الجمعة 10 شوال 1445 - 19 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2016-07-03 الساعة 11:25:42
الصيام والقرآن يشفعان ( إعجاز القرآن )
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

 

قال الله تعالى: قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء:9].

وقال الله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ الله، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ».   الإمام مالك

أيها الإخوة:

هذه هي الخطبة الرابعة والأخيرة من مجموعة خطب خلال شهر رمضان عنوانها: (الصيام والقرآن يشفعان)، تتحدث عن القرآن الكريم، الهدف منها أن

ننطلق جميعاً لنتحلق حول القرآن، نعتصم به ونتمسك بأوامره ونواهيه، نُحل

حلاله ونُحرم حرامه، نَحفظه ونُحفظه أبناءنا، نتلوه ونُجوده ونُرتله، نعيش معه وبه وله.

 كان عنوان الخطبة الأولى تعريف بالقرآن، والثانية العمل بالقرآن، والثالثة خدمة القرآن.

وعنوان خطبة اليوم: إعجاز القرآن

سبق -أيها الإخوة- في تعريف القرآن بأنَّه: كلامُ الله تعالى، المنزَّلُ على نبيه

محمَّد  صلى الله عليه وسلم، المنقولُ إلينا بالتَّواتر، المتَعَبَّدُ بتلاوته، المعجز ولو 

  بسورة منه، المكتوب في المصاحفِ، المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة النَّاس.

ولو أردنا اختصار التعريف لقُلنا إنه الكتاب المعجز.

ولإعجاز القرآن وجوه كثيرة منها الإعجاز البلاغي والإعجاز التشريعي والإعجاز العلمي والإعجاز الغيبي وغيرها.

ويسعني في الإعجاز البلاغي أن أخبركم أن الجملة في القرآن معجزة وأن الكلمة معجزة وأن الحرف معجز.

ويسعني أن أخبركم في الإعجاز التشريعي أن فقهاء القانون في العالم أجمع

مؤمنَهم وغير مؤمنهم يُجمعون على أن مبادئ الفقه الإسلامي المستمدة من

القرآن لها قيمة حقوقية تشريعية لا يُمارى بها، ويَعجب المُشرعون في العالم 

  من كتاب نزل قبل ألف وأربعمائة سنة ضم بين جنباته مبادئ وتفاصيل للحقوق المدنية والأحوال الشخصية وقواعد العلاقات الدولية في السلم والحرب..!

ومن الأمور البدهية عند علماء القانون والاجتماع أن آخر ما يتوج به تقدم أي

 أمة من الأمم هو تكامل البنية القانونية والتشريعية في حياتها؛ فالأمم التي تعيش في ظل البداوة والأعراف القبلية لا تجد حاجة لسن القوانين ووضع التشريعات ولكنها تجد حاجتها لذلك عندما تتقدم حضارياً وتتعقد علاقاتهاً الاجتماعية.

واعجب الآن من القرآن الكريم ينزل بمنظومة حقوق وواجبات وقوانين

وتشريعات على أبناء الجزيرة العربية قبل ألف وأربعمائة سنة ويزيد، وهم من

هم في البداوة والأمية والبعد عن التمدن،  وليس ثمة حل لهذا العجب إلا في اليقين بأنه من عند الله.

وأما الإعجاز العلمي في القرآن فقد بات اليوم يقيناً من يقين العصر وحقيقة من حقائقه، وبات للإعجاز العلمي في القرآن مؤسسات وهيئات ومقررات جامعية ودارسون ودراسات ومراجع ومواقع ومؤلفات تطالعنا في كل يوم بجديد.

فعلم الأجنة في القرآن، والظلمات الثلاث للجنين، وغيض الأرحام، والقرار

 المكين، وابيضاض العين، والناصية، والجلد، والطب الوقائي في القرآن، والماء

 وألوان الجبال، والعنكبوت والذباب والنحل والنمل ولغة الحشرات، وتمدد الكون،

ونظرية الانفجار الكوني، والجاذبية، ومواقع النجوم، والرجع في السماء

والصدع في الأرض، وعالم البحار، والغيوم والسحاب ونزول الامطار، وغيرها

 وغيرها وغيرها... كلها مسائل يَتحدث عنها القرآن بمقدار، وكلامه عنها إعجاز علمي يتعرف على حقائقه علماء اليوم الكونيين والشرعيين.

واسمحوا لي -أيها الإخوة- أن أمثّل لكم مثالاً في إعجاز الحرف ومثالاً من أمثلة الإعجاز العلمي يسمح بهما الوقت.

أما إعجاز الحرف في القرآن فخذوا له مثالا حرف الواو في قوله تعالى: {وَسِيقَ

الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ

خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} أقصد الواو التي سبقت كلمة فتحت أبوابها.

فإن القرآن تحدث قبل آية عن أهل النار فقال: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ

زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) فلم يذكر قبل فتحت هنا الواو . بينما ذكر عند أهل الجنة الواو} ( وفتحت) .

فلماذا أهل الجنة لهم واو وأهل النار لا واو لهم؟!.

الواو هنا حالية –في واحد من معانيها- بمعنى أن أهل الجنة جاؤوها والحال أن أبوابها قد فتحت، بدليل قوله تعالى في سورة ص::" جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ"

فقوله تعالى فِي أَهْلِ النار: { حَتَّى إِذا جاؤُها َفُتِحَتْ أَبْوابُها} يدَلَّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ

 مُغْلَقَةً فإذا جاؤها فتحت فدفعوا فيها ثم أغلقت وراءهم تماماً كباب السجن عندما يأتيه المجرم يجده مغلقاً ثم يفتحه له السجان فيدفعه ويغلق وراءه.

بينما قوله تعالى فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ: { حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُه}  يدَل عَلَى أَنَّهَا

  كَانَتْ مُفَتَّحَةً قَبْلَ أَنْ يَجِيئُوهَا، تماما كقاعة الشرف عندما يأتيها ضيف كبير يجدها مفتوحة قد أعدها أصحابها وطيبوها ورتبوها وهيؤوها لاستقباله.

قال ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير:

(الواو للحال والمعنى: جاءوها وقد فُتحتْ أبوابُها، فدخلت الواو لبيان أن الأبواب كانت مفتَّحةٍ قبل مجيئهم، وحذفت من قصة أهل النار لبيان أنها كانت مُغْلَقةً قبل مجيئهم، ووجه الحكمة في ذلك من ثلاثة أوجه:

 أحدها: أنّ أهل الجنّة جاءوها وقد فُتحت أبوابُها ليستعجلوا السُّرور والفرح إِذا

    رأَوا الأبواب مفتَّحةً، وأهل النار يأتونها وأبوابُها مُغلَقة ليكون أشدَّ لحرِّها.

 والثاني: أن الوقوف على الباب المغلق نوعُ ذُلٍّ، فصِينَ أهلُ الجنة عنه، وجعل

     في حق أهل النار.

 والثالث: أنه لو وَجَدَ أهلُ الجنة بابها مُغلَقاً لأثَّر انتظارُ فَتْحه في كمال الكَرَم

 ، ومن كمال الكَرَم فتح باب الجنة قبل مجيء أهلها وغَلْقُ باب النّار إِلى حين

  مجيء أهلها، لأن الكريم يعجِّل المثوبة)

كل هذه الصورة لأبواب الجنة والنار رسمها حرف الواو في قوله تعالى: {وفتحت أبوابها}، وهكذا يكون الحرف معجزا في القرآن الكريم.

وأما الإعجاز العلمي في القرآن فخذوا مثالا له من البرزخ الذي بين البحرين الذي ذكره القرآن في سورة الفرقان {وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجورا} وذكره مرة ثانية في سورة الرحمن{مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان}

فيؤكد القرآن الكريم على وجود حاجز بين كل بحرين يلتقيان، فأين هو هذا الحاجز وممَ خُلِق؟

اعلموا -أيها الإخوة- أن علوم البحار لم تتقدم إلا في القرنين الأخيرين وخاصة 

 في النصف الأخير من القرن العشرين. وقبل ذلك كان البحر مجهولاً مخيفاً تكثر عنه الأساطير والخرافات، وكل ما يهتم به راكبوه هو السلامة، والاهتداء إلى

 الطريق الصحيح أثناء رحلاتهم الطويلة، وما عرف الإنسان أن البحار المالحة

 بحار مختلفة إلا في الأربعينات من القرن العشرين، بعد أن أقام الدارسون آلاف

 المحطات البحرية لتحليل عينات من مياه البحار، وقاسوا في كل منها الفروق

في درجات الحرارة، ونسبة الملوحة، ومقدار الكثافة، ومقدار ذوبان الأوكسجين في مياه البحار في كل المحطات فأدركوا بعدئذٍ أن البحار متنوعة.

ثم عرف الإنسان البرزخ الذي يفصل بين البحار المالحة، أو بين الأنهار العذبة

عندما تصب في البحار المالحة، فظهر للعلماء أن بين البحرين حاجزاً مائياً

يختلف في درجة حرارة مائه وكثافته ونسبة ملوحته والمخلوقات التي تعيش به

 عن ماء البحرين، ويشكل برزخاً يمنع ماء هذا أن يطغى على هذا أو ماء هذا

أن يطغى على ذاك. وهذه البرازخ متعرجة متحركة،  تُغير موقعها الجغرافي بتغير فصول العام.

وتشبه هذه الحواجز الحدود المائية بين مياه المحيط الأطلسي والبحر الأبيض

المتوسط، وبين مياه البحر الأحمر وخليج عدن وفي مواقع أخرى من بحار العالم.

 

تُرى هل كان يملك رسول الله صلى الله عليه وسلم أقماراً صناعية لتصوير 

البحار وبرازخها، أم هل كان يملك محطات بحرية، تزوده بدراساتها، أم هل قام

صلى الله عليه وسلم بعملية مسح شاملة للبحار، وهو الذي لم يركب البحر قط،

 وعاش في زمن كانت الأساطير هي الغالبة على تفكير الإنسان وخاصة في ميدان البحار؟؟

 أم أن هذا الإعجاز العلمي في القرآن واحد من أدلة كثيرة تقطع بأن القرآن الكريم كتاب الله.

قال تعالى: { قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا } [سورة الفرقان، الآية:6].

أيها الإخوة الكرام:

القرآن الكريم كلام الله المعجز فما استطعتم عيشوا له وبه.

هذا حديثي لكم عن القرآن الكريم في سلسلة الصيام والقرآن يشفعان، عن تعريفه والعمل به وخدمته وإعجازه.

ولا تنسوا أن المطلوب من كل منا ليلحق بأهل القرآن خمسة أمور:

1-  اقرأ القرآن كل يوم، واجهد أن تحفظ ماتيسر منه، فإن حفظته كله فيا طوبى

    لك.

2-  احرصْ على أن تفهمَ ما تقرأ، فإن لم تفهم معاني بعض الكلمات فَعُد إلى

   معانيها في كُتب التَّفاسير، واحضر مجلساً لتفسير القرآن الكريم؛ لأنَّ القرآن

    نزل ليُقرأ ويُفهم ويُعمل به.

3-  اعملْ بشيءٍ واحدٍ -على الأقلِّ- ممَّا قرأتَهُ في كل يوم.

4-  علِّمْ غيرَكَ ما تعلمتَهُ من القرآن.

5-  قَدِّم خدمةً للقرآن الكريم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بَيْدِ اللهِ تَعَالَى، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ فَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا».

  اللهم عمِّر الشام بالقرآن واحم الشام بالقرآن وفرج عن الشام ببركة القرآن .

 

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1700
تحميل ملفات
فيديو مصور