الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب الجامع الأموي

تاريخ النشر 2017-02-20 الساعة 11:49:15
الصبر
الشيخ مأمون رحمة

بتاريخ: 4 من صفر 1438 هـ - 4 من تشرين الثاني 2016 م

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.

عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.

يقول المولى جل جلاله في محكم التنزيل: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون( [آل عمران: 200].

روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة)).

معاشر السادة: هناك سؤال وجيه يطرح نفسه: هل يَستغني الأحياء عن الصبر؟ لا, إنه لازم لكيانهم المعنوي لزوم الماء أو الهواء لكيانهم المادي، نعم قد تَستغني الدواب عن هذا الخلق، لأنها تحيا وفق هواها وتسيرها طباعها وحدها, أما الإنسان فهو كائن تتبعه التكاليف منذ أن يعقل، فتأمره بفعل ما قد يكره وترك ما قد يحب، والمؤمن الحق يُوقن بأن طريق الإيمان ومنهج الشرف والبطولة لا بد فيه مِن صبر طويل، والرجل الحق هو الذي يَستسهل المتاعب بإلفها، ويدرك أن الرجولة مبنية على الصبر والتماسك، ويُدرك أيضاً أن الحياة ليست لوناً واحداً، فإن الجو يصحو ويغيم، والصحة تقوى وتضعف، والأيام تقبل وتدبر، والمهم أن لا تتعثر الخطى مع بُعد الغاية ووعثاء الطريق، وحراس العقائد والفضائل أجدر الناس بمعرفة هذه الحقيقة والنزول على حكمها.

إن تصبير النفس على لأواء العيش وإرهاق الواجب وإغراء الهوى يحتاج إلى قوة وعزم، وللعرب في هذا الأفق آداب رفيعة استوحَوها من تجاربهم، ومن أشواقهم إلى العزة، ورغبتهم في حماية العرض وصون الجانب، فهم يرون أن الركوع للشدائد لا جَدوى منه إلا الذلة التي مِنها يأنفون، وأن هذه الشدائد مهما طالت فإن مصيرها الزوال، فعلى المرء أن يُواجه ما يكره بجلد، آملاً أن تنقشع الغمة وهو ثابت الخلق نقي الصفحة، وإلى هذا المعنى أشار الشاعر ابن الرومي بقوله:

ولا تحسبن الشَّرَّ يبقى فإنه *** شهاب حريق واقد ثم خامد

ستألف فقدان الذي قد فقدته *** كإلفك وجدان الذي أنت واجد

وللشر إقلاع وللهم فرجة *** وللخير بعد المآيسات عوائد

وكم أعقبت بعد البلايا مواهب *** وكم أعقبت بعد الرَّزايا فوائد

إن مِن حكمة الله البالغة أنه لم يدع البشر يحيون في بيئة تُعطيهم خيرها منحاً، بل استحياهم في بيئة تفرض الكفاح فرضاً، ولا تُعطي الثمار إلا بعد مشقة وعناء، وهذا الجهد المبذول مِن مصلحة الحياة نفسها لتبقى وتزدهر، ومِن مصلحة الأحياء أنفسهم ليبلغوا قوتهم وتمامهم، وقد كتب أحد الصحفيين المصريين قديماً كلاماً في هذا المعنى يَستحق التأمل حيث قال: (حكى أحد العلماء المحدثين عن نفسه فقال: كُنت مُغرماً في طفولتي بجمع شرانق الفراش، ومراقبة خروج الفراشة منها في الربيع، وكان جِهادها في التخلص من سجنها يُثير عطفي دائماً، وأتى والدي يوماً ما بمقص وأعمله في غلاف الحرير المطبق على الفراشة، وساعدها على الخلاص، ولكنها ما لبثت قليلاً حتى ماتت، وعندئذ قال أبي: يا بني، إن الجهد الذي تبذله الفراشة لتَخرج من الشرنقة يخرج السم من جسمها، وإذا لم تجهد هذه الفراشة وإذا لم يخرج هذا السم من جسمها ماتت الفراشة).

وكذلك الناس، إذا جهدوا في سبيل ما يُريدون ازدادوا قوة وعزماً، ولكن إذا أتاهم ما يُريدون سهلاً طيعاً غلب عليهم الضعف، ومات فيهم شيء جليل الخطر، وهكذا تَعلم أن طبيعة الحياة عجيبة، لأنها لا تُعطينا إلا لتأخذ مِنَّا، ولا تَهَبُ لنا شيئاً إلا لِتَنال مقابله، إنها تَكيل لنا صاعاً بصاع، فلا غروَ إذا كانت آمالنا لا تتحقق إلا بين الأشواك في الأرض الوعرة، وكأنما شاءت الدنيا أن تُخفي مفاتنها تحت مصارع المطامع، لتدفع الإنسان إلى مواجهتها والتغلب عليها، ومن ثم نعرف قيمة الشدائد، بل نعرف الفَرق بين الأبطال الصناديد والجبناء الرعاديد، إذ الشدائد هي المحك الذي يَكشف عن معدن الرجل قوة وعزماً عقلاً وهوى، فالحياة لَيست إلا خَليطاً من سعادة وتعاسة، وهناء وشقاء, وفرح وترح، ولا قيمة لها إذا كانت ذات لون واحد.

إن صبر المؤمن على مُصيبته ابتغاء وجه الله مَسلك يجعل الصبر مشوباً بالذكر، ويَجعل المؤمن بَصيراً بأن القدر الأعلى مِن وراء الأحداث التي تنوبه، ومن ثم فهو في شدته يَظل قوي الصلة بربه، يدعوه ويرجوه، ويستسلم له ويعتمد عليه، ويتحمل ما يتحمل لأن الله شاء ومشيئته موضع التسليم والإعزاز، فعلى المؤمن أن يحرص أن لا تهتز علاقته بربه، وأن لا يَضعف أمله في فرجه، والكلمة التي تُثلج فؤاده: )إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون( [البقرة: 156]، يَستشعر معناها فيما يَعرض له من بأساء وضراء، فيربو يقينه ويكون أهلاً لرحمات الله بعد ما استبان موقفه من بلائه، حيث قال سبحانه: )وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ([البقرة :155-157]، فالمؤمن الحق هو الذي يُوطن نفسه على احتمال المكاره دون الضجر، وانتظار النتائج مهما بعدت، ومواجهة الأعباء مهما ثقلت، بقلب لم تعلق به ريبة، وعقل لا تطيش به كربة، فيجب عليه أن يَظل موفور الثقة بادي الثبات، لا يرتاع لغيمة تَظهر في الأفق، ولو تبعتها أخرى وأخرى، بل يَبقى مُوقناً بأن بَوادر الصفو لا بد آتياً، وأن مِن الحكمة ارتقابها في سكون ويقين.

يا سادة: لَقد قَدَّم أهل حلب الشرفاء أروع دروس التضحية في الصبر والثبات، ووفقوا بكل جرأة وشموخ في وجه الإشاعات الكاذبة، التي تتاجر بدمائهم بعد أن سفكتها يد الحقد والغدر، وها هم رجال حلب يقولون: إن فناء في الحق هو عين البقاء، إن الأفعى العثمانية نفثت سُمها في جسد حلب، وهذا السم هو غاز الكلور المحرم دولياً، وهنا سؤال يطرح نفسه على مسامع العالم أجمع: هل سيُنصف مجلس الأمن أهل حلب، ويفرق بين القاتل والضحية؟.

يا أهل حلب، يا أهل حلب الشرفاء والكبراء، مَن لم يتذأب أكلته الذئاب, وعلينا أن ندرك جميعاً أن الدَّم العربي في نظر الغرب لا قيمة له، كدم الذباب، وما أشبه اليوم بالأمس.

قال أحد علماء مصر رحمه الله: رَجعت بالذاكرة إلى عام ألف وتسعمائة وستة وخمسين، وأنا في القاهرة أستمع إلى فظائع اليهود، يوم كانوا يحتلون قطاع غزة، فقلت في نفسي: ماذا أرجو مِن قوم مُسخوا وحوشاً، ثم جعلوا وَحشيتهم عقيدة! لقد كنت أُطالع الأخبار عن خنادق الموت التي عَثروا عليها، ثم أستشعر الهم الثقيل، وأتساءل: ما هذا! هذه حفرة فيها قرابة سبعين جثة مَذبوحة من الشباب المختطفين من أهل غزة، إن حُفراً كثيرة وجدت ممتلئة بجثث أخرى، وكان الآباء والأمهات يَجهشون بالبكاء وهم يتعرفون على أبنائهم وذوي قرابتهم، ومع كل هذه المآسي سارعت هيئة الأمم المتحدة إلى القول بأنه يَجب التحقيق في هذه الجرائم.

يا سادة: كُلنا يعلم أن موظفي هيئة الأمم المتحدة اشُتروا منذ زمن طويل بالمال أو بالنساء أو دفعهم الحقد إلى التَّطوع من دون رِشوة لمحق العرب والمسلمين في بلادهم.

معاشر السادة: فرضٌ علينا في هذه الساعة المباركة، وفي هذه الأيام العصيبة، أن ندعو لأهلنا في حلب الشهباء، وأن ندعو لجيشنا العقائدي، لرجال الله الذين يُقاتلون التكفيريين والمارقين مِن داعش وتنظيم جبهة النصرة وتنظيم فستق كما أمرت وغيرهم، واجب علينا أن ندعو لهم بالنصر والسداد والتوفيق، والعالم كله العدو والصديق يَرقب بعين الدقة والنظر والحذر إلى معركة حلب، وإلى معركة الموصل في العراق، لماذا؟ لأن معركة حلب هذه التي سترسم الطريق من جديد والطريق الصحيح نستطيع أن نقول ذلك، ومعركة الموصل كذلك في العراق، وهاتان المعركتان عندما تنتصران -وسوف تنتصران، لأننا نؤمن أن الله ينصر الحق وأهله ولو بعد حين- هاتان المعركتان وهاتان المدينتان -حلب والموصل- ستحددان الإقليم الدولي والعالمي أيضاً.

من هنا –يا سادة– لا ينبغي علينا أن نَكتفي فقط بالكلام والتنديد والاستنكار، يجب علينا مَن كان قادراً على حمل السلاح فليذهب إلى حلب، مَن كان قادراً على حمل السلاح فليذهب إلى الموصل، وينبغي على الشعوب أن تخرج بمظاهرات عنيفة تُندد بآل سعود الأقزام، وبأردوغان الوقح، وبأوباما المنحط، وبغيرهم، ينبغي علينا وينبغي على العالم أجمع أن يَخرج بمظاهرات عنيفة، يُندد بالإرهاب وبمموليه وداعميه، وأن تقول الشعوب للعالم أجمع: ها نحن ذا يا داعش، يا دولة الإسلام المزيفة، ها نحن ذا هنا، نحن أصحاب الحق، نحن الرجال، نحن العظماء، نحن الأباة، وكلنا مَشروع شهادة دفاعاً عن هذا الإسلام أولاً، ودفاعاً عن المسيحية ثانياً، ودفاعاً عن سوريا ثالثاً، وعن عراقنا الحبيب وعن الأمة العربية والإسلامية بأسرها وجميعها.

كفانا -يا سادة- تنديداً فردياً، التنديد الفردي لا يثمر ولا يجدي، ينبغي أن يَكون هناك تنديد جماعي، والتنديد الحق يكون بالبندقية، التنديد الحق يكون بالبندقية، في الوقوف في وجه التكفيرين المارقين، داعش هذا التنظيم الصهيوني الماسوني، والذي أنشأته أمريكا كما اعترفت بذلك "هيلاري كلينتون" عندما قالت: (إن داعش ولد من رحم أمريكا)، فنحن واجب علينا -يا سادة- أن نقف في وجه هؤلاء الصهاينة، الذين حملوا أعظم راية في الدنيا، هي راية لا إله إلا الله، لكي يتستروا بها، لكي يستروا بها إجرامهم وعربدتهم ورذيلتهم وقبحهم، واجب علينا اليوم أن نَقف في وجههم، لنقول لهم وللعالم ولمموليهم وداعميهم: نحن هنا أسود في سوريا، في قلب العروبة، في دمشق، نحن هنا أسود، ما ركعنا من قبل للعدوان الفرنسي الغاشم ومن جاء قبله، حتى نركع اليوم، فسوريا اليوم تَسير بإذن الله جل جلاله في طريق الحق والانتصار، وهذه المآسي التي نَراها اليوم في حلب الشهباء ستلد أملاً ونصراً وفرجاً إن شاء الله تعالى، ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5-6], والحمد لله رب العالمين.

 

الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــ2ــــــــــة:

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله اتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم، ولا تعذبنا فإنك علينا قدير, اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً مريعاً سحاً غدقاً طبقاً مجللاً إلى يوم الدين, اللهم إنا نسألك في هذه الساعة المباركة، وأنت تسمعنا وترانا يا رب العالمين، يا حق يا رب العالمين يا حق, اللهم إنا نسألك أن تنصر الجيش العربي السوري في السهول والجبال والوديان, وأن تكون لهم معيناً وناصراً, وأن تكون لهم معيناً وناصراً, وأن تكون لهم معيناً وناصراً, اللهم سدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم سدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, وردهم سالمين إلى أهليهم وإلى ذويهم وإلى أزواجهم وإلى أحبابهم يا أرحم الراحمين, اللهم إنا نسألك أن تنصر المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله, وأن تُسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين, اللهم وفق القائد المؤمن والجندي الأول بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، وخُذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، واجعله بِشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية, )سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1114
تحميل ملفات
فيديو مصور