الاثنين 20 شوال 1445 - 29 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-29 12:42:38 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2017-01-17 الساعة 09:44:02
رحمة الإسلام بالحيوان
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 08 من ربيع الآخر 1438 هـ - 06 من كانون الثاني 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، )يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2].

إِلهِي إِنْ يَكُن ذَنبِي عَظِيمَاً
فَمِمَّنْ أَرتَجِي مَولايَ عَطفَاً
تَرَكتُ النَّاسَ كُلَّهُمُ وَرَائِي
فَعَامِلنِي بِلُطفِكَ وَاعفُ عَنِّي

 

فَعَفوُكَ يَا إِلَهَ الكَونِ أَعظَمْ
وَفَضلُكَ وَاسِعٌ لِلكُلِّ مَغنَمْ
وَجِئتُ إِلَيكَ كَي أَحظَى وَأَنعَمْ
فَإِنْ تَغضَبْ فَمَنْ يَغفِر وَيَرحَمْ

اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة, وعمنا جميعاً بفضلك الكبير.

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: فقد رأينا في خطبة سابقة أن تسمية الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم بنبي الرحمة إنما هي تسمية نبوية، حيث أخرج مسلم في صحيحه، عن سيدنا أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنا محمد وأحمد)) يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أسماءه، ((أنا محمد، وأحمد، والـمُقفي))، المقفي يعني خاتم النبيين، ((والحاشر)) الذي يسوق الناس إلى المحشر يوم القيامة، ((ونبي التوبة، ونبي الرحمة))، فهو القائل عن نفسه صلى الله عليه وسلم أنه نبي الرحمة، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عندما دعوا النبي بأن يدعو على المشركين، قال: ((إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة))، بُعثت رحمة، وفي حديث الطبراني والبيهقي، عن أبي هريرة أيضاً: ((إنما أنا رحمة مهداة))، وفي رواية: ((بعثت رحمة مهداة))، فتكلمنا عن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالعوالم، لأن الله لم يجعله رحمة فقط للإنس، بل للعوالم للعالمين، )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ([الأنبياء: 107]، تكلمنا عن رحمته بالحشرات، أصغر المخلوقات، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما رأينا في خطبة سابقة- عن قتل النمل، وعن قتل النحل، وعن قتل الصُّرد، ويقال: إنه أول طائر صام لله تعالى، وعن قتل الضفدع، ومَرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قرية نمل قد حرقت، فقال: ((من حرق هذه أو حرق ذلك)) قالوا: نحن يا رسول الله، قال: ((إنه لا ينبغي أن يُعذب بالنار إلا رب النار)).

أربعة أحاديث لطيفة نختم بها هذه الخطبة، تتمة لموضوعنا هذا:

الحديث الذي أخرجه الحاكم وأبو داود، عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته -ليقضي حاجة- فرأينا حُمَّرة -عصفورة صغيرة- معها فرخان صغيران، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، أي تطير بجناحيها وهي مضطربة، تبحث عن فرخيها، فجعلت تَفرش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((مَن فَجَعَ هَذه بولدها؟ رُدوا ولدها إليها)) رُدوا ولدها إليها، عُصفور عنده فرخين صغيرين، يَأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيراها مُضطربة ((مَن فَجَع)) فَجَعَ: فاجعة وحادثة مؤلمة، لا يوجد فاجعة أكبر مِن فقد الولد، نَسأل الله تعالى أن يُصبر مَن فُجع بأولاده وأن يجعلهم سبباً له بدخول الجنة إن شاء الله، ((مَن فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها أو ردوا عليها ولدها))، إذا كانت هذه رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالعصفور والحشرات، فَكيف برحمة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، وكيف برحمة هذا التشريع ببني آدم وبالناس كيف؟.

الحديث الثاني: أَخرجه الحاكم وأبو داود أيضاً، عن سيدنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما قال: أَردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خَلفه ذات يوم، فأسر إلي حديثاً لا أحدث به أحداً من الناس، وكان أحب ما استتر به النبي صلى الله عليه وسلم لِحاجته هَدَفاً أو حائط نخل، -إذا أراد أن يَقضي حاجة يذهب إلى حائط نخل يعني إلى بستان فيه نخل أو ما شابه ذلك- فقال: فدخل حائطاً لرجل من الأنصار، الحائط في اللغة هو البستان، فدخل بستاناً لرجل من الأنصار، فإذا جمل في هذا البستان لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حَنَّ وذَرَفَت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح ذِفرَاه، الذِّفر هو مكان نزول الدمع، فمسح ذفراه فسكت، فقال صلى الله عليه وسلم: ((مَن رب هذا الجمل))؟ مَن صاحب هذا الجمل، لمن هذا الجمل؟ مَرة ثانية ينادي، فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله فقال: ((أفلا تتق الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنه شكى لي أنك تجيعه وتُدئِبُه))، تجيعُه وتتعبه، ولا أحد يَفهم على هذا الجمل مهما بكى، لكن لما مر سيدي رسول الله مَن فَهم عليه؟ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((إنه شكى لي أنك تجيعه وتدئبه، أفلا تتق الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها)).

الحديث الثالث: أخرجه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه، عن سيدنا أبي كبشة السَّلولي رضي الله تعالى عنه قال: خَرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجته، فمَرَّ ببعير مناخ على باب المسجد من أول النهار، ثم مَرَّ به من آخر النهار وهو على حاله، فقال: ((أين صاحب هذا البعير))؟ يقول سيدنا أبو كبشة: فابتغي فلم يوجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا الله في هذه البهائم، اتقوا الله في هذه البهائم اركبوها صحاحاً، وكلوها سماناً))، شَفِقَ عليه تحت الشمس من أول النهار إلى آخر النهار، مِن أي شيء أشفق عليه مِن حر الشمس، فكيف بشفقته علينا من حر جهنم؟! صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله، )وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى( [الضحى: 5] قال: ((يا رب لا أرضى وواحد من أمتي في النار))، صلوا عليه وسلموا تسليماً، اللهم صل على سيدنا محمد وآله وسلم.

أخرج مسلم في صحيحه، عن سيدنا شريح بن هانئ رضي الله تعالى عنه قال: رَكبت عائشة رضي الله تعالى عنها بَعيراً فكان فيه صعوبة -صعب هذا البعير- فجعلت تُردده أي تضربه وتشد خِطامه بقوة وتضربه من أجل أن يركن ويهدأ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشة، عليك بالرفق)).

أخرج مسلم عن سيدنا شداد بن أوس قال: ثِنتان حفظتهما من النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتل، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته))، حتى في أثناء ذبح البَعير وذبح الشاة وذبح البقرة هناك رحمة في شرعنا.

وأخرج الحاكم في مستدركه، وقال صحيح على شرط البخاري، عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه، أن رجلاً أضجع شاة يُريد أن يذبحها، وهو يُحِدُّ شفرته، يُحد شفرته أمام هذه الشاة وهو يُحد شفرته، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتريد أن تميتها موتات؟))، موتات جمع موتة، ((أتريد أن تميتها موتات؟ هَلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها)) سيدنا الرسول يخاف على مشاعر شاة، هذا نبي الرحمة، كيف رحمته بنا، كيف رحمة هذا التشريع بابن آدم وبالمؤمن؟! إنه أكثر رحمة.

الحديث الأخير: ذَكره الواقدي في المغازي، عَن سيدنا عبد الله بن أبي بكر بن حزم رضي الله تعالى عنه قال: لما سارَ رسول الله عليه وسلم مِن العَرْجِ في فَتح مكة رأى كلبة تُهِرُّ على أولادها، يعني تُصَوِّت وتَصيح خائفة مِن منظر الجيش وأصوات أقدام الخيول والإبل، رَأى كلبة تُهِرُّ على أولادها وهن حولها يَرضَعْنَها، فأمر رجلاً من أصحابه يُقال له جميل بن سراقة أن يَقوم حذاءها لا يَعرض أحد مِن الجيش لها ولا لأولادها، الله أكبر، أمر واحداً مِن الجيش يُقال له جميل بن سراقة أن يَقوم حذاءها، ما مهمتك يا سيدنا يا جميل؟ قال: وكلني رسول الله أن أقف ها هنا، لماذا تقف ها هنا؟ قال: حراسة، مَن تحرس؟ قال: أحرس كلبة مَعها أولادها لِئَلا يتعرض لها أحد من الجيش.

صَلَّى الله عليك يا سيدي يا رسول الله، هذه رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالحشرات وبالحيوانات، قَبلَ أن يُكلمونا عن الرفق بالحيوان، وهم الذين ألقوا القنابل على "هيروشيما ونياكازاكي"، وكانت الحصيلة مئات الآلاف من القتلى، قَبلَ أن يحدثنا الغرب عن الرفق بالحيوان، لماذا لا يَذكرون أن في تاريخهم مقتل مئة وستين مليون هِندي أحمر، لماذا لا يحدثونا ويَكذبون؟ ولماذا يُزورون وهم في تاريخهم في الحَرب حرب التمييز العنصري في أمريكا تحت كُل شبر مِن الولايات المتحدة الأمريكية جُمجمة إنسان، إما هندي أحمر أو زنجي أسود، مِائة وخمسين مليون زنجي أسود، إبادات، الحرب العالمية الأولى لا علاقة للمسلمين بها، ضحيتها أكثر من ثمانية مليون إنسان، الحرب العالمية الثانية لا علاقة للمسلمين بها ولم يُشعلوها، ضحيتها أكثر من أربعة عشر مليون إنسان، قبل أن يحدثنا الغرب عن الرفق بالحيوان يجب أن ينظر إلى يديه اللتين تقطران دماً من دماء الأبرياء، إذا حُدثتم عن إسلامكم فارفعوا رؤوسكم عالياً، لأن هذا الإسلام هو إسلام الرحمة، ولأن نبينا صلى الله عليه وسلم هو نبي الرحمة.

هَذه الأحاديث مِن كتب الشمائل التي قصرنا في قراءتها، يَجب أن نحفظها وأن نحفظها أبناءنا لأنهم يريدون في المستقبل القريب أو البعيد أن يكون عنوان الإسلام دين الإرهاب، فإذا قالوا ذلك فليكن أبناؤنا مُحصنين ضِدَّ هذه التسميات، لِيَكن أبناؤنا على معرفة ودراية برحمة النبي ورحمة هذا الدين بالنمل والنحل، رحمته بالحيوان قبل أن ينتقل إلى رحمة الإنسان.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم, استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.
أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1243
تحميل ملفات
فيديو مصور