الثلاثاء 07 شوال 1445 - 16 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2016-06-19 الساعة 10:36:05
الصيام والقرآن يشفعان ( العمل بالقرآن )
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

قال الله تعالى: قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء:9].

وقال الله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ، لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ الله، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ».   الإمام مالك

أيها الإخوة:

هذه هي الخطبة الثانية من مجموعة خطب خلال شهر رمضان عنوانها (الصيام والقرآن يشفعان)، تتحدث عن القرآن الكريم، الهدف منها أن ننطلق جميعاً لنتحلق حول القرآن، نعتصم به ونتمسك بأوامره ونواهيه، نُحل حلاله ونُحرم حرامه،

نحفظه ونحفظه أبناءنا، نتلوه ونُجوده ونُرتله، نعيش معه وبه وله، وكان عنوان الخطبة الماضية: التعريف بالقرآن.

وعنوان خطبة اليوم: العمل بالقرآن

أيها الإخوة:

الغاية الأسمى من رسالة الله تعالى إلى بني الإنسان هي العمل بما فيها، وهذا مما لا يختلف فيه اثنان، وما القراءة ثم الفهم إلا هدفان مرحليان للوصول إلى العمل، ليسعد الإنسان في الأرض وفي السماء.

قال تعالى: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 1، 2] أي يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى وإنما لتسعد.

ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على العمل بما جاء في

القرآن كما يحثهم على قراءة القرآن، قال صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن

وعملَ بهِ، أُلبِس والداه تاجاً يوم القيامة، ضوؤه أحسنُ من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم، فما ظنكم بالذي عَمِلَ بهذا؟» [أخرجه أبو داود]

 وأخرج الترمذي بإسناده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسولُ

الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن فَاستظهره، فأحَلَّ حلالَه، وحرَّم

حرامَهُ، أدخله الله بِهِ الجنة، وشفَّعه في عشرة من أهل بيته، كلُّهم قد وجبت لهم النار»

ولقد شنَّع الله تعالى على أقوام من أهل الكتاب قبلنا أنهم كانوا لا يعملون بما أنزل

الله عليهم{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا

بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة: 5]

قال البيضاوي في تفسيره: ({مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ} علموها وكلفوا العمل

بها. ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها لم يعملوا بها أو لم ينتفعوا بما فيها. كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً كتباً من العلم يتعب في حملها ولا ينتفع بها).

وحدَّث رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقوام يجيئون بعده  يقرؤون ولا

يعملون. أخرج الإمام مسلم وغيره عن علي رضي الله عنه قال رسول الله صلى

الله عليه وسلم: «يَخرجُ قوم من أُمَّتي، يقرؤون القُرْآنَ، ليس قِراءَتُكُم إلى

قِراءَتِهم بشيء، ولا صلاتُكُم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامُكم إلى صيامهم

بشيء، يقرؤون القرآنَ يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تُجاوِزُ صلاتُهم تراقيَهمُ، يَمْرُقُون من الإسلام كما يمرُق السَّهم من الرَّمِيَّة» أي يقرؤون ولا يعملون.

وإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم – أيها الإخوة- أول المستجيبين إذا ناداه القرآن، وأول العاملين إذا أمره القرآن.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: لما نزَلتْ: {وأنْذِرْ عشِيرتَكَ الأَقْرَبِينَ}

[الشعراء: 214] صَعِدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على الصَّفا، فجعل يُنادي: «يا بني فِهْرٍ، يا بني عدِيّ» - لِبُطونِ قُريشٍ - حتى اجتمعوا. فجعل الرجلُ إذا لم يستْطِعْ أَن يخرجَ أرسل رسولاً، ليَنْظرَ ما هو؟ فجاء أبو لهبٍ وقُريشٌ، فقال:

«أرأيْتَكُم لو أخبَرْتُكم أن خَيْلاً بالوادي، تُريدُ أن تغير عليكم، أَكُنْتمْ مُصدِّقيَّ؟»

قالوا: نعم، ما جرَّبنا عليكَ إلا صِدقاً، قال: «فإِنِّي نذيرٌ لكم بين يديْ عذاب

شديدٍ»، فقال أبو لهب: تَبّاً لك سائرَ اليومِ، أَلهذا جمَعْتنَا؟ فنزلت {تَبَّتْ يدَا أبي لهبٍ وتبَّ}» .

فما إن قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام الله {وأنْذِرْ عشِيرتَكَ الأَقْرَبِينَ} وفهمه حتى عمل به.   

وتعلم الصحابة من نبيهم صلى الله عليه وسلم العمل بالقرآن كما تعلموا منه

تلاوة القرآن فهذا أبو بكر الصديق يُعيد النفقة على مسطح لما دعاه القرآن لذلك

أخرج البخاري وغيره في حادثة الإفك عن عائشة رضي الله عنها: «فلما أنزلَ اللهُ هذا في بَراءتي، قال أبو بكر الصديق: وكان ينُفِقُ على مِسْطحِ بن أُثَاثةَ -

لقرابته منه وفَقْرهِ - والله لا أُنْفِقُ على مسطحٍ شيئاً أَبداً، بعد ما قال لعائشة،

فأَنزل اللهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ منكم والسَّعَةِ أن يُؤتوا أولي القُرْبى والمساكينَ

والمهاجرينَ في سبيل اللَّه ولْيَعْفُوا ولْيَصْفَحُوا ألا تحبُّون أن يغفر اللَّه لكم واللَّه غَفُورٌ رحيمٌ} [النور: 22] فقال أبو بكر: بَلى والله إنِّي لأُحِبُّ أَن يَغْفِرَ اللهُ لي، فرجعَ إلى مِسطَحٍ الذي كان يُجري عليه، وقال: واللهِ لا أَنْزِعُها منه أَبداً».

ويصف الرجال عمر بن الخطاب بأنه كان وقافاً عند كتاب الله، فقد روى البخاري

بسنده عن  عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: «قَدِمَ عُيينة بن حصن،

فنزل على ابن أخيه الحُرِّ بن قيس بن حصن، وكان من النفر الذين يُدْنيهم عمر

. فقال عيينة لابن أخيه: يا ابنَ أخي، هل لك وَجْه عند هذا الأمير، فَتَسْتأْذِنَ لي عليه؟ قال: سأسْتَأْذِنُ لك عليه، قال ابن عباس: فاسْتَأْذن الحُرُّ لِعُيَيْنَةَ، فلما دخل قال: هيه يا ابن الخطاب، والله ما تُعطِينا الجَزل، وما تَحْكُم بيْنَنَا بالعَدْلِ، فغضب

عمر حتى همَّ بأن يُوقِعَ به، فقال الحُرُّ: يا أميرَ المؤمنين، إِن الله تعالى قال لنبيِّه

صلى الله عليه وسلم: {خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ}

[الأعراف: 199]، وإن هذا من الجاهلين، فو الله ما جاوزها عمر رضي الله عنه حين قرأها عليه، وكان وقّافاً عند كتاب الله تعالى» .

بل إن العمل بالقرآن كان حال عامة الصحابة الكرام فقد أخرج البخاري عن أنس

رضي الله عنه: (إني لقائم أسقيها  – أي الخمر- أبا طلحة وأبا أيوب ورجالاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا، إذ جاء رجل، فقال: هل بلغكم الخبرُ؟ قالوا: لا، قال فإن الخمر قد حُرِّمت، يقصد الآية -{إنما الخمر والميسر

والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه}-  فقال أبو طلحة يا أنسُ، أرِق هذه القِلال، قال: فما راجَعوها ولا سألوا عنها بعد خبر الرجل» .

وكانت نساؤهم كرجالهم في الاستجابة لأمر القرآن والعمل بما فيه  فعن عائشة رضي الله عنها: قالت: يَرْحَمُ الله نِساء المُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ، لَمَّا أُنزل {وَلْيَضْرِبْنَ

   بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ... } الآية [النور: 31] شَقَقْنَ، مُرُوطَهُنَّ فاخْتَمَرْنَ بها.     [أخرجه البخاري].

المروط: جمع مِرط، وهو كساء من خز أو صوف يتغطى به.

أيها الإخوة:

في القرآن دعوة للصناعات الحربية والمدنية تنتظر من يعمل بها ففي سورة الحديد {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} فالبأس الشديد إشارة للتصنيع الحربي ومنافع الناس إشارة للتصنيع المدني.

وفي القرآن تنبيه إلى الصناعات النسيجية والجلدية {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [النحل: 80]

وفيه دعوة للصناعات البحرية {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا

وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 14]

ودعوة لصناعة الطاقة {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}. [يونس: 5]

وقل مثل ذلك في دعوة القرآن لاستصلاح الأراضي وبناء السدود وتشجيع التجارة والسياحة النافعة والاهتمام بالثروة الحيوانية والنباتية والتنقيب عن

الثروات الباطنية وغيرها من الآيات التي تنتظر من المسلمين أفرادا ودولا العملَ بها.

أيها الأخ الكريم:

إذا قرأت القرآن فاقرأه وكأنه يتنزل عليك، واقرأه وكأنك تسمعه من رب العالمين؛ فإذا قرأت {يا أيها الذين آمنوا} فاعلم بأن ربك ينادي عليك، فقل لبيك اللهم لبيك، وإذا قرأت {أليس الله بأحكم الحاكمين} فاعلم بأن خالقك يسألك، فقل: {بلى وأنا على ذلك من الشاهدين}.

واجهد وأنت تقرأ القرآن أن تفهم ما تقرأ، واقتن تفسيراً لمفردات القرآن الكريم

فإن مرت بك كلمة لا تعرف معناها فلا تتجاوزها حتى تتبين المعنى، ثم اعزم

على أن تعمل بما قرأت أو بشيء واحد على الأقل لتكون ممن عمل بالقرآن ولتكون من أهل القرآن.

قال الحسن البصري: (إن من كان قبلكم رأوا هذا القرآن رسائل إليهم من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ويعملون بها بالنهار).

ختاماً – أيها الإخوة- يهمني أن أذكِّر نفسي وكل أخ وأخت فينا بالمطلوب منك لتلحق بأهل القرآن؟

مطلوبٌ خمسة أمورٍ:

1-  اقرأ القرآن كل يوم، واجهد أن تحفظ ما تيسر منه، فإن حفظته كله فيا

      طوبى لك.

2-  احرصْ على أن تفهمَ ما تقرأ، فإن لم تفهم معاني بعض الكلمات فَعُد

   إلى معانيها في كُتب التَّفاسير، واحضر مجلساً لتفسير القرآن الكريم؛

   لأنَّ القرآن نزل ليُقرأ ويُفهم ويُعمل به.

3-  اعملْ بشيءٍ واحدٍ -على الأقلِّ- ممَّا قرأتَهُ في كل يوم.

4-  علِّمْ غيرَكَ ما تعلمتَهُ من القرآن.

5-  قَدِّم خدمةً للقرآن الكريم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بَيْدِ اللهِ تَعَالَى، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ فَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا».

 

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1565
تحميل ملفات
فيديو مصور