الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2017-10-15 الساعة 09:50:07
مهنة المحاسبة -2-
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ   وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ*} [التوبة: 105].

وقال سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:94].

أخرج البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ

أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ».

وأخرج البخاري ومسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن يُرِد الله به خيراً يفقِّهه في الدِّين».

هذه هي الخطبة السادسة والعشرون في سلسلة (مهنتي: فقهها وآدابها)

ونبدأ اليوم الحديث عن مهنة المحاسبة -3-.

أيها الإخوة:

كتب الدكتور محمود البحيصي الأستاذ في كلية التجارة في الجامعة الإسلامية بغزة

في كتابه المحاسبة في الإسلام يقول: (كانت الأموال في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تحفظ في بيته صلى الله عليه وسلم، حيث كانت توزع في اليوم التالي على مستحقيها وأحيانا في نفس اليوم، وكذلك الحال كان في عهد سيدنا أبي بكر الصديق.

 ولكن مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية وتنوع إيراداتها ومصروفاتها وزيادتها بشكل

كبير أمر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( ت 23 ه ) بإنشاء بيت المال بغرض

حفظ وصيانة الأموال والتصرف فيها حسب مقتضيات الأمور، وكان بيت المال في

 ذلك الوقت بمثابة وزارة الخزانة في العهد الحالي،  وقام بيت المال على أساس

  أسلوب التخصص في العمل، فكان لبيت المال نظام محاسبي له مبادئ ودفاتر وحسابات ومستندات، وأنشئت فيه دواوين يختص كل ديوان منها بنوع معين من

  الإيرادات والمصروفات، وتم إنشاء بيت للمال في كل ولاية من ولايات الدولة الإسلامية ترتبط جميعها ببيت المال المركزي، وفي بيوت المال كانت تعمل ميزانيات دورية يطلع عليها الوالي ويتحقق من بنودها.

وأحب أن أطلعكم على الدفاتر الثلاثة المستخدمة في بيت المال:

1- دفتر تعليق اليومية: وفيه يسجل كل ما يتجدد في اليوم من إيرادات ومصروفات و

لا يترك شيئا، مهما قلت قيمته أو ارتفعت، دون تسجيل وهو يشبه في الفكر المحاسبي المعاصر دفتر اليومية .

2- دفتر المخزومة: وفيه تسجل المعاملات اليومية لكل فرع من فروع الإيرادات والمصروفات ويتم إعداده من عدة نسخ حسب عدد الأشخاص الذين يجب أن ترفع إليهم هذه النسخ وهو بذلك يشبه دفتر اليومية المساعد في الفكر المحاسبي المعاصر.

3- دفتر الجريدة: وفيه يسجل أسماء أصحاب الاستحقاق ومعاملاتهم المدينة والدائنة

مع بيت المال ويسجل فيه أيضاَ موجودات المشروع  من عروض القنية وعروض التجارة والتغيرات التي تطرأ عليها وكان التسجيل يتم في هذا الدفتر من واقع تعليق اليومية، وهو بذلك يشبه دفتر الأستاذ في الفكر المحاسبي المعاصر.

أما الحسابات فمنها  حساب الختمة ويشبه الحسابات الختامية في الفكر المحاسبي

المعاصر. وحساب توالي الغلال ويشبه حساب المخزون السلعي. وحساب المبيع

 وحساب المبتاع ويشبهان حساب المبيعات وحساب المشتريات اليوم. و حساب

الارتفاع و يشبه قائمة التغير في المركز المالي).

كل هذا الذي سقته لكم أيها الإخوة ليكون واضحا بين أيديكم أن الفكر الاقتصادي

الإسلامي سبق غيره مثات السنين، وما على المشتغلين فينا بالمحاسبة والاقتصاد

والإدارة اليوم إلا أن يتمموا مسيرة آبائهم في العلم والعمل المنضبطين بضوابط الشريعة.

وينفع أن أسرد لكم الحادثتين الآتيتين اللتين ذكرهما الدكتور سامر قنطقجي في

أطروحته للدكتوراه في المحاسبة بعنوان فقه المحاسبة الإسلامية، قال: روى ابن الجوزي في تاريخ عمر بن الخطاب عن عامر بن شقيق أنه سمع أبا وائل يقول:

استعملني زياد على بيت المال فأتاني رجل بصك (ورقة شبيهة بالأوراق التجارية)

فقال فيه: أعط صاحب المطبخ ثمانمائة درهم.

بينما كان الأوربيون عام 1828 يتعاملون بعصي الحساب وعصي الحساب هي قطع

من الخشب كانت تُعلَّم بأثلام عليها, وبدءا من القرن الرابع عشر وحتى العام 1828 كانت الخزانة البريطانية تستعمل هذه العصي في طلباتها من الضرائب وكانت تعطيها المواطنين كإيصالات استلام للضرائب.

فإذا علمت أن كتابة الصك في بلاد المسلمين كانت في زمن  سيدنا عمر، وقد كانت وفاته سنة 23 ه – 644 م، وعلمت أن عصي الحساب بقيت تستخدمها بريطانيا لعام

1828، ظهر لك مدى تقدم المسلمين وعلومهم مع أن الفارق الزمني يبلغ حوالي 1200 سنة.

 يسعني في خطبة اليوم أن أجيب عن سؤالين اثنين:

- أريد مرجعاً يفيدني في معرفة أحكام الزكاة وطريقة حسابها.

- هل يعفى المحاسب من مسؤوليته أمام الله إذا التزم بتعليمات الإدارة المخالفة للشريعة؟

وإليكم الإجابات والله المعين.

السؤال الأول: أريد مرجعاً يفيدني في معرفة أحكام الزكاة وطريقة حسابها.

يطلب مني صاحب العمل أن أحسب زكاة ماله، أرجو الدلالة على مرجع يفيدني في معرفة أحكام الزكاة وطريقة حسابها.

الجواب: من القواعد الفقهية المقررة أن ما يتم الواجب به فهو واجب، ولما كان

 دفع الزكاة واجباً على الغني وكان لايستطيع دفعها إلا بعد حسابها وضبطها؛ كان حساب الزكاة وضبطها واجبا، والمحاسب الذي يعين صاحب العمل على حساب زكاته يعينه على واجب فهو مأجور مبرور مشكور ما تعلم أحكام الزكاة وطبقها.

وإني أنصح الإخوة المحاسبين والأخوات ومثلَهم المحاسبيين القانونيين والمدراء

 الماليين والمدراء العامين والتنفيذيين أن يرجعوا في حساب زكاة مؤسساتهم إلى

موقع هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وهي هيئة تعمل على

توفير الأدلة الإرشادية اللازمة لعمل الأسواق المالية الإسلامية وإعداد التقارير

المالية بصورة موافقة لأحكام الشريعة ومبادئها. بالإضافة إلى وضع المعايير

للمؤسسات المالية الإسلامية بما يدعم نمو الصناعة وتطورها، تأسست عام 991

للميلاد مقرها البحرين، وقد أصدرت الهيئة كتابين عظيمي الفائدة بالنسبة للمحاسبين

والمدراء الماليين والإداريين وأمثالهم، أولهما كتاب المعايير الشرعية  والثاني كتاب

معايير المحاسبة والمراجعة الإسلامية، وتجدون في كتاب المعايير الشرعية حديثا

عن معيار الزكاة صدر عنها عام 2008 للميلاد مؤلفا من عشرين ورقة، وفيه حديث

عن طرق تحديد وعاء الزكاة وعن القوائم المالية المتعلقة بالزكاة وعن أحكام الزكاة

بالنسبة للموجودات الثابتة والموجودات المتداولة السلعية والموجودات المتداولة

 السائلة أو سهلة التسييل وبالنسبة للحسابات الجارية والاستثمارية والسندات والصكوك وللمبالغ المحتجزة لتوثيق التعامل كهامش الجدية.

وفيه بيان للذمم المدينة والدائنة للمؤسسة وعلاقتها بالزكاة، وبيان للمخصصات والاحتياطيات ومَن منها تدفع زكاته ومَن منها لا تدفع. وغير ذلك.

وأحب أن أقرأ عليكم شيئا مما جاء في معيار الزكاة في الحديث عن الموجودات المتداولة السلعية في بنود القوائم المالية:

الفقرة 5/2/6/1 تقول: المخزون السلعي المعد للتجارة والمواد الخام بأنواعها

والبضائع المعدة للبيع على حالتها أو بعد تحويلها بتصنيعها مع إضافة مواد أو قطع أخرى إليها؛ يزكى بالقيمة السوقية للبيع

وإذا كانت البضاعة معيبة فتزكى بالقيمة السوقية بحسب بيعها جملة أو تجزئة، فإن

كان البيع بهما فالعبرة بالأغلب، وإذا كانت البضاعة بطيئة الحركة فتزكى بقيمتها السوقية بحالتها الراهنة. وإذا أنشئ لها مخصص فإنه لا يحسم من الموجودات الزكوية.

الفقرة 5/2/6/2: البضاعة قيد التصنيع تزكى بقيمتها السوقية بحالتها يوم وجوب الزكاة، فإن لم تعرف لها قيمة سوقية تزكى تكلفتها.

الفقرة 5/2/6/4: المهمات الصناعية (قطع الغيار) المستخدمة في معدات الإنتاج لا تدخل في الموجودات الزكوية.

وهكذا تجدون أيها الإخوة المحاسبون حديثا عمليا عن احتساب الزكاة وتطبيقاتها في

 معيار الزكاة الصادر في كتاب المعايير الشرعية التي أصدرته هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، وفيه نفع كبير لكم، والله أعلم.

السؤال الثاني: هل يعفى المحاسب من مسؤوليته أمام الله إذا التزم بتعليمات الادارة المخالفة للشريعة؟

وقد جاءني أيها الإخوة عدد من أسئلة المحاسبيين كلها تنصب في معنى السؤال السابق:

- تحدث أخطاء في المطالبات والفواتير التي تخص بعض الموردين أو الذين يقدمون

الخدمات لشركة ما وعندما تصل إلى محاسب الشركة تطالبه الإدارة بغض الطرف

 عن هذه الأخطاء عندما تكون لصالح الشركة وعدم إبلاغ الطرف الآخر عنها، فما الحكم في ذلك؟

- يطلب مدير العمل من المحاسب الكذب وإعطاء معلومات خاطئة مثل نسبة الربح متدنية ونحو ذلك لباقي أقسام الشركة، فهل يجوز ذلك؟

- الشركة التي أعمل بها هي وكيل لشركة أجنبية وبيننا عقد واضح، هل أنا آثم إن

طلب مني صاحب العمل إعداد حسابات للشركة الأم بقيم غير حقيقية؟

- هل يجوز إخفاء البيانات المحاسبية عن أحد الشركاء بطلب من باقي الشركاء؟

والجواب عن كل هذه الأسئلة ونحوها أن المحاسب لا يعفى من مسؤوليته أمام الله

إذا خالف الشريعة ولو أمرته بذلك الإدارة. إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق،

 والتعاون على الإثم والعدوان والكذب والتزوير منهي عنه شرعا، وكل امرئ بما

كسب رهين، قال تعالى في عاقبة من اتبع غيره على معصية وأطاعه في إثم وضلال

{وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ

الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ

حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ } [البقرة: 165 - 167].

ومن المبادئ التي قررها الإسلام أنه إذا حرم شيئا حرم كل ما يفضي إليه، وأن إثم

الحرام لا يقتصر على فاعله وحده بل يتعدى ليشمل كل من شارك فيه بجهد مادي أو

 معنوي، وأن ما أدى إلى حرام فهو حرام وما أعان على حرام فهو حرام، وكلٌّ يناله

من الإثم على قدر مشاركته.

والحاصل أن المحاسب المأمور بمعصيةٍ من قبل إدارته يعتذر إليها ويمتنع عن

مجاراتها في الخطأ ويجتهد في نصحها، فإن اتعظت نال الأجر والأجرة، وإن لا و

هددت المحاسب بالفصل من العمل فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، و

لا ريب أن اليمين التي يقسمها المحاسب القانوني تدعو إلى مراقبة الله في عمله والصدق فيه. والله أعلم.

أيها الإخوة:

هذه إجابات على بعض أسئلتكم المتعلقة بمهنة المحاسبة وللموضوع تتمة إن شاء الله

، واذكروا أن المطلب الرئيس من كل من يستمع لهذه الخطب أن يُحَكِّم شرعَ الله في مهنته، لئن فعلتَ فأنت تتعبد الله تعالى في مكان عملك تماماً كما تتعبد الله تعالى في مسجدك، وإن لم تفعل فحاول أن تفعل، وابدأ الآن.

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1441
تحميل ملفات
فيديو مصور