المعالم الدمشقية الأثرية » الخط العربي في العمارة الإسلامية

الخط العربي في العمارة الإسلامية في دمشق

إدارة التحرير


الخط العربي في العمارة الإسلامية في دمشق
ذكر قتيبة الشهابي فيما ذكره عن الكتابات المنقوشة في العهود الإسلامية في كتابه "النقوش الكتابية في أوابد دمشق" : لم يتوقف العطاء الزخرفي للفنان المسلم عند حدود الأشكال النباتيّة والهندسيّة فحسب, بل تعدّاه إلى إرساء قواعد جديدة للخط العربي وتوظيفها كعناصر زخرفيّة تتوّج الأشكال النباتيّة والهندسيّة . وكان للكتابات المنقوشة في العمارة الإسلاميّة هدفان أساسيّان هما:

1- تأريخ المكان: ويبدأ النص فيها بالبسملة ثم-على الأغلب- بآية قرآنية أو حديث نبوي شريف, أو قصيدة شعرية مؤرّخة أو حكمة أو قول مأثور, يلي ذلك اسم المكان واسم الحاكم أو الواقف أو المنفق عليه والمشرف على تنفيذه وسنة الإنشاء, وكذلك المرسوم السلطاني والأوامر و الوقـفيّات وما إليه.

2-زخرفة البوّابات والأبواب والسواكف والواجهات والجدران والنوافذ .

وهكذا انتشرت الكتابات المنقوشة في أوابد دمشق فطعّمت زخارف المساجد وجذوع المآذن والمحاريب والمنابر ودور القرآن ودور الحديث والخوانق والزوايا والتكايا والمدارس والبيمارستانات والنوافذ والأبواب والقباب والترب والأضرحة والقبور وشواهدها, والسبلان والحمّامات والأعمدة وغير ذلك . ففي العصر الأموي كان للخط الكوفي ببنائه الهندسي المترابط بزوايا حادّة قصب السبق في الكتابات المنقوشة, ولا غرو فهو أقدم الخطوط وأجملها من حيث السبك والتكوين, وقد اعتمده الأمويين في تأريخ وزخرفة مشيّداتهم, ونشاهد نموذجاً منه في خان قرب قصر الحير الغربي يؤرّخ بناءه من قبل هشام بن عبد الملك, أمّا في مشيّدات دمشق فلم يصلنا منه ولا نقش كتابي . وفي العصر السلجوقي استمرّ النقش بهذا الخطّ إلى جانب خطّ الثلث الذي ظهر سنة328ه/939م واستعمل بشكل محدود في مشيّدات ذلك العصر. وفي المتحف الوطني بدمشق رخامتان مأخوذتان من الجامع الأموي ومنقوشتان بالخطّ الكوفي تؤرّخان أعمال ترميم وترخيم لقبّة النسر سنة 482ه/1089م, أيام الخليفة العبّاسي المقتدي بأمر الله والوزير نظام الملك والسلطان ملك شاه وأخيه حاكم دمشق " تتش" . وفي الرواق الشمالي لصحن هذا الجامع إلى يمين الخارج من باب الكلاسة كتابة منقوشة بالخطّ الكوفي الزخرفي المشجّر تؤرّخ تجديد الحائط الشمالي للجامع في عهد تاج الدولة تتش سنة 482ه/1089م, ومثله وفوق الباب المذكور نصّ كوفي يؤرخ استكمال تجديد الحائط المذكور سنة503ه/1109م أيام السلطان محمّد بن ملك شاه. أمّا في العصر الأتابكي,  الذي هو امتداد للعصر السلجوقي, فقد شاع خطّ الثلث في الكتابات المنقوشة ومثال ذلك ما نقش في ساكف المدرسة النّوريّة في سوق الخياطين, وكتابة بالفسيفساء الزجاجي في جدار الرواق الشرقي للجامع الأموي وفيها ذكر لاسم السلطان نور الدين محمود بن زنكي. وشاع في العصر الأيوبي خطّ الثلث ويسمّيه بعض المؤرخين (النسخي الأيوبي) , فنقشت به سواكف أبواب الجوامع الكبرى ودور الحديث والمدارس والترب, كجامع التوبة في حي العقيبة, ودار الحديث الأشرفية البرانية والمدرسة المرشديّة والبيمارستان القيمري والتربة القيمريّة وغيرها في جادة المدارس (سوق الجمعة) من حيّ الصالحيّة, وفي المتحف الوطني لوحة رخاميّة بخطّ الثلث تؤرّخ ترخيم دعامات قبة النسر سنة575ه/1179م في عهد السطان صلاح الدين الأيوبي, وعلى عضادة الرواق الشمالي للجامع الأموي كتابة وقفية بخط الثّلث مؤرّخة سنة639ه/1241م, وفي ساكف التربة الكاملية بنفس الجدار كتابة منقوشة بهذا الخط تؤرّخ وفاة الملك الكامل محمّد بن الملك العادل أبي بكر سنة 635ه/1237م من العصر الأيوبي . وفي العصر المملوكي عاد الخطّ الكوفي إلى الظهور ثانية ولكن بصورة أقلّ من خطّ الثلث حين وظّفه المماليك كعنصر زخرفي و تأريخي . ونشاهد انتشار خط الثلث في ذلك العهد في الجوامع ودور القرآن والخوانق والمدارس وما إليها, ففي أعلى بوابة المدرسة الجقمقيّة بحيّ الكلاّسة شريط كتابي بخطّ الثلث, وكذلك في سواكف نوافذ المدرسة الجهاركسيّة في جادة المدارس من حيّ الصالحية, وعلى الجدار الجنوبي لدهليز الباب الغربي للجامع الأموي كتابة بالفسيفساء الزجاجي وبخطّ الثلث تؤرّخ أعمال تجديد وترميم في عهد السلطان الملك الظاهر بيبرس ونائب السلطنة المملوكيّة بدمشق جمال الدين آقوش النجيبي . ويتّصف العصر العثماني بالغنى الخطّي, فإلى جانب خط الثلث التقليدي ظهرت الكتابات المؤرّخة بالخطّ الفارسي الذي استخلصه "حسن الفارسي" في القرن 4ه/10م من خطوط النسخ والرقاع والثلث. كما ظهر الخطّ النسخي الحديث, ونشاهد ذلك في التكيّة السليمانيّة, كذلك استعمل الخطّ الديواني أحياناً في بعض الكتابات المنقوشة ولكن بصورة قليلة والذي وضع قواعده "إبراهيم منيف"سنة860ه/1455م, كما ظهرت الطغراء العثمانية وهي توقيع السلطان عبد الحميد خان الثاني في جذع العمود المؤرّخ لجلوسه فوق عرشه أمام مبنى السراي عند ضفة نهر بردى, كما اعتمدها قبله السلطان سليمان القانوني وغيره من السلاطين .
Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://www.awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=391&id=3694