الخطابة الدينية » منابر دمشق

زاد المسافر 9

د.محمد خير الشعال


زاد المسافر 9

(زاد المسافر-9)

الحمد لله، الحمد لله ثمَّ الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فهو المهتَدِ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مُرْشِداً، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيِّدنا محمَّداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، خيرُ نبيٍّ اجتباه، وهدىً ورحمةً للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدِّين كلِّه ولو كَرِه الكافرون، ولو كَرِهَ المشركون، ولو كَرِهَ مَن كَرِه، اللَّهم صلِّ على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلِّم.

أمَّا بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله تعالى، وأحثُّكم وإيَّاي على طاعته، وأستفتح بالذي هو خير.

قال الله تعالى في سورة لقمان: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 16، 17].

وقال سبحانه في وصف عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } [الفرقان: 74].

عنوان خطبة اليوم (زاد المسافر -9-)

أتحدث فيها عن عشر نصائح للحفاظ على تربية الأبناء في البلاد غير الإسلامية.

أيها الإخوة:

يخاف من سافر إلى بلد غير إسلامي على أبنائه وبناته أن تتغير تربيتهم وأن تتبدل انتماءتهم.

يسأل آخرون كيف نربي أبناءنا في بلاد الغرب؟

ويحكي قوم عن شباب ضاعت هويتهم هناك وفتيات، بينما يروي غيرهم حكاياتٍ عن التزامٍ كبير لأبنائهم وبناتهم بشعائر الدِّين وآدابه.

 رجل عربي في بلد غربي يجلس في زاوية أحد المساجد, يبكي بحسرة, ويحكي لأحد أصدقائه عن ابنته ذات السبعة عشر ربيعاً التي تتناول الكحوليات, بل وتُحضر صديقَها إلى غرفتها الخاصة وتهدِّد والديها بإبلاغ الشرطة إذا ما تعرّضا لها.

بينما تصوِّر والدةٌ مقطعاً لمجموعة من صغار الطلبة العرب المسلمين المقيمين في بلد غربي في احتفال بأحد المساجد؛ والصغار يتلون ما حفظوا من القرآن الكريم والأهل والمدرِّسون يصفقون بحرارة، ومجموعة أخرى تمثِّل طواف الحجاج حول بيت الله الحرام يرتدون أثواب الإحرام فوق ثيابهم، يمدون أيديهم الصغيرة بالدعاء والتلبية.

من هنا أحببت أن أقدِّم هذه الخطبة زاداً للمسافرين إلى البلاد غير الإسلامية، أهديهم فيها عشر نصائح تنفع في تربية أبنائهم جمعتها لهم من كتب تربوية ومقالات فكرية ودراسات اجتماعية.

النصيحة الأولى: هداية أبنائك وصلاحُهم بيد الله؛ فعلِّق قلبك به سبحانه وتوكَّل عليه وأكثر من الدعاء واللجوء إليه.

واعلم أن حفظَ اللهِ لا تحدُّه حدود البلدان، واذكر أن موسى عليه السلام تربى في بيت أكفر الكفرة وخرج نبيَّ زمانه. فابذل المستطاع من الجهد وخُذْ بالأسباب الممكنة ثم التوكل على الله. 

النصيحة الثانية: اغمُر أبناءك بالحب والاحترام، ضُمَّهم وقَبِّلهم، ادع الله لهم بصوت مسموع، استمع لآرائهم وهمومهم وآمالهم، اقضِ كثيراً من الأوقات معهم، ضاحكهم ومازحهم والعب معهم واحزن لهم ومعهم. فعندما تملؤهم حباً فلن يبحثوا عن العاطفة والحنان والحب بعيداً عنك وعن أمهم.

النصيحة الثالثة: إنك تعيش في بيئة مناقضة لما تريد، فأنت تريد لأبنائك العفة والطهر والإيمان بالله، والشارع والمدرسة ووسائل الإعلام والسوق تدعوهم إلى غير ما تريد، فقلِّل ما استطعت من تعرضهم لهذه المؤثرات، بتقليل الخروج إلى الأماكن العامة والأسواق وتقليل التعرض للإعلام ومؤثراته، ولتصنع لأبنائك بديلاً مبهجا ًكحفلات عائلية وألعاب أُسَرية والذهاب معاً في رحلات إلى المحميات الطبيعية المفتوحة، وإذا تابعتم التلفاز أو المواقع الالكترونية فليكن ذلك بشكل جماعي، وقدِّم تعليقاتك التربوية على ما هو صحيح وما هو خاطئ.

النصيحة الرابعة: مهما أردت من أبنائك الالتزام بأمر فكن أنت أول الملتزمين به، ومهما أردتهم أن يبتعدوا عنه فكن أول المبتعدين، لأن عيونهم معقودة بك يعملون ماتعمل ويتركون ماتترك.

مشى الطَّاووسُ يوماً باعوجاجٍ

فقال: علام تختالون؟ قـــــــالوا:

فخالفْ سيرَك المعوجَّ واعدلْ

أما تــدري أبــانــا كلُّ فــرعٍ

وينشــأُ ناشئُ الفتيــانِ منــا

 

فقلّد شكلَ مشيتِهِ بنوهُ

بدأتَ به ونحنُ مقلدوهُ

فإنـا إنْ عـدلتَ مـعدلـوهُ

يجاري بالخُطَا من أدبوه؟

على ما كان عوَّدهُ أبوهُ

النصيحة الخامسة: كَوِّن مع أصدقائك الثقات بديلاً للعائلة الممتدة, لأن عدم وجود عائلة ممتدة من أجداد وإخوة وأخوات يشكِّل تحدياً آخر للآباء في المهجر, فالعائلة الممتدة تساعد على نقل الدِّين والقيم من جيل إلى آخر. فكوِّن من أصدقائك الثقات حولك بديلاً للعائلة الممتدة ليصبح أصدقاؤك بمنزلة الأعمام والخالات لأبنائك, يترابطون معهم في علاقات حب واحترام ضمن ضوابط الشرع, ويلجؤون لهم عند الحاجة, ويحدث ذلك عندما يتعوَّد الآباء اصطحابَ أبنائهم في زياراتهم للأصدقاء ويتعوَّدون إدخالهم في أحاديثهم ونشاطاتهم.

النصيحة السادسة: اختر سكناً قريباً من مركز إسلامي أو مسجد أو مدرسة إسلامية، ولو تحملت نفقة إضافية أو وقتاً إضافياً أو جهداً إضافياً. ليلتحق أبناؤك بالمركز الإسلامي والمدرسة الإسلامية والمسجد، واجتهد أن تسافر مع أهلك إلى العمرة والحج كلما أُتيح لك ذلك أو أن تزور بلادك العربية الإسلامية. فتربية أولادك تحتاج إلى تضحية.

أذكر قناة فضائية التقت فتى ناشئاً لم يتعد العاشرة من عمره، حفظ القرآن الكريم في واحد من أرياف مصر، سألوا والده الفلاح البسيط عن طريقة عنايته بابنه حتى حفظ القرآن فأجاب: أنه أرسل طفله الصغير إلى مسجد القرية ليتعلم القرآن، وأحب ابنُه إمامَ المسجد فاندفع في حفظ أجزاء القرآن، وبعد حين قررت إدارة الأوقاف نقل الإمام إلى قرية أخرى، فما كان من الأب المربي إلا أن نقل داره كلها وأهله وعمله إلى القرية التي انتقل لها الإمام ليبقي ابنه مع القرآن الكريم فكان أن حفظ ولده القرآن، وعندما سألوه عن هذه التضحية قال: إن القرآن وابني يستحقان.!

النصيحة السابعة: حدِّث أبناءك عن أخطاء الغرب وتفسُّخ قيمهم، وانقُده نقداً علمياً، حدِّثهم عن التفكك الأُسري، وعن تفشِّي الجريمة، وعن نشر حكوماتهم للحروب في البلاد البعيدة، وعن الانحلال الخُلقي عندهم، وعن استعباد المال والشهوة للإنسان. ودعهم ينظروا الوجه الآخر للغرب حتى لاتسرق حضارةُ المادةِ أبصارَهم.

علِّمهم النقدَ العلمي بأدب وجرأة، ودرِّبهم على أن يقوِّموا مايرون أو يسمعون، وحُثَّهم على الدعوة إلى الإسلام بين أقرانهم وأصحابهم.

النصيحة الثامنة: علِّم ابنك الاعتزاز بإنسانيته {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] والاعتزاز بدينه {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [المنافقون: 8] والاعتزاز بلغته العربية والاعتزاز بهويته الأخلاقية.

فهو يعرف الإجابة على أسئلة الحياة التي أعيت فلاسفة الأرض: من أنا؟، ولماذا جئت؟، وإلى أين أمضي؟، وهو يتكلم لغة القرآن، حدِّثه عن دينه وعن محاسن شريعته وأخبره سيرة نبيه صلى الله عليه وسلم وقصص صحابته، ذكِّره أنه ينتمي لأمة ضاربةٍ جذورها في الأرض وارفةٍ ظلالها في السماء.

ولئن كان يرى في المسلمين من لا يمشون على هدي الشريعة فإن الخطأ في الأشخاص لا في الرسالة.

عندما يعتز ابنك بما سمعت يترفع عن الشهوات الملقاة على الأرض في الغرب ويسمو عن دناياهم.

النصيحة التاسعة: اختر لأبنائك المدارس الإسلامية وساعدهم في الاجتماع بالأصحاب الصالحين. وتجنّب إرسال الأبناء إلى الجامعات البعيدة لكي يسكنوا في سكن الجامعة.

النصيحة العاشرة: عجِّل بزواج أبنائك وبناتك. ولئن كان الشاب والفتاة اليوم في بلاد المسلمين يؤخرون الزواج، ونعتبر ذلك خطيئة؛ فإنه أشد حينما يكون ذلك في بلاد الغرب.

فقد نلجأ إلى أن نبادر بالعقد بين الشاب والفتاة ولو لم ينتقلا إلى بيت الزوجية، ولو عاش كل منهما في بيته، فإذا أتيحت لهما فرص اللقاء فإنه حينئذ يمارس حقه الشرعي من خلال العلاقة والصلة، ويتاح له المصرف الشرعي الذي يحميه بإذن الله، ويحمي الفتاة من الانحراف والوقوع في الفساد.

أيها الإخوة:

هذه نصائح عشر قدمتها لكم لعلها تساعد في سلامة أبنائكم وصلاحهم والحفاظ عليهم ليكونوا دعاة لهذا الدين وقرَّة عين للإسلام والمسلمين، وأكثروا من الدعاء {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].

اللهم احفظ علينا ديننا وإيماننا واحم شبابنا وبناتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وسلِّم من سافر من أهل هذه البلدة، وعجِّل للشام بالفرج واجعله محفوفاً بلطفك.

والحمد لله رب العالمين

 

Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://www.awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=94&id=3510