الجمعة 10 شوال 1445 - 19 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2016-08-07 الساعة 09:23:24
تربية أبناء السادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة - 3 -
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

 

قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ

عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم : 6]

قال سيدنا عليّ رضي الله عنه: قوا أهليكم نَارًا علّموهم وأدّبوهم.

أخرج الترمذي بإسناد مرسل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ».

بإسناد مرسل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ).

أيها الإخوة:

الحياة الزوجية محراب من محاريب العبادة، وتربية الأبناء باب من أبواب القرب إلى

الله تعالى، ولهذا جاءت سلسلة– تربية الأبناء- لعلنا نفيد منها جميعا في زيادة قربنا إلى الله ببرنا بأبنائنا ورعايتنا لهم.

عنوان خطبة اليوم: تربية أبناء السادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة (3)

وتتحدث خطبة اليوم عن ماذا يمكن أن نزرع في ابن هذه المرحلة.

أقول مخاطباً الشباب والفتيات من أبناء هذه المرحلة العمرية المهمة أولاً، ومخاطباً الآباء والأمهات والمربين والمعلمين والإعلاميين وأصحاب القرار ثانياً، أهم ما يمكن غرسه في أبناء هذه المرحلة: اختيار القدوات.

أيها الإخوة:

لا يستغني إنسان عن اتخاذ قدوة يحبه ويُعجب به، ويميل الشباب خاصة للبحث عن

العظماء والأبطال واتباعهم، يتعلقون بهم تعلقاً شديداً ويتأسون بهم تأسياً لافتاً ويسيرون وراءهم حذو النعل بالنعل.

 يقول الدكتور إبراهيم وجيه محمود المتخصص في العلوم النفسية والتربوية: ( إن من الخصائص الاجتماعية البارزة التي تميز المراهق تعلقه بفرد تتمثل فيه صفات الزعامة والمثل العليا، يدين بمبادئه ويتمثل بآرائه، وهذا هو سبب تسمية مرحلة المراهقة بمرحلة عبادة الأبطال.

 وقد يرتبط المراهق بالشخصية التي يعجب بها ويتمثل بآرائها بوعي وعن إدراك أو

قد يتم ذلك عن طريق التقمص، فكثيرا ما نلحظ بين المراهقين من يتقمص شخصية  أحدالعظماء فتبدو مشيته من حيث لا يدري كمشيته أو الطريقة التي يتكلم بها أو نحو ذلك.

نلاحظ ذلك أيضا عند الشباب المعجب بممثلي السينما والتلفزيون عندما يتقمصون بعض هذه الشخصيات فيبدو أحدهم وقد اتخذ لنفسه زيا مثل الزي الذي كان يرتديه

الممثل أثناء بطولته لأحد الأفلام أو يتخذ لنفسه مظهر شعره أو طريقة كلامه أو مشيته.

والتقمص يكون مفيدا إذا اتجه إلى تكامل ذات الشاب مع فرد ذي شخصية متميزة لها

قيمتها. إذ سيكتسب منها بعض خصائصها، لتصبح جزءا من شخصيته هو، وعاملا على تميزه.

ويحسن أن ننبه إلى أن المهم ليس تقمص الحركات أو اكتساب الصفات التي تتعلق

با لمظهر وطريقة الكلام وإنما العمل على تطوير نظرة المراهق إلى الأفراد الذين يُعجب بهم، من المظهر إلى الأفكار، وذلك عن طريق دراسة حياة قادة الفكر وأبطال

التاريخ والتركيز على المثل والمبادئ التي نادوا بها حتى يكتسب المراهق عن طريق هذه الدراسة بعض القيم والمثل لتصبح جزءا من نفسه يسير على هداها في حياته) ]المراهقة خصائصها ومشكلاتها ص67]

هل تعلمون -أيها الإخوة- أن هناك حرباً اليوم تسمى حرب القدوات، وحرب الرموز؟

، وهل تعلمون أن استعباداً لجيل من الممكن أن يكون عبر تحطيم قدوات وإبراز قدوات، وعبر إسقاط رموز وإعلاء رموز؟

اعلموا -أيها الشباب والفتيات- أن التربية بالقدوة هي من أقوى أنواع التربية إذ يتعلم

المرء بعينيه أكثر مما يتعلم بأذنيه، والمرء حينما يرى الهمة العالية شاخصةً في رجل

و الأخلاق الرفيعة مجسدةً في رجل والثبات على الحق مُتمثلاً في رجل يدرك أن

تحصيل الفضائل ممكن وأن العمل الدؤوب مثمر وأن للحق رجالاً سيمشي وراءهم، ثم

 إن عدداً من الناس لا يستطيعون تجريد الأفكار لفهمها ولكنهم يتأثرون أيما تأثرعندما يرونها شاخصة في صور الرجال أمامهم فهناك يقتنعون ويتعلمون و يقتدون.

ثم إني قرأت في مقدمة ابن خلدون قوله: (إن الإنسانَ يأخذُ معارفَه وأخلاقَه وما

ينتحله من المذاهب والفضائل تارة عِلْماً وتعليماً، وتارة محاكاةً وتقليداً؛ إلا أن حصولَ

الملَكَاتِ عن طريق المحاكاة والتقليد أشدُّ استحكاماً ورسوخاً!).

فانتبهوا أيها الشباب إلى من به تقتدون وأحسنوا اختيار قدواتكم.

وإني نظرت في القرآن الكريم فلم أجد القرآن يرضى لكم إلا أن تتأسوا بخيرة خلق الله وأشرف خلق الله وأطهر خلق الله وأصلح خلقه ، إنهم الأنبياء.

 قرأت في الآية التسعين من سورة الأنعام بعد أن تكلمت الآيات عن سبعة عشر نبياً

إِبْرَاهِيمَ و إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ودَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَزَكَرِيَّا

وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا  قرأت قوله تعالى: ﴿أُولئِكَ

الَّذينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِه‏ فلم يرض لكم ربكم إلا أن تكونوا من وراء الأنبياء لأنه يليق بكم أن تكونوا وراءهم.

ثم خصكم في الممتحنة بأن تقتدوا بسيدنا إبراهيم والمؤمنين معه: ﴿ قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ

 حَسَنَةٌ في‏ إِبْراهيمَ والَّذينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّه‏﴾.

وجعل كمالكم في الأحزاب بالاقتداء بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿لَقَدْ كانَ لَكُمْ في‏ رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثيراً﴾.

نشر مركز التخطيط الاستراتيجي الأمريكي (راند) دراسة عام 2005 بعنوان ( الإسلام المدني الديمقراطي) يضع خطوات عملية للإدارة الأمريكية لترويج "الإسلام الديمقراطي" في بلاد المسلمين، ومحاربة "الإسلام المتطرف". 

وعرفت دراسة عام 2007 التطرف بعبارة: "إن الحد الفاصل بين المسلم المعتدل والإسلامي المتطرف هو فيما إذا كانت الشريعة يجب أن تطبق".

كان من توصيات راند، كما في ص 63:

(إتاحة المنابر الإعلامية لمن تسميهم "المسلمين المعتدلين" الذين ينتقدون جوانب في القرآن الكريم وحياة النبي صلى الله عليه وسلم وأحكام الشريعة، وضرورة إظهارهم كقدوات بطولية تثور على "التقاليد البالية" و "الأعراف القديمة" و: الدين أيضاً!

وأوصت الدراسة بالتركيز في المناهج المدرسية على الفترات التاريخية قبل الإسلام

 وتاريخ الحضارات غير الإسلامية، وحذرت من إظهار أي احترام أو إعجاب بإنجازات  المتطرفين، وطالبت بإظهارهم كمضطربين وجبناء وليس كأبطال)

فالمطلوب إذن هو قطع صلة المسلمين بماضيهم ليحسوا أنهم بلا حضارة ولا تاريخ

ولا جذور ولا قدوات، ثم تشويه القدوات الحقيقية الحية لينفروا عنها، فلا يبقى أمام

الأجيال إلا القدوات التي يلمعها الإعلام غير الأخلاقي ليتأسى الشباب والفتيات بالتافهين فتضيع هوية الأمة ويضيع بضياعها العباد والبلاد.

أيها الإخوة أيها الشباب:

 بين يدي كتاب مفيد عنوانه: (القدوات الكبار بين التحطيم والانبهار) للدكتور محمد

موسى الشريف، وهو  طيار وداعية إسلامي معاصر حاصل على شهادة الدكتوراه في علوم القرآن والسنة وله العديد من المؤلفات التاريخية والدعوية.

 أقرأ عليكم شيئا من مقدمته النافعة: يقول المؤلف: ( فطر الله تبارك وتعالى الناس 

على مراتب ومواهب متنوعة، وأودع في بعضهم من القدرات والمزايا ما جعلهم قادة

للآخرين وقدوات، فصنع الله بهم أحداث الزمان وجعل كلامهم وفعالهم من التأثير

بمكان، وعاش هؤلاء وهم للناس نجوم وما ماتوا إلا وهم سادة للعلوم والفنون، فلله

درهم كم أنفقوا من أموال وكم بذلوا من أوقات وقدموا من جهود وضحوا بآمالهم وكتموا آلامهم وجاهدوا إبليس وحزبه.

 ولا ريب أن أعظم القدوات قاطبة الرسل الكرام والانبياء العظام الذين نصبهم الله تعالى قدوات للناس وهداة لهم ، وليس من الناس أحد يؤخذ كل كلامه وفعاله مأخذ التطبيق الكامل والاتباع التام إلا أولئك العظام عليهم أفضل الصلاة والسلام.

 ولقد منَّ الله تعالى على الأمة الإسلامية بأعظم رسول صلى الله عليه وسلم وقفَّى على

أثره بجملة وافرة من القدوات العظام من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من الناس وإلى يوم الناس.

هذا ولم يكن للأمم الأخرى عشر معشار ولا بعض أعمال هؤلاء العظام ، والمتصفح

 للتاريخ يعجب لههذه الكثرة الكاثرة في هذه الأمة من القدوات مقارنة بغيرها من

الأمم، فما من صاحب علم ولا لغة ولا أدب ولا فن من الفنون إلا وسُطِّر له تاريخ

غالبا، وكتبُ الرجال طافحة بأخبارهم شاملة في ذكر دقائق حياتهم وتفصيلات أعمالهم ، فللمفسرين تواريخ وللمحدثين مثلها وسمِّ من شئت من طبقات الفقهاء والأدباء واللغويين والنحاة والشعراء والمؤرخين والدعاة والحكماء وغيرهم كثير .

هذا، وإنه لم ينقطع سيل أولئك القدوات من تاريخ الامة الإسلامية ولا يزال العطاء

مستمرا متتابعا) وما على الأمة إلا أن تبرز قادتها وقدواتها ليعرفهم الجيل، ويتأسى بهم القاصي والداني، وتفوز في حرب القدوات والرموز.

أخيرا: كيف أعين نفسي وأعين ابني ابن السادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة على اختيار القدوة الحسنة:

1-       كن أنت قدوة صالحة لأولادك ولمن حولك.

2- اجتهد أن تجتمع مراراً مع أهل العلم والأدب والذكر والفضل فلعلك ولعل ابنك

          يعجب بواحد منهم فيتخذه قدوة.

3- اقرأ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم شمائله العطرة، وفي تراجم الصحابة

    والتابعين ، لتزداد معرفة برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام و

   أهل بيته الأطهار، فتقتدي بخير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم والذين

    آمنوا معه.

4- اقرأ في كتب تراجم أهل العلم والنبل والحكمة ، وفي طبقات الفقهاء والحفاظ

      والقراء والادباء، فلعلك ولعل ابنك يحب واحدا منهم فيقتدي به.

5- احذر وليحذر ابنك من كثرة الاجتماع مع الماجنين والحمقى والمغفلين أو

    مع الفجار والأشرار، سواء كان اجتماعاً مادياً أو عن طريق الأفلام والإعلام

    لكي لا تعلق صورة أحدهم بمخيلته فيتاسى به ويقتدي.

ختاماً أيها الإخوة، أيها الشباب:

اعلموا أن حال رجل في ألف رجل خيرٌ من قول ألف رجل في رجل، فاجتهدوا أن تقتدوا بمن حاله الصلاح والإصلاح فإنكم أهل لكل خير ما اقتديتم بالخيرين.

قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسؤْولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فالإمامُ رَاعٍ، ومَسْؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، والرجلُ رَاعٍ في أهله، وهو مَسؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمرأَةُ في بَيْتِ زَوجِها رَاعيةٌ، وهي مَسؤولَةٌ عن رَعيَّتِها،...والرجلُ في مالِ أبيهِ راعٍ، ومَسْؤولٌ عن رعيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وكُلُّكُم مَسؤولٌ عن رعيَّتِهِ» البخاري ومسلم.

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1528
تحميل ملفات
فيديو مصور