في التاريخ العظيم، الذي شهد انطلاقة الدعوة الإسلامية، منذ أن هاجر النبي محمد صلى الله عليه  وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، فراراً بدينه وإعلاناً ونشراً لراية التوحيد، منذ ذلك الوقت وإلى هذا اليوم وإلى قيام الساعة، ستظل ذكرى الهجرة النبوية فرقاناً بين الحق والباطل، وستظل الهجرة النبوية مجالاً لتوسعة آفاق الدعوة الإسلامية، والمسلمون يعلمون جميعاً أن مكة المكرمة هي التي شهدت بعثة النبي محمد صلى الله عليه  وسلم، هي التي شهدت بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه  وسلم، وهي التي شهدت انطلاقة الدعوة إلى الله، فاستمرت الدعوة إلى الله تعالى ثلاث سنوات سراً، ثم جهر رسول الله صلى الله عليه  وسلم بالدعوة، عملاً بقول الله تبارك وتعالى: )فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين( [الحجر: 94] وهكذا بدأت الدعوة تنتشر في رحاب مكة المكرمة، إلا أن صناديد الشرك والطغاة والمشركين من أهل مكة، أرادوا أن يحولوا دون رسول الله ونشر دعوته، فمنعوه بشتى الوسائل، وحاولوا إيذائه، وتعرضوا له جسدياً، فحاول بعضهم أن يخنقه عليه الصلاة والسلام، وحاول البعض الآخر أن يقتله، وحاول البعض الثالث أن يسجنه، إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، لأن الله سبحانه وتعالى قد كفاه المستهزئين، وحماه من كل من حاول إيذاءه ولو وصل إليه جسدياً، كما حصل مع عقبة بن أبي معيط الذي وضع ثوياً خشناً خليقاً على عنق الرسول صلى الله عليه  وسلم وحاول خنقه، والذي ألقى على رأسه وظهره سلى الجزور محاولاً إهانته وإيذائه نفسياً وجسدياً، ولكن كل هذه المحاولات لم توقف رسول الله صلى الله عليه  وسلم عن نشر الدعوة إلى الله، لأن الدعوة إلى الله أيها الأخوة ليست إلا إنقاذاً للبشرية، من الضلال، ومن الشرك، ومن الوثنية، ومن عبادة الأصنام، إلى توحيد الخالق تبارك وتعالى، وإفراده بالربوبية، وهذه دعوةٌ إنسانيةٌ عاليةٌ جاءت تعلي من مكانة الإنسان، وتحفظ حقوق الإنسان، وترعى دم الإنسان، وتصون مال الإنسان، فما أعظم هذه الدعوة، التي انتقلت بالإنسانية من الجهل إلى العلم، وما أعظم هذه الدعوة، التي حفظت حق الإنسان حياته ودمه وعرضه وماله، فكانت الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى مما يناسب الفطرة الإنسانية.