِ إِذَا نَصَحَ» [مسند أحمد].
وعملَ النَّبي صلى الله عليه وسلم في التجارة، وعملَ في رعي الغنم، وعملَ في بناء المسجد، وعملَ في حفر الخندق، وعمل في مهنة عياله.
كان أبو بكر بزازاً -يعني تاجر قماش-، وكان سعد بن أبي وقاص يبري النبل، وكان عمرو بن العاص جزاراً، وكان أبو سفيان تاجر زيت وجلود، وكان عثمان بن عفان تاجراً، وكان علي بن أبي طالب عاملاً... رضي الله عنهم أجمعين، وكان سيِّدنا عمر
بن الخطاب يقول: (إني لأرى الرجل فيعجبني، فأقول: أله حرفة؟، فإن قالوا: لا،
سقط من عيني)
كان الإمام أبو حنيفة تاجر خز، وعمل مالك بن دينار في الوراقة، وعمل أيوب السختياني في بيع الجلود، وعمل محمَّد بن سيرين بزازاً ...
ذَكَرَت كتب التاريخ أن المسلمين أدخلوا أول شجرة نخيل إلى أوربا، وأدخلوا إليها
أيضاً زراعة القطن، وقصب السكر، والفستق الحلبي، وتذكر معاجم اللغة كلمات
عربية زراعية دخلت إلى اللغات الأوربية، ولازالت تستعمل إلى اليوم، أصلها عربي، لكن الأوربيين لازالوا يستعملونها إلى اليوم، ومن هذه الكلمات: (السكر، القطن،
عصير الليمون، الرز، نبات الأرضي شوكي).
فحيا الله شبابنا العاملين المتبعين أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، الملتزمين
سنة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، المقتفين معالم طريق
أبي حنيفة والشافعي ومالك والحنبلي وسائر صالحي هذه الأمة.
أيها الشباب:
للإجابة على سؤال هذه الخطبة كيف أجد عملا مناسبا؟ يمكنني أن أقدم لكم النقاط
العشر الآتية:
1- حاول وأنت طالب أن تستغل الإجازة في ممارسة أي عمل مهما كان بسيطا حتى تكتسب خبرة التعامل وتشعر بمسؤولية العمل.
2- ميز نفسك بالمزيد من الخبرات في الحاسب واللغات ومهارات التواصل وحل المشكلات ومهارة العمل ضمن فريق، والمهارات المهنية الخاصة بمجالك.
في دراسةٍ أُجرِيَتْ عن سوق العمل في سورية عام 2010، تمَّت دراسة الشواغر والشواغر صعبة المِلء. من خلال مسح أكثر من ألفٍ ومائتي مؤسسةٍ من القطاع الخاص. أظهرت أن 57 % من الشواغر الموجودة في سوق العمل هي شواغر نوعية صعبة الملءِ تبحث عن عاملين بمهارات عالية، فالمنشأةُ تستغرقُ وقتاً طويلاً لإيجاد العامل المناسب لهذا الشاغر، وربما ذهبتْ لتدريب عمالها الحاليين أو القبول
بمؤهلاتٍ أقل، الأمر الذي يُعيقُ توسُّعَ عمل المنشآت. علماً بأنَّ المنشآتِ مستعدةٌ
لدفع راتبٍ شهريٍّ مجزي عند توفُّرِ الأكفاء.
وفي هذا رسالة لشبابنا لرفع سويّة مهاراتهم وكفاءاتهم. فكلما زِدْتَ في مهاراتك
فأنت تستعدّ لفرصةٍ أكبر.
3- اعلم أن بحثك عن العمل الحلال عبادة إنْ اقترن بنيَّة صالحة، كأن تنوي إعفاف نفسك عن الحرام، أو إعفاف أهلك عن الحرام، أو عن سؤال النَّاس، أو أن تنوي
خدمة خَلْقِ الله تعالى ومعونتهم.
عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: مرَّ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم رجل،
فرأى أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من جَلَده ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كان
خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، و
إن كان خرج رياءً وتفاخراً فهو في سبيل الشَّيطان» [الطبراني].
فمهما تعبتَ في بحثك عن عملٍ حلالٍ فأنت مأجور مبرور، والأجرُ على قدر المشقّة، ومن أفضل العبادة انتظار الفرج، وإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً.
4- كن جاداً مجتهداً في بحثك عن العمل من خلال مراجعتك مكتب التشغيل والعمل أو المجلات والجرائد والمواقع المعنية بالتشغيل، وانزل إلى السُّوق التِّجاري أو الصِّناعي
أو الزِّراعي أو الخدمي كلَّ يوم وقدِّم نفسك لأصحاب الأعمال والمديرين.
5- اكتب سيرتك الذاتية واضحة مختصرة مرتبة صادقة، اذكر فيها مؤهلاتك العلمية ودوراتك التدريبية وخبراتك الحياتية وسيرتك المهنية والمعرفين بك ومعلوماتك
الشخصية وطرق التواصل معك.
6- استعد لمقابلة العمل بتعرفك على نشاطات الجهة التي تقدمت لها من خلال بحثك وقراءتك وسؤالك. فلعلهم يتصلون بك بعد أيام فإن لم يفعلوا ذكرهم بنفسك بعد أسبوع باتصال هاتفي.
7- في مقابلة العمل اعتن بنظافتك الشخصية ونظافة ثيابك، واجلس جلسة جادة، وتحدث بلباقة وهدوء، وكن مستمعاً أكثر منك متحدثاً، ولا تتسرع في الرد ولا تجب
على شيء لا تعرفه، ولا تستخدم الهاتف المحمول في أثناء المقابلة، وابدأ الحديث بالتحية وأنهه بشكر من قابلك، وقبل كلِّ ذلك صلِّ وادعو الله أن يوفقك ويجعل لك في
هذا المكان خيراً.
8- لا ترفض في البداية أي عمل يعرض عليك مهما كان بسيطاً أو ضعيفاً مادياً،
فمن خلال العمل تجد عملاً آخر أفضل منه. والفرصة لا تأتي لمن ينتظرها بل تأتى
لمن يبحث عنها.
9- أخلص لعملك دون النظر للأجرة حتى يصبح لك بصمة مميزة فيبحث عنك العمل ولا تبحث عنه.
10- لا تيأس مهما تقدمت للأعمال ولم تحصل عليها، وابحث عن السبب فيك وليس
في غيرك وحاول تفاديه في المرة القادمة.
واعلم أن نفساً لن تموت حتى تستوفي رزقها وأجلها، وأن ما كتبه الله لك لن يناله غيرك وما كتبه لغيرك فلن تناله. فثق بالله رباً رازقاً.
وبعد أيها الشاب:
هذا واحد من همومك كيف أجد عملاً مناسباً، وهذا جوابي لك عليه.
اللَّهم ارزق شبابنا من فضلك، ولا تحرمهم رزقك، وبارك لهم فيما رزقتهم، واجعل غناهم في أنفسهم، واجعل رغبتهم فيما عندك.
اللَّهم ما رزقتنا ممَّا نحبُّ فاجعله قوةً لنا فيما تُحبُّ، وما زويت عنّا ممَّا نحبُّ فاجعله
لنا قوةً فيما تحبُّ.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيمَ أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وماذا عمل فيما علم». [الترمذي].
والحمد لله رب العالمين