الجزء الأول -تُغضِبُه زوجُه فيتفوَّهُ بألفاظٍ جارحةٍ مستهزئاً بأهلها شاتماً لها داعياً بالويل والثبور على نفسه؛ لأنه تزوجها!. ويعود بعد أيام معتذراً عما بدر منه طالباً ودَّها وقربها! (آفات اللسان). -يزعجُها ابنُها فتدعو اللهَ أن يخلصها منه، وأن يغضبَ عليه وأن.. وأن.. وأن..! (آفات اللسان) -له سهرةٌ في كل خميس مع أصدقائه, يمضغون فيها لحومَ زملائهم، ويتبادلون طرائفَ يندى لها الجبين, ويتهامسون بقصصٍ فيها من البهتان والكذبِ وهتكِ الأعراضِ ما تبعدهم عن الفضيلةِ والدين بُعْدَ المشرقِ عن المغرب. (آفات اللسان) -عندما انزعجَتْ من زوجها مضَتْ غضبى إلى بيتِ أهلها، وراحتْ تنعَتُ زوجَها بكلماتٍ نابية وعباراتٍ دنيَّةٍ! بل إنها اتصلَتْ بزملائه لتصفَهُ بأبشع الأوصاف وأسوئها؛ ومما يزيدُ العجبَ أنها عادتْ إليه بعد أسابيع تمازحُه وتلاطفُه وتبثُّه الشوق والحب! (آفات اللسان) -في زحامِ السيرِ وتباطؤِ الخُطا وحرارةِ شمس الظهيرة تتجاوزُ سيارةٌ سيارةً لم تمضِ مسرعةً عند ضياء اللون الأخضر، ويلتفتُ سائقُها إلى سائقِها ليصفَهُ بالعمى والصمم وكلماتٍ أسوأ! (آفات اللسان) -عندما تخاصَمَ الشريكان وقرَّرا إنهاءَ العلاقة التجارية التي دامتْ بينهما عشرين سنةً، راح كلٌّ منهما يسلُقُ صاحبه بلسانٍ حادٍّ وكلماتٍ موجعة! (آفات اللسان) أيها الإخوة: مرض آفات اللسان مرَضٌ إيمانيٌّ وخُلُقي ومشكلةٌ اجتماعيةٌ تُلقي آثارَها السيئةَ على علاقاتنا الأسرية وأسواقنا التجارية، واللسانُ الجارحُ يقضمُ الحسنات صعوداً، ويمضغُ الصالحات نزولاً؛ فلتحذر عدوَّك مرةً ولْتحذَرْ لسانَك ألفَ مرة. قال ابن الأثير الجزري في شرح الحديث: (حصائدُ ألسنتهم) الحصائد: جمع حصيدة، وهي ما يُحصَد من الزرع، شبَّه اللسان وما يُقتطعُ به من القول بحدّ المنجلِ وما يُقطَعُ به من النبات( أبو عبد الله محمد بن علي ابن الأزرق الغرناطي من وفيات القرن التاسع الهجري، فقيهٌ قاضٍ مفكِّرٌ إمامٌ عالم اجتماع، صنَّفَ كتاباً سماهُ (بدائعُ السَّلك في طبائع الملك) ومما وجدتُهُ في الكتاب أنه حاول أن يُحصي جروحَ اللسان، أعني المصائب التي تنزل بصاحب اللسان الجارح، أو قُل: أمراضُ اللسان الخُلُقية والإيمانية. من هنا -أيها الإخوة- نستطيع أن نفهم الحديثَ الذي أخرجه الإمامُ الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه موقوفاً ومرفوعاً: «إذا أصبح ابنُ آدم، فإنَّ الأعضاء كُلَّها تكفر اللِّسان، فتقول: اتَّقِ الله فينا، فإنما نحن بك، إنِ استقمتَ استقمنا، وإنِ اعْوَجَجْتَ اعوجَجْنا» [أحمد والترمذي] وعن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا نبي الله، حدِّثني بأمرٍ أعتصم به، قال: «قل: ربي الله، ثم استقم»، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: «هذا» [أحمد والترمذي] قال الإمام النووي في الأذكار: وروينا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما من شيءٍ أحقُّ بطول السجنِ من اللسان. احفظْ لسانَك أيُّها الإِنسانُ لا يلدغنَّك إنه ثُعبانُ أيها الإخوة، أيها الشباب، أيها الرجال، أيتها الزوجات والأمهات والأخوات: مطلوبٌ من كل واحدٍ فينا أن يضبطَ لسانَه حتى لا يكون جارحاً مؤذياً خارجاً عن تعاليم الشريعة. إنه من غيرِ المقبول عرفاً، ولا المرضيِّ شرعاً أن ترى المرأةَ تعتني بمظهرها الخارجي ليكون حسناً، وليستْ تعتني بكلامها ليكونَ حسناً. وإنه من غير المقبولِ عرفاً، ولا المرضي شرعاً أن ترى الشاب يجتهد ليُحَصِّل أعلى الدرجاتِ العلمية، وليس يجتهدُ ليُحصِّل أدنى درجاتِ ضبط النفس عند الغضب. وإنه من غير المقبولِ عُرفاً، ولا المرضي شرعاً أن ترى الرجلَ وجيهاً في منصبه ثريَّاً في ثوبه، وتراه وضيعاً في كلامه فقيراً في آدابه. وقد رأوا رجلاً يرتدي ثوباً جميلاً، ويتكلم كلاماً قبيحاً، فقالوا له: عذراً، إما أن تتكلم مثل ما تلبس، أو أن تلبس مثل ما تتكلم. إنَّ المسلمَ كالنحلة لا يُدخِلُ إلا طيباً، ولا يَخرج منه إلا طيبٌ، ولا يقفُ إلا على طيبٍ، إنَّ المسلمَ كالنخلة إن كلمتَهُ نفعَكَ، وإن شاركتَه نفعك، وإنْ شاورْته نفعَك، كلامُه ذكرٌ، وصمتُه فِكرٌ. إنَّ المسلمَ بشرٌ يغضب كما يغضب البشرُ ويحزن كما يحزنون، لكنَّه يغضبُ فلا يقولُ إلا الحقَّ، ويحزنُ فلا يخرج منه إلا الصواب. ذُكِر أن سيدنا الحسين بن علي بن الحسين رضي الله عنهم كان إن شاتمه أحدٌ قال له: إن كنتُ كما تقولُ فعسى اللهُ أن يغفرَ لي، وإنْ لم أكنْ كما تقولُ فعسى اللهُ أن يغفرَ لك. وذكروا أنَّ عمرَ بنَ عبد العزيز لما ولي خرج ليلةً ومعه فتاهُ، فدخل المسجدَ فمرَّ في الظلمة برجل فعثرَ به، فرفع رأسه إليه وقال: أمجنون أنت؟ قال عمر: لا، فهمَّ فتاهُ بضرب الرجل، فقال له عمر: صه، إنما سألني وأجبتُهُ. أيها الإخوة: ختاماً، كيف يسيطرُ المرءُ على لسانه حتى لا يتكلم كلاماً جارحاً، لا في بيته، ولا في سوقه التجاري؟. يعينك على ذلك أربعة أمور: أولها- مجالسُ العلم؛ لأنها تذكّرك إذا نسيتَ، وتعلمُكَ إن جهلْتَ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمتْ البخاري ومسلم نسألُ الله تعالى أن يعينَنا على تصحيحِ أقوالنا وأفعالنا حتى يُعجِّلَ لنا بالفرج.
|
||||||||
|