يقول ربنا الجليل في محكم تبيانه: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون( [الحشر: 18-19] .
الكلام عن رابطة العبد مع الرب ، وصلة الأرض بالسماء ، كلام ٌعن تجليات النور، وعطاءات الغفور ، وإمدادات الرب الصبور ، الكلام عن الصلة هو واقع ما يتنزل على هذا القلب الذي ما خُلق إلا لحضرة الرب ، والذي جعل بتقدير الله وحكمته مَوضع سره ، فمن أعطى القلب حقه امتدت أنواره وتوسعت أمارات فضله ، وسمت روحه وعلا شأنه ، وكلما نظر إليه العباد ذكروا الله خالقهم ، وكلما نظر إلى نفسه ازداد تحققاً بافتقاره ، لأن واقع الصلة إنما هو واقع التحقق بعظمة العبودية لله ، فمن تواضع لله دون قَدره رَفعه الله فوق قدره ، وكيف يتأتى ذلك إذا كان المرء يَرى لنفسه قدراً ؟ إذا فتواضع المرء دون قدره هو أن لا يَرى لنفسه أهلاً لأي عطاء ، وإنما هو ستر رب السماء ، فيزداد افتقاراً ، ويزداد تحققاً ، ويزداد تفاؤلاً بالعمل ، كلما أعطاه الله كلما خجل من مولاه ، وهكذا حتى يلفظ آخر نفس ، وهو يشهد بها ، ويلقى ربه مبتسماً بتنزلاته عبر رؤية منزلته مسروراً بآخرته .