الجمعة 10 شوال 1445 - 19 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2016-02-29 الساعة 09:15:57
تــربــيـــة الأبـنـــاء فـي السـنـوات الثــلات الأول - 3 -
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

الحمد لله، الحمد لله ثمَّ الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فهو المهتَدِ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مُرْشِداً، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيِّدنا محمَّداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، خيرُ نبيٍّ اجتباه، وهدىً ورحمةً للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدِّين كلِّه ولو كَرِه الكافرون، ولو كَرِهَ المشركون، ولو كَرِهَ مَن كَرِه، اللَّهم صلِّ على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلِّم.

أمَّا بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله تعالى، وأحثُّكم وإيَّاي على طاعته، وأستفتح بالذي هو خير.

قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم : 6]

قال سيدنا عليّ رضي الله عنه: قوا أهليكم نَارًا علّموهم وأدّبوهم. وقال الْحَسَنُ: يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ.. فَيُعَلِّمُهُم الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَيُجَنِّبُهُم الْمَعَاصِيَ وَالْآثَامَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ. وقال قتادة: مروهم بطاعة الله تعالى، وانهوهم عن معصية الله. وقال البيضاوي: قوا أَهْلِيكُمْ بالنصح والتأديب، وقال الزمخشري: قُوا أَنْفُسَكُمْ بترك المعاصي وفعل الطاعات وَأَهْلِيكُمْ بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم. «رحم الله رجلا قال يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعلّ الله يجمعهم معه في الجنة»

أخرج الترمذي بإسناد مرسل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: »مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ«  .

أيها الإخوة:

الحياة الزوجية محراب من محاريب العبادة، وتربية الأبناء باب من أبواب القرب إلى الله تعالى، ولهذا جاءت هذه السلسلة من الخطب عنوانها – تربية الأبناء- لعلنا نفيد منها جميعا في زيادة قربنا إلى الله ببرنا بأبنائنا ورعايتنا لهم.

بدأنا الحديث عن الطفل في سنواته الثلاث الأولى. وتكلمت الخطبتان الماضيتان عن حاجة هذا الطفل إلى الغذاء الجسدي والنفسي بالإرضاع والاهتمام، وعن بعض المشكلات في هذه المرحلة وكيف يتم تجنبها، وتعرض خطبة اليوم لأهم ما يمكن أن نغرسه تربوياً عند هذا الطفل.

 

عنوان خطبة اليوم: تربية الأبناء في السنوات الثلاث الأُوَل (3)

    أيها الإخوة:

    أهم ما يمكن أن نغرسه تربوياً عند طفل السنوات الثلاث الأول أمران، الحب واللغة.

  أما الحب ، فمن خلال الاهتمام به والعناية به ورعايته، ويتم ذلك بالجلوس معه وقضاء الوقت المناسب في صحبته في المناغاة واللعب والكلام والإطعام، لأنه لا ينفع أبداً أن نقول أننا نحب أبناءنا ولا نجلس معهم، فقضاؤك شيئاً من الوقت مع الطفل يشعره بقيمته وأمانه واحترامه لنفسه وحبك له.

    جاء في كتاب ( أولادنا من الطفولة إلى الشباب) للدكتور مأمون مبيض ، وهو طبيب سوري متخصص في مجال الطب النفسي عند الأطفال مدرس في جامعات إيرلندا الشمالية: (تُعتبر السنة الأولى  المرحلة الحرجة والهامة في تكوين الرابط القوي بين الولد وأبويه ، حيث سيتعلق الولد ويرتبط بالشخص الذي يقدم أعمال  الرعاية من تلبية الاحتياجات الأساسية من طعام وشراب ورعاية وحنان .

ومن خلال تكوين هذا الرابط تنمو العلاقة والمحبة بالاتجاهين بين الولد ووالديه ، وتعتمد قوة هذا الرابط على مدى القرب بين الطرفين ، وهو أقوى ما يكون عندما يقضي الوالدان معه الوقت الطويل يحملانه، يداعبانه، يطعمانه  ويتكلمان معه ويستجيبان له في حال ألمه وانزعاجه ........

وإذا فشل تكون هذا الرابط في السنة الأولى ، كأن يُترك الولد لرعاية عدد كبير ومختلف من الناس كما يحصل في دار الأيتام ، أو كأن يُترك بمفرده  لمدة طويلة لا يخالط  بها أحد ، فسيصعب عليه في المستقبل أن يعوض هذا الحرمان العاطفي والنمائي ).

     يذكر المتخصصون أعراض النمو العاطفي السليم للطفل الذي تلقى حباً ممن حوله بأنه يتوق إلى تعلم ما هو جديد، ويكون منتظم النوم، جيد الشهية للطعام، مرتاحاً للقاء الناس، سليماً في صحته الجسدية .

بينما يعاني فاقدُ الحب والحنان من الأطفال من صعوبة تناول الطعام ، والتبول الليلي وخاصة بعد أن يكون الطفل قد تعدّى مرحلة الجفاف .والانطواء الشديد على نفسه .وبطء التقدم ونمو الجسم . وكثرة البكاء وسرعة الغضب لأبسط المواقف .واضطرابات النوم.

      أيتها الامهات الكريمات أيها الآباء:

      مهما قدَّم واحدكم لطفله حباً وحناناً ورعاية زاده سلامة ونجابة وصلاحاً، فكان نافعاً له ولنا في الدنيا والآخرة. ومن هنا - أيها الإخوة -  نستطيع أن نفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يلاعب زينب بنت أم سلمة ويقول: «يا زوينب ... يا زوينب» [الجامع الصغير للسيوطي].

ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل حفيدته أمامة ويصلي بها على أعين الناس، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيَّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا. وَإِذَا قَامَ، حَمَلَهَا.[البخاري ومسلم]، ونستطيع فهمه صلى الله عليه وسلم عندما كان يلاعب الحسن والحسين ويقبلهما ويقول: «اللهم إني أحبهما فأحبهما» [البخاري]. كل هذا ليغمر صلى الله عليه وسلم من حوله من الأطفال بالحب والعاطفة والحنان.

      وأما اللغة: فيبدأ الأطفال الكلام بشكل عام بين الشهر الثاني عشر والرابع والعشرين، وربما تكلم بعضهم قبل هذا العمر بقليل ، وجدير بالذكر أن كل طفل يتطور بطريقة مختلفة عن الآخر، وإن كان هناك ثمة معايير عامة، فطفل يبدأ بالمشي بعمر أحد عشر شهراً وطفل بعمر ثمانية عشر شهراً، وكلاهما طبيعيان مادام كلاهما سليماً لا يشكو أحدهما علة مرضية. وطفل تبزغ سنه الأولى بعمر الستة أشهر وطفل تبزغ سنه الأولى بعمر ثمانية أشهر، وكلاهما طبيعيان.

 وطفل يتكلم بتمام السنة وغيره بتمام السنتين.

       ومهما يكن من أمر فالطفل قبل السنتين يشير إلى بعض الأشياء عندما يذكر اسمها ( صحن – طاولة.....)، وينفذ بعض الأوامر البسيطة (افتح فمك....)، ويتمتم لنفسه وهو يلعب بمفرده ، ويستعمل ما يزيد عن عشرين كلمة شائعة، ويستمتع بأناشيد أمه ، ويحاول أن يغني معها .

        أما ابن السنتين فيحب الاستماع لأحاديث الكبار. ويتلفظ  بما يزيد عن خمسين كلمة ، ويكررها عندما يطلب منه ذلك . ويستعمل جملة قصيرة من ثلاث إلى أربع كلمات،  ويغني وينشد الأغاني التي يسمعها، وأما ابن الثالثة فإنه يلتقط الألفاظ ويتعلمها بسرعة ويثبتها في ذاكرته.

        وعادة ما يشوب النطق الطفولي تشوه فجدير بالوالدين تصحيح هذا النطق له بتكرار إعادة اللفظة أمام الطفل بشكلها الصحيح، على ألا يُصِر المربي على الطفل في التصحيح إذا ما بدا الطفل متمسكاً بمنطقه حتى لا تكون هناك المخاطرة باهتزاز لغته مستقبلاً.

        ويمكننا تنمية قدرة الطفل على الكلام من خلال النقاط الآتية:

1-لفت انتباه الطفل إلى الأشياء المحيطة به وتعليمه أسماءها. وهناك مكتبات في دمشق صنعت لوحات من الورق المقوى عليها صور للأشياء التي تحيط بالطفل يمكننا عرضها عليه وذكر أسمائها أمامه: (أنف، عين، شمس، كتاب) وهكذا.

2- الرد على تساؤلاته بإسهاب .

3-التحدث معه بلغة الكبار بدون الخطأ الشائع من كسر الكلمات وتبديل الحروف للتلطف مع الطفل.

4-إعادة شرح كلامه بحيث يعرف أننا فهمناه.

5-الإنصات له؛ فإنصاتنا له متعة وهدية نقدمها إليه.

6- الاشتراك معه بانتظام بقراءة الآيات القصيرة (بسم الله الرحمن الرحيم) والأذكار اللطيفة (سبحان الله) والقصص المحتوية على أشياء مألوفة عنده وسيستمتع برؤية الصور والرسوم الجميلة، وبتقليب الصفحات.

        إن النمو اللغوي السريع يعني أن بيئة الطفل تحتاج إلى عنصرين:

-الاطمئنان النفسي والسكينة وعدم الاستعجال في طلب إجاباته أو ملاحظة أخطائه اللفظية

-وأن نحافظ على مسامعه في كل سن، وبالذات في هذا السن حتى نحمي لغته ونحفظ لسانه.

        وإنها فرصة لنجعل قاموسه اللغوي يستمد مفرداته من القرآن الكريم من خلال كثرة قراءة القرآن على مسامعه، من قبل والده أو والدته ، وإنها لفكرة أن يُسجِّل الأب أو الأم أو من يحسن التلاوة منهما أن يسجلوا بأصواتهم قصار السور على شريط  ويُشَغَّل في البيت باستمرار.

        وحذار -أيتها الأخت-  من ترك طفل السنوات الثلاث الأول أو من بعدها وراء التلفاز لساعات، فقد أجريت دراسات تخطيط الدماغ على أطفال في أثناء مشاهدة التلفاز فوجد تثبيط وكسل دماغي، على العكس تماماً مما يحدث في أثناء اللعب والقراءة، الأمر الذي يؤثر سلباً على نسبة الذكاء والقدرات الإبداعية.

         وفي دراسة أجريت على أحد عشر ألف طفل في إحدى الجامعات البريطانية وجد أن الأطفال الذين يشاهدون التلفاز بكثرة وهم في سنواتهم الأولى أصبحوا وهم في السابعة أكثر عرضة للشجار والعراك والكذب والغش والسرقة، وهذا متوافق مع عشرات الدراسات على آلاف الأطفال على مدى ثلاثين عاما؛ والتي أكدت أن العنف المرئي عبر التلفاز يزيد من انسياب العدوانية لمشاهديه بنسبة 10% ، أياً كان الوسط الاجتماعي التعليمي .

          بل وأثبتت الدراسات أن برامج الأطفال تظهر مشاهد عنف أكثر من برامج الكبار ولا يخلو الأمر من أفلام الرسوم المتحركة التي تحوي عشرات مشاهد العنف في الساعة .

        أيها الإخوة:

         هذا شيء من الحديث عن تربية الأبناء في السنوات الثلاث الأولى؛ احتياجاتهم وبعض مشكلاتهم وماذا يمكن أن نزرع فيهم تربوياً، وإننا من الممكن بعد كل ما سمعتم  عن هذا الطفل نستطيع أن نفهم شيئاً من الحكمة من إعفاء الإسلام الأم من واجب الصلاة أيام النفاس ومن جعل الحضانة للأم وليست للأب في هذه المرحلة ومن دعوتها للإرضاع حولين كاملين ومن جعل رعايتها لأولادها من أكبر أبواب قربها لربها، والله أعلم .

        رحم الله أباً اعتنى بأبنائه ورحم الله أماً نذرت نفسها لربها بخدمة أبنائها.

         قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسؤْولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فالإمامُ رَاعٍ، ومَسْؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، والرجلُ رَاعٍ في أهله، وهو مَسؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمرأَةُ في بَيْتِ زَوجِها رَاعيةٌ، وهي مَسؤولَةٌ عن رَعيَّتِها،...والرجلُ في مالِ أبيهِ راعٍ، ومَسْؤولٌ عن رعيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وكُلُّكُم مَسؤولٌ عن رعيَّتِهِ» البخاري ومسلم.

والحمد لله رب العالمين

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 2092
تحميل ملفات
فيديو مصور