الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2017-05-04 الساعة 09:05:31
مهنة التجارة – 1 -
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

 

 

قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ   وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ*} [التوبة: 105].

وقال سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:94].

أخرج البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ

أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ». [البخاري].

وأخرج البخاري ومسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن يُرِد الله به خيراً يفقِّهه في الدِّين».

هذه هي الخطبة الحادية عشرة في سلسلة (مهنتي: فقهها وآدابها)

 ونبدأ اليوم الحديث عن مهنة التجارة – 1 -.

أيها الإخوة:

تَجَرَ بالشيء أو اتَّجر به يعني: باع واشترى، والتِّجَارَةُ هِيَ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ المَالِ

طَلَبًا للرِّبْحِ.

وقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم أول من سمَّى التجَّار في المدينة المنورة تجَّاراً، كانوا يسمّون أنفسهم: سماسرة، فلما دخل عليهم النَّبي صلى الله عليه وسلم سمَّاهم تجَّاراً.

روى الإمام النسائي بإسناده عن قيس ابن أبي غَرَزَة رضي الله عنه قال: كُنَّا نَبِيعُ بِالْبَقِيعِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنَّا نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ

 التُّجَّارِ»، فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ خَيْرٌ مِنَ اسْمِنَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ الْحَلِفُ وَالْكَذِبُ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ».

وفي رواية الترمذي: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ، وَالإِثْمَ يَحْضُرَانِ البَيْعَ، فَشُوبُوا بَيْعَكُمْ بِالصَّدَقَةِ».

فليهنأ التَّاجر لأنَّ الذي سمَّاه هو سيِّدنا محمَّد صلى الله عليه وسلم. وقد قال في حقه: «التَّاجِر الصَّدُوقُ الأَمِينُ مع النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ» [رواه الترمذي وحسنه]

ولا تنسوا أن الله تعالى يقول في قرآنه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ

أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]

وليعلم تاجرنا أنه يزداد قرباً إلى الله تعالى في تجارته ما نوى الخير والتزم أحكام الشريعة فيها.

ولأهمية التجارة وسعة ما يرتبط بها من عقود كالبيع والشراكة والصرف والوكالة وغيرها اسمحوا لي أن أخالف منهج الخطب وأزيد في خطبها على الثلاث.

-    ما حكم بيع ما يحرم الاستفادة منه بوجه من الوجوه؟

-    ما حكم شراء المال المسروق؟

-    أعطيت أخي مبلغا من المال لتثميره، واتفقنا على أن يكون الربح

 والخسارة مناصفة بيننا، فهل صح اتفاقنا؟

-    اتصل به ليسأله عن سعر صرف عملة ما وطلب إليه تثبيت عشرة آلاف منها

 على أن يرسل له ثمنها يوم الخميس ويستلمها في ذلك اليوم على ما توافقا عليه،

  فما الحكم في المسألة؟

- أبيع بالمفرق فهل يجوز اشتراط رد السلعة إلى بائع الجملة بعد مدة إذا كسدت

  ولم تَنْفُق؟

-    يحدث أحياناً أن تُطلب مني سلعة ليست موجودة عندي، فأبرم عقداً مع

  الزبون بهدف تلبية طلبه من جهة وتحصيل الربح من جهة أخرى، ثم أقوم بتأمين

  هذه السلعة من جاري أو من السوق ومن ثم أسلمها للمشتري وأقبض ثمنها،

   فما الحكم الشرعي في هذه المسألة؟

-    أقوم باستيراد ألبسة من الصين، وأضع عليها اسم علامة تجارية عالمية

  -دون استئذان مالك العلامة- فهل يجوز ذلك، علماً أنه لا يوجد لهذه العلامة

  وكيلاً داخل البلد؟

-    ما حكم قول التجار: البضاعة التي تُباع لا تُرد ولا تُبدل؟

-    هل يجوز لي أن أبيع البضاعة بأقل من سعر السوق؟

-    هل وضعت الشريعة حداً أعلى للربح؟

-    هل يجوز زيادة ثمن السلعة مقابل بيعها بالتقسيط؟

-    بعت بيتاً وقبضت عربوناً، ثم جاء الزبون يريد إلغاء البيع، فهل يحق لي شرعاً

  أخذ مال العربون؟

-    ما الحكم الشرعي للتأمين ضد السرقة أو الحريق والتأمين على الحياة؟

إليكم الإجابات والله المعين:

-     السؤال الأول: ما حكم بيع ما يحرم الاستفادة منه بوجه من الوجوه؟

الجواب: السلع في السوق ثلاثة يحرم استعمالها، ويحل استعمالها، وتحتمل الوجهين الحل والحرمة.

فبعض السلع يحرم استعمالها مطلقاً ولا يحل الانتفاع بها كالخمور ولحم الخنزير وهذه لا يجوز الاتجار بها؛ لأنه لا معنى من بيعها إلا تيسير المعصية والإعانة على الإثم.

وبعض السلع مخصصة للانتفاع المباح والمشروع، كالحقائب المدرسية والمواد الغذائية التموينية والعدد الصناعية؛ ونحوها كثير، وهذه لا حرج من التعامل بها بيعاً وشراءً، والبائع في هذا النوع من السلع غير مكلف بالبحث عن قصد المشتري من شرائها أو التفتيش عن غايته من اقتنائها؛ لأنها مخصصة للانتفاع المباح.

ولكن ثمة نوع ثالث من السلع ذات الاستخدام المزدوج إن صح التعبير، فهي قابلة للانتفاع بها بصورة مشروعة وغير مشروعة، على حسب رغبة المستفيد منها.

وذلك مثل حلي الذهب وأقمشة الحرير فهما من السلع الاستعمالية التي يُباح الانتفاع بها للنساء، ويمنع الانتفاع بها للرجال باتفاق، أخرج الترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حُرِّم لباس الحرير والذهب على ذكور أمِّتي، وأُحِلَّ لإناثهم».

وفي رواية النسائي قال: «أُحِلَّ الذهبُ والحرير لإناثِ أُمَّتي، وحُرِّم على ذكورها» 

والحكم الشرعي -والحالة هذه- جواز البيع من حيث الأصل مالم تظهر قرائن قوية

 توضح مقصوداً محرماً للعاقد من الشراء، فإن كان حاله يشير إلى أن يقصد من

اقتنائها الانتفاع الحرام فلا يباح بيعه؛ لأن ذلك إعانةً له على الإثم والعدوان الممنوع

بنص القرآن الكريم، وهذا ما يسميه فقهاء الحنفية دلالة الحال، فشراء كمية كبيرة

من العنب من قبل صاحب معمل خمور قرينة قوية بأن هذا العنب إنما هو ليتخذ خمراً

لا لحاجة المنزل، ودخول امرأة إلى محل لشراء ثوب غير محتشم يتوقف جواز بيعه على حالها، فإن كان مستترة بلباس شرعي ساتر دل حالها على أنها لا تريد لبس هذا الثوب في الشارع، وإذا كان زيّها غير ذلك دل على أنها تريد أن تستعمل هذا الثوب

فيما يحرم، وهذه قرينة قوية على استعمال السلعة في الحرام يحرم بسببها البيع،

أما إن خلا البيع من أي قرينة فهو جائز والله تعالى أعلم.

-     السؤال الثاني: ما حكم شراء المسروق؟

الجواب: لا يجوز بيع البضائع المسروقة ولا شراؤها؛ لأنها لم تدخل في ملك السارق شرعاً.

كما لا يجوز شراء ما غلب على الظن أنه مسروق، لما فيه من تفويت السلعة على مالكها الحقيقي، ولما فيه أيضاً من التعاون على الإثم والعدوان، وإقرار المنكر والرضا بالظلم، ونحو ذلك من المفاسد.

ويجب على من حاز شيئاً من المسروقات أن يبحث عن صاحبها ليدفعها له. فإن يئس من لقائه وجب عليه التصدق بالعين المسروقة.

ومن اشترى شيئاً مسروقاً ثم جاء صاحب المال المسروق وأثبت أنه له، وجب على المشتري إعادة المسروقات التي اشتراها لصاحبها الأصلي.

أما الثمن الذي دفعه للسارق فله أن يأخذه من السارق إن وجده، فإن لم يجده أو

وجده وامتنع من رد ماله إليه، فليس له مطالبة صاحب المسروقات الأصلي بها.

هذا، ويمكن لصاحب البضاعة المسروقة إذا رآها بعينها مع السارق ولم يستطع استردادها منه إلا شراء فجائز له ذلك، وخيرُها – بإذن الله –إليه، وبوار المال المأخوذ منه على سارقها.

-  السؤال الثالث: أعطيت أخي مبلغاً من المال لتثميره، واتفقنا على أن يكون الربح والخسارة مناصفة بيننا، فهل صح اتفاقنا؟

الجواب: تسمى هذه شركة مضاربة وهي بالتعريف: أن يدفع المالك إلى العامل مالاً

ليتاجر فيه، ويكون الربح مشتركاً بينهما بحسب ما شرطا، وأما الخسارة المالية فهي على صاحب المال وحده، ولا يتحمل العامل المضارب من الخسران المالي شيئاً، وإنما يخسر عمله وجهده.

وبناء على هذا، وبما أنكما اشترطتما أن تكون الخسارة مناصفة بينكما فالعقد فاسد، ووجب عليكما تصحيح العقد وفق ما مر في التعريف.

هذا، ويُشتَرط في الربح:   أن يكون معلوم القدر. فلا يصح أن يقول صاحب المال للعامل المضارب: ضارب لي في مالي هذا وسأرضيك عند الربح.

 ويشترط في الربح أيضاً أن يكون نسبة عشرية من الربح لا مبلغاً مقطوعاً، فلا

يصح أن يقول العامل المضارب لصاحب المال أعطيك عشرة آلاف كل شهر عن

مالك؛ لأن المضاربة تقتضي الاشتراك في الربح، وهذا الشرط يمنع الاشتراك في الربح، لاحتمال ألا يربح المضارب إلاَّ هذا القدر المذكور، فيكون الربح لأحدهما دون الآخر. والله أعلم.

-  السؤال الرابع: اتصل به ليسأله عن سعر صرف عملة ما وطلب إليه تثبيت عشرة آلاف منها على أن يرسل له ثمنها يوم الخميس ويستلمها في ذلك اليوم على ما توافقا عليه، فما الحكم في المسألة؟

الجواب: لا يجوز ذلك؛ لأن عقد الصرف يحتاج إلى تقابض في المجلس، ولا تقابض هنا.

هذا؛ ويقوم استلام الشيك والقيد في دفاتر المصرف مقام القبض.

وقد جاء في قرار المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي بشأن المواعدة على صرف العملات ما يأتي:

1-إن بيع عملة بعملة يعتبر صرفاً.

2-إذا تمَّ عقد الصرف بشروطه الشرعية، وخاصة التقابض في مجلس العقد؛ فالعقد جائز شرعاً.

3-إذا تمَّ عقد الصرف مع الاتفاق على تأجيل قبض البدلين أو أحدهما إلى تاريخ

معلوم في المستقبل؛ بحيث يتم تبادل العملتين معاً في وقت واحد في التاريخ المعلوم؛ فالعقد غير جائز؛ لأن التقابض شرط لصحة تمام العقد، ولم يحصل.

وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الحادي عشر عام 1998.بشأن الاتجار

بالعملات: لا يجوز شرعاً البيع الآجل للعملات، ولا تجوز المواعدة على الصرف فيها؛ وهذا بدلالة الكتاب والسنة وإجماع الأمة.

وإن الربا والاتجار في العملات والصرف التي لا تلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية،

من أهم أسباب الأزمات والتقلبات الاقتصادية التي عصفت باقتصاديات بعض الدول. والله أعلم.

أيها الإخوة:

هذه بعض الإجابات على مسائلكم الفقهية المتعلقة بمهنة التجارة وللموضوع تتمة

إن شاء الله، واذكروا أن المطلب الرئيس من كل من يستمع لهذه الخطب أن يُحَكِّم

شرعَ الله في مهنته، لئن فعلتَ فأنت تتعبد الله تعالى في مكان عملك تماماً كما تتعبد الله تعالى في مسجدك، وإن لم تفعل فحاول أن تفعل، وابدأ الآن.

والحمد لله رب العالمين

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1974
تحميل ملفات
فيديو مصور