الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2017-08-20 الساعة 07:40:11
مهنة السواقة -3-
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

 

قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ   وَسَتُرَدُّونَ إِلَى

عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ*} [التوبة: 105].

وقال سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:94].

أخرج البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ

أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ».

وأخرج البخاري ومسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن يُرِد الله به خيراً يفقِّهه في الدِّين».

هذه هي الخطبة الحادية والعشرون في سلسلة (مهنتي: فقهها وآدابها)،

ونتابع اليوم الحديث عن: مهنة السواقة -3-، ولئن تحدثت الخطب الماضية عن

مسائل فقهية في هذه المهنة، فإن خطبة اليوم تتحدث عن آداب مهنة السواقة.

أيها الإخوة:

لا أجد في الحديث عن آداب مهنة السواقة أكمل من كلام رسول الله صلى الله عليه

وسلم، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عـن أبـي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليـه وسلم:

«إياكم والجلوس فـي الطرقات، قالوا: يا رسول الله، مـا لنا بد مـن مجالسنا، نتحدث فـيهـا، قال: فـإذا أبـيتم، فأعطوا الطريق حقه، قالوا: ومـا حقه؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عـن المنكر».

وفي حديث أبي هريرة عند أبي داود بزيادة: «وإِرْشَادُ السبيل».

وفي حديث عمر بن الخطاب عنده بزيادة: «وتُغيثُوا الملْهُوف، وتَهْدُوا الضَّال».

وَفِي حَدِيث ابن عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ مِنَ الزِّيَادَةِ: «وَأَعِينُوا عَلَى الْحَمُولَةِ».

وفي حديث سهل بن حنيف عند الطبراني من الزيادة: «وذكر الله كثيرا».

قال الإمام النووي: (وَيَدْخُلُ فِي كَفِّ الْأَذَى اجْتِنَابُ الْغِيبَةِ وَظَنِّ السُّوءِ وَاحْتقَارِ بَعْضِ الْمَارِّينَ وَتَضْيِيقِ الطَّرِيقِ).

فاجتمعت عشرة حقوق للطريق -وسائقو المركبات العامة والخاصة هم أولى الناس

بأدائها- : غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عـن

المنكر، وإغاثة الملْهُوف، وهداية الضَّال، والإعانة عَلَى الْحَمُولَةِ، وعدم تضييق

الطريق على الناس، وذكر الله كثيرا.

وأخرج الترمذي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله

عليه وسلم: «تَبَسُّمُكَ في وجه أخيك صدقة، وأمْرُك بالمعروف ونَهْيُكَ عن المنكَرِ

صدقة، وإرشادُك الرجل في أرض الضلال؛ لك صدقة، وبَصَرُك للرجل الرديء

البصر؛ لك صدقة، وإماطتكَ الحجَرَ والشوكَ والعظمَ عن الطريق؛ لك صدقة، وإفراغُكَ من دَلْوِكَ في دَلْوِ أخيك صدقة».

بين يدي مراجعان يتحدثان عن أخلاقيات السواقة وآدابها، أولهما كتاب صادر عن وزارة النقل السورية توزعه الوزارة على المتقدمين للحصول على إجازة السوق وتختبرهم بما فيه، جاء الكتاب في ثمانية فصول، وعنونت الفصل الأول بمبادئ وآداب القيادة، وكأني بها مشكورة تقول: الأدب والأخلاق أولاً.

والثاني كتاب الأحكام والآداب الشرعية لسـائـق السـيـارة دراسة فقهية مقارنة بالـقـانـون الكويتي، أعدها الدكتور محمد عبد الرزاق الطبطباني.

وها أنا أتخير لكم مما جاء الكتابين أربعاً من آداب مهنة السواقة:

أولا: المحافظة على الأذكار الشرعية:

فهي زاد السائق الروحي في أثناء قيادته المركبة، روى أبو داود وغيره عن عليّ

بن ربيعة قال: شهدتُ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أُتي بدابّة ليركَبها، فلما

وضعَ رجلَه في الرِّكاب قالَ: بِسْمِ الله، فلما استوى على ظهرها قال: الحَمْدُ لله، ثم

قال: (سُبْحانَ الَّذي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كنا له مقرنين، وَإِنَّا إلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) ثم قال:

الحَمْدُ لِلَّهِ، ثلاثَ مرّاتٍ، ثم قال: اللَّهُ أكْبَرُ، ثلاثَ مرّاتٍ، ثم قال: سُبْحانَك إنِّي ظَلَمْتُ

نَفْسِي فاغْفِرْ لي، إنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ، ثم ضَحِكَ، فقيل: يا أميرَ المؤمنين من

أي شيء ضحكت؟ قال: رأيتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فعلَ مثلَ ما فعلتُ ثم ضَحِكَ،

فقلتُ: يا رسولَ الله من أي شيء ضحكت؟ قال: «إنَّ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ

إذَا قالَ: اغْفِرْ لي ذُنُوبي، يَعْلَمُ أنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي».

ومعنى مقرنين كمـا ذكر ابـن كثير فـي تفسيره: أي مقاومين، ولولا تسخير الله لنا

هـذا مـا قدرنا عليـه،  ومعنى قوله: وإنا إلـى ربنا لمنقلبون، أي: لصائرون إليه بعد ممـاتنا وإليه سيرنا الأكبر. قال ابـن كثير: وهذا مـن باب التنبيه بسير الدنيا عـلـى سير الآخرة.

فإذا كان في ركوب سفر ذكَر الله بما جاء  في "صحيح مسلم" عن عبد الله بن

عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على

 بعيره خارجاً إلى سفر كبَّر ثلاثاً، ثم قال: «سُبْحانَ الَّذي سَخَّرَ لَنا هَذَا وما كنا له

مقرنين، وإنا إلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسألُكَ فِي سفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ العَمَلِ ما تَرْضَى، اللَّهُمَّ هون عَلَيْنا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالخَلِيفَةُ في الأهل، اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثاءِ السَّفَرِ، وكآبَةِ المَنْظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلَبِ في المَالِ والأهْلِ» وإذا رَجع قالهنّ، وزاد فيهنّ: «آيِبُونَ تائبُونَ عابدُونَ لرَبِّنَا حامِدُون». هذا لفظ رواية مسلم.

زاد أبو بكر في روايته "وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبّروا، وإذا هبطوا سبَّحوا.

ثانيا: إزالة الضرر عـن الطرق:

يستحب للسائر فـي الطريق، إذا وجد مـا يعوق سير الناس أن يزيله، أو أن يتقدم إلـى الجهة المسؤولة بطلب إزالته، وأن ذلك مـن الأسباب التـي يغفر له بـهـا الذنوب.

فقـد قال رسول الله صلي الله عليـه وسلم: «بينمـا رجل يمشي بطريق، فوجد غصن شوك عـلـى الطريق، فأخره، فشكر الله لـه، فغفر لـه» [مسلم].

وقال أبـو برزة: قلت: يا نبي الله، علمني شيئا أنتفع بـه، فقال: «اعزل الأذى عـن

طريق المسلمين». [مسلم].

وإذا كـان السـائـق مـأموراً بـأن يبعد الأذى عـن الطريق، فمن باب أولى ألا يقوم

هو بإيذاء الآخرين، ومـن صور هـذا الإيذاء إلقاء كـل مـا يضر فـي الطريق، مـن

المخلّفات، أو الوقوف بالسـيـارة فـي أمـاكن تمنع الآخرين مـن الخروج مـن المنزل،

أو مـن المرور، أو تسبب لـهـم الضيق. أو قيادة السـيـارات التي تصدر دخانا مؤذيا

 وسامّاً للناس أو أن يقف الأصحاء فـي المواقف المخصصة للمعاقين. أو استعمـال المنبه فـي الأمـاكن السكنيّة، أو بصورة مزعجة.

فكل هذا من الضرر، والمتوقع من السائق المنضبط بخلق الإسلام ألا يوقعه بالناس.

ثالثا: التعاون بين السـائـقين والمارة:

فمن آداب السواقة تعاون السـائـق مع إخوانـه فـي الطريق من المارة والسائقين.

فيقف لعجوز تريد أن تعبر الطريق أو لامرأة وأطفالها، ويهدي ضالا عن طريقه

 ويأخذ بيد أعمى وضعيف، ويساعد سائقاً تعطلت سيارته في طريق عام، ويحمل

لضعيفٍ أمتعته إلى صندوق سيارته، ويفسح الطريق لسيارة الطوارئ والإسعاف و

نحو هذا، عـن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليـه وسلم يقول: «ومـن كـان فـي حاجة أخيه، كـان الله فـي حاجته، ومـن فرج عـن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة مـن كرب يوم القيامة» [البخاري ومسلم].

رابعاً: نماذج لأخطاء قد يقوم بها السائق:

- القيادة بشكل أرعن يميناً ويساراً، أو بسرعات كبيرة داخل المدينة.

- الانفعالات العاطفية الشديدة وعدم اعتياد الصبر والحلم. 

- استعمال الزمور بكثرة دون داع، أو إطلاق صوت المذياع عالياً للخارج ليسمع من

في الشارع..!!

- لوم الآخرين ورفض الاعتراف بالخطأ، عندما يحدث اصطدام فيتم إلقاء المسؤولية

مباشرة على أي شخص آخر، ورفض التفكير بالمخطئ الحقيقي، وهذا يعني رفض تحسين السلوك أو إصلاح الأخطاء.

- التباهي على الآخرين بالمركبة الفارهة والسرعة الجنونية قال تـعـالـى: {وَلَا تَمْشِ

فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء: 37]، و

روى أبـو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليـه وسلم قال: «بينمـا

رجل يمشي فـي حلة، تعجبه نفسه، مرجّل رأسه، يختال فـي مشيته، إذ خسف الله بـه، فهو يغوص فـي الأرض إلـى يوم القيامة» [البخاري].

- السير في الطرقات بالسيارة من غير هدف ولا مصلحة يؤديها إلا قتل الوقت قال

ابـن مفلح: "واعلم أن الزمـان أشرف مـن أن يضيع منه لحظة، فكم يضيع الآدمي مـن ساعات، يفوت فـيهـا الثواب الجزيل، وهـذه الأيام مثل المزرعة، كأنه قـد قيل للإنسان: كـلمـا بذرت حبة، أخرجنا لك ألفاً، هـل ترى يجوز للعاقل أن يتوقف عـن البذر أو يتوانى؟"

هـذا بالإضافة إلـى مـا فـي ذلك مـن إتلاف للمـال، باستهلاك الوقود والسـيـارة فـي غير مصلحة.

أيها الإخوة السائقون:

أقامكم الله في خدمة عباده فكم من مرة أسعفتم مشرفاً على هلكة فنجا، وكم من مرة رددتم ضالا عن دربه إلى أهله فبكى، وكم من مرة يسرتم على معسر وقضيتم حاجة ملهوف، تعينون الناس في الحر والقر في الليل والنهار في الحضر والسفر، وقد وردنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «أحـب الناس إلـى الله أنفعهم للناس». [الطبراني].

 لسانكم ذاكر وقلبكم شاكر، تصبرون إذا أسيء إليكم، وتؤدون الأمانة لمن نسيها

معكم، تسعون على رزق العيال، وتتكلون على شديد المحال، فجزاكم الله عنا كل خير وحماكم في حلكم وترحالكم وأعطاكم خير مراكبكم وكفاكم شرها.

أيها الإخوة:

هذا ما أردت أن أحدثكم فيه في مهنة السواقة من فقهها وآدابها، واذكروا أن

المطلب الرئيس من كل من يستمع لهذه الخطب أن يُحَكِّم شرعَ الله في مهنته، لئن

فعلتَ فأنت تتعبد الله تعالى في مكان عملك تماماً كما تتعبد الله تعالى في مسجدك،

وإن لم تفعل فحاول أن تفعل، وابدأ الآن.

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1504
تحميل ملفات
فيديو مصور