خطب مدير الأوقاف

إيـــــاكـــم ومحــقــرات الــذنــوب

الشيخ أحمد سامر القباني


إيـــــاكـــم ومحــقــرات الــذنــوب

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،  صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق، ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون ولو كره المشركون والملحدون .

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وأن خير الهدي هدي رسول الله r، وأن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

)يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد( [الحج: 1-2] .



اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة يا الله، وعمنا جميعاً بفضلك العظيم، اللهم إني أعوذ بك من التكلف لما أعلم، كما أعوذ بك من العجب بما أعلم، وأعوذ بك اللهم من السلاطة والهذر، كما أعوذ بك من العِيِّ والحَصَر.

وبعد أيها الإخوة المؤمنون: ما زلنا وإياكم نتحدث عن موضوع التغيير، حيث يقول رب العزة والجلال في كتابه العزيز: )إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم( [الرعد: 11] وهذه الآية في سورة الرعد، والآية الأخرى في سورة الأنفال: )ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم( [الأنفال: 53].

تكلمنا عن العدو الأول لنا نحن بني آدم عامة والمؤمنين المسلمين خاصة وهو الشيطان، الذي توعد بإغوائنا وإدخالنا النار، ورأينا أن مِن أهم علامات التغيير للإنسان المؤمن إذا كان جاداً في التغيير، وهذه بين قوسين، لأنني حاورت كثيراً من الشباب في الأسبوع الماضي، وتكلمت معهم حول هذا الأمر، فقال لي البعض: إن هذه الأشياء التي تتحدث عنها موضوع صلاة الفجر أن يقوم الإنسان فيصلي الفجر وترك الكبائر، وما شابه ذلك، هل هذه هي مقياس التغيير؟ قلت له: هذه علامات للبدء بالتغيير للإنسان الجاد في التغيير، بمعنى أن هناك شخصاً تعجبه حياته للأسف، رضي أن يعيش من غير هدف في هذه الحياة، يذهب إلى عمله ويعود من عمله، وربما هذا الإنسان لا يعنيه ما تعاني منه الأمة اليوم، من تفرق وتجزؤ وتشرذم، ومما يحصل في هذه الأمة من القتل والعنف والتدمير والتشريد لا يهمه، المهم أن أعماله لم تتوقف ولا يحتاج لأحد، يأكل ويشرب هو وامرأته وأولاده بصحة وعافية، وكل ما رأى منظراً في التلفاز يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله ويكفي بذلك، من كان راضياً بذلك فهذا شأنه، أنا أتكلم عن شباب كُثُر حدثوني أنهم يشعرون أنهم يجب أن يقوموا بشيء، فقلنا لهم: يجب أن ننطلق من أنفسنا، لا يجوز أن يبدأ الإنسان بإصلاح المجتمع قبل أن ينطلق من نفسه فيُصلحها، وهذا الكلام موجه لهؤلاء الشباب، هم يعانون من عدة أشياء، مِن ضمنها أنهم حاولوا مراراً الاستيقاظ لصلاة الفجر ولا يستطيعون،  فقلت لهم: هذا حرمان من الله تعالى، الذي لا يستيقظ على صلاة الفجر هذا ليس أمراً سهلاً، هذا حرمان من الله، لو أراد الله أن يوقظك لأيقظك، لكن أنت عنده شخص غير محبب حالياً، على الأقل حالياً، لذلك لم يوقظك لصلاة الفجر، لا يحضرها منافق، صلاة الفجر هي أثقل صلاة على المنافقين، تترك الفراش وتُقلع من فراشك وتذهب إلى الوضوء وإلى الصلاة، والوقوف بين يدي الله قبل دقائق، ثم صلاة الفجر، أُقسم بالله هذه أكبر نعمة من الله ينعم بها على العبد، هذا إنسان إذا ترك الفراش وسهر طويلاً وتَعب، لكن صلاة الفجر بالنسبة له فرض هذا إنسان يرغب بالتغيير، إذا حاول ذلك بَدأ به يَرغب، إذا لم يحاول هو لا يريد، أنا لا أتكلم عن الذي لا يريد.

الشيء الثاني: البعض يظن أن الكبائر محصورة بالسبع الموبقات، فنبهنا أنها خمسين كبيرة، أوصل بها الإمام الذهبي في كتابه الكبائر، ربما يفعل الإنسان الذنب ولا يعرف أنها كبيرة، فيحرم هذا الذنب الأمة من الرحمة ويكون أنا وأنت سبباً في ذلك، فتكلمنا عن الإقلاع عن الكبائر.

واليوم نريد أن نتحدث عن الصغائر، إذا أقلعنا عن الكبائر، بدأنا نشعر أننا بحاجة فعلاً أن يُحدث الواحد منا زلزالاً في نفسه، زلزالاً مغيراً من الخطأ إلى الصواب، ومن المعصية إلى الطاعة، ويَشعر الواحد منا أنه ربما يكون سبباً فيما يحصل في هذه الأمة اليوم، ليس فقط تآمر أعداء الإسلام على الإسلام والمؤامرات الخارجية، نحن طرف، لأن الله يقول ذلك لست أنا الذي يقول، ولذلك ما هو حكم الصغائر؟ أنا الحمد لله، أستيقظ على صلاة الفجر، ولا أرتكب الكبائر، ربما فعلت وتبت إلى الله وأقلعت، لكن هذه الذنوب الصغائر التي نفعلها كل يوم، ما هو مصيرها وما هو شأنها؟ أنت تكلمت في الأسبوع الماضي أن الصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر، إذاً تمحى الصغائر، من قال: دُبُر كل صلاة: (سبحان الله) ثلاثاً وثلاثين، (الحمد لله) ثلاثاً وثلاثين، (الله أكبر) ثلاثاً وثلاثين، وختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ غفرت ذنوبه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر))، فمكفرات الصغائر كثيرة، ولكن ألا تُؤثر الصغائر على حياة الإنسان؟ تَعالوا لنستمع إلى سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم:

الحديث الأول: أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وهو حديث صحيح، عن سيدنا سهل بن سعد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم ومُحَقَّرَات الذنوب)) مُحَقَّرات جمع محقّر أو محقّرة، وهو اسم مفعول، حقر يُحقر، حَقَّر فلان فلاناً، الذي حَقَّرَ اسمه مُحقر اسم فاعل، والآخر اسمه مُحَقَّر، فأنت هذا الذنب احتقرته جعلته حقيراً، والاحتقار في اللغة هو الاستصغار، لَيست كلمة بذيئة كما يظن البعض، لم يرد كلمة حقير في اللغة إلا بمعنى صغير، فشيء حَقير أي شيء صغير، وفي المقابل شيء عظيم، الشيء الحقير الصغير في مقابل شيء عظيم، فمعنى ((إياكم ومحقرات الذنوب)) أي إياكم والذنوب التي تستحقرونها، أي ترونها صغيرة، يَعني الصغائر، أي إياكم والصغائر، ((إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كقوم نزلوا في بطن واد، فجاء هذا بعود، وهذا بعود، حتى أنضجوا خُبزهم)) وفي رواية: ((أضرموا ناراً فأنضجوا عليها خبزهم)) شَبَّه سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم الذنب الصغير بالعود، عوداً مِن هنا وعوداً من هنا أصبحت كوماً من الحطب والقش، أشعلنا هذا القش وأنضجنا عليه الخبز، هكذا يُشَبِّه رسول الله صلى الله عليه وسلم صغائر الذنوب التي تجتمع على الإنسان، ((كمثل قومٍ نزلوا في بطن وادٍ، فجاء هذا بعود وهذا بعودٍ، حتى أنضجوا خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يُؤخذ بها صاحبها تُهلكه)) متى يُؤخذ بها صاحبها صغائر الذنوب تهلكه، هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانظر إلى المثال، يعني يَظن الإنسان أن هذا العود لا يَكفي لإنضاج الخبز، لَكن يجتمع عود مع عود حتى يُصبح كومة كبيرة، ثم تَستطيع بعد ذلك أن تَخبز على هذه الكومة وإن كانت مؤلفة من عيدان صغيرة، هذا الشيء الأول، الشيء الثاني: انظر إلى هذا المثال، لماذا لم يَضرب سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال مثلاً: كمثل حجر إلى حجر إلى حصاة إلى رملة، فيُصبح عندك واد من الحجارة، لماذا المثال بالأعواد الصغيرة، أنضجوا عليها خبزهم، يَعني شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم صَغائر الذنوب بأشياء وَلَّدَت نَاراً، مُمكن أن يكون المثال حصى حتى صنعت جبلاً، لكن عوداً أحدث ناراً ثم أنضج بعد ذلك الإنسان عليها خبزاً، في هذا دلالة أن هذه الصغائر لا تستهن بها، فإنها -يقول عليه الصلاة والسلام- مَتى يُؤخذ بها صاحبها تهلكه، وتحفظون كلكم في كتاب الله عز وجل: )وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا( [الكهف: 49] قَرأ بعض الصحابة بعد هذا الحديث هذه الآية: )لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا(.

الحديث الثاني: أخرجه أحمد في مسنده، عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم ومُحَقَّرات الذنوب، فإنهن يَجتمعن على الرجل حتى يهلكنه)).

الحديث الثالث: أخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، وقال: حديث صحيح، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم ومحقرات الأعمال، -الذنوب الصغائر- فإن لها من الله طالباً)) ستُحاسب عليها يوم القيامة، فإن لها من الله طالباً.

الحديث الرابع: أخرجه أبو داود في الزهد، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((إياكم ومحقرات الأعمال، فإنها تراكم -أي تتراكم- مثل الجبال وتُحصي أعمالكم)) تتراكم مثل الجبال، هذه الصغائر تُذهب لك أعمالك الصالحة.

الحديث الخامس: أخرجه الترمذي في سننه، وقال: حديث صحيح، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد إذا أخطئ خطيئة نُكتت في قلبه نكتة سوداء)) نقطة صغيرة سوداء، ذنب صغير ليس كبيراً من الكبائر، ((نُكتت في قلبه نكتة سوداء)) نقطة واحدة سوداء، ((فإذا هو نَزَعَ واستغفر وتاب صُقِلَ قَلبه)) لما فوراً يعود إلى الله ويتوب ويقول: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، يقول عليه الصلاة والسلام: ((صُقِلَ قَلبه، وإن عَاد)) مَرة ثانية وأَذنب ذَنباً صغيراً مرة تلو أخرى، ((وإن عاد زِيدَ فيها)) أي زيد في هذه النقطة، تَكبر النقطة فتصبح مثل إنسان أتى بقلم حبر ووضعه على ورقة بيضاء،
إذا وضعه مرة ثانية تكبر النقطة، وهكذا، يقول عليه الصلاة والسلام: ((فإن عاد زِيد فيها، حتى يعلو قلبه)) يَعني يعلو قلبه الذنوب، ((وهو الران الذي ذكر الله عز وجل)) هكذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وهو الران الذي ذكر الله عز وجل بقوله:
)كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيم(  [المطففين: 14-16] المفسر لست أنا ولا القرطبي ولا الألوسي ولا ابن كثير، المفسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُفسر قوله تعالى: )كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُون( تَجتمع الذنوب الصغائر على القلب، فيقسو القلب، عندما يقسو القلب يهلك الإنسان، يحجب عن ربه، لذلك لا يقوم على صلاة الصبح، يستسهل الصغائر، ويفعل الكبائر، لأنه يوجد حجاب بينه وبين الله تعالى، ذكر أبو طاهر -واحد من علماء المسلمين- في كتابه الْمُخلّصيات -أي ما يخلِّص الإنسان من الذنوب- عن سيدنا الحسن البصري سيد التابعين الذي تربى في بيت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، يَقول في قوله تعالى: )كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُون( يقول: (هو الذنب على الذنب، والذنب على الذنب، حتى يعمى القلب فيموت). ويقول البيهقي في شعب الإيمان، عن سيدنا إبراهيم بن أدهم يقول: هو الذنب بعد الذنب، حتى يسود القلب في إبطاء، لَيس فَجأة يصير قلبه قاسياً بعيداً عن الله، في إبطاء، قليلاً قليلاً، فما نجع هذا القلب المواعظ، فما عادت تنفعه المواعظ: قال الله، وقال رسول الله، وقال الحسن البصري، وقال التابعون، النجاع هو النجاح، فما نجح مع هذا القلب المواعظ، ما يَنجح معه المواعظ، ((فإن تاب إلى الله قبله وانجلى عن قلبه كجلي المرآة)) يَنجلي بالتوبة هذا القلب، إذا أنقلع الإنسان عن الذنوب وتاب واستغفر وعاد إلى الله.

أخرج البخاري في صحيحه، عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (إن المؤمن يَرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يَخاف أن يقع عليه) والله هذا الشعور الإنسان المؤمن الصادق، المؤمن الصادق لا يرتاح في هذه الدنيا، دائماً تجد قلبه مشغولاً بالمعاصي والآثام التي يَفعلها، قلبه وعقله مشغول، يفكر: كيف يقلع عن الذنب؟ يفكر: ما هي السبيل إلى أن يَرضى الله عنه؟ يُفكر: كيف يكون بعيداً عن النار قريباً من الجنة؟ الإنسان المؤمن الذي قلبه دائماً مهموماً بذنوبه ومعاصيه هذا إنسان مؤمن حقيقي، والذي لا يَهتم هذا مؤمن ناقص إيمانه، يقول سيدنا أبو هريرة: (إن المؤمن يرى ذنوبه -الصغائر- كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر -الذي لا يهتم- يَرى ذُنوبه كذباب مَرَّ على أنفه)) هكذا ينظر الإنسان الفاجر إلى ذنوبه، ينظر للمعاصي والآثام لا يهتم، يعني أحدهم يغتمُّ ويهتم لمعاصيه وبُعده عن الله، والآخر لا يهتم ولا يغتم.

كيف يبدأ الأمر؟ أنا أقول لكم إخواني، سأقرأ هذا الحديث ونختم به الخطبة، هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما، عن سيدنا النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بيّن والحرام بيّن)) ((استفت قلبك، ولو أفتاك الناس وأفتوك)) هذا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس)) ((البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس)) والحديث الآخر: ((استفت قلبك ولو أفتاك الناس وأفتوك)) لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمها كثير من الناس)) في أمر فيه شبهة لا يعرفه أحدهم هل هو حلال أم حرام، يقول عليه الصلاة والسلام إذا الحرام ابتعدت عنه والحلال فعلته، فالشبهات؟ هذا حلال أم حرام؟ أفعله أم لا؟

يقول عليه السلام: ((وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)) أمر في شبهة لا أريده، انتهى الأمر، دعنا نحفظ هذا الحديث وهو مهم جداً في هذه الخطبة، إذاً القسم الأول: ((فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)) من ابتعد عن الشبهات يكون بريئاً دائماً نظيفاً في دينه وعرضه، الآن الشق الثاني: ((ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: كاد أن يقع في الحرام، من وقع في الشبهات احكم عليه أنه وقع في الحرام، ((ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى)) ابتعد أيها الراعي عن هذا الوادي، فيقول: أنا شاطر، اتركوني، لن أقع في الوادي، ((يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه)) الذي يَحصل يأتي الشيطان، أمر فيه شبهة تعمله، وهو ذنب، فيصير صغيرة، ثم تتراكم الصغائر فوق بعضها، فيأتي إبليس -انظروا إلى آلية عمل إبليس والنفس الأمارة بالسوء- تكثر الصغائر فيعتاد عليها الإنسان، الشاب الفتاة الرجل المرأة، يَعتاد على الصغائر، فيَبدأ الأن الحديث عن الكبائر، لماذا لا تجتمع بهذه الفتاة؟ لا تفعلون شيئاً محرماً، اتكلوا على الله، فقط اجتماع، سلام وكلام، فيجتمع، فيقول: صغائر، ثم بَعد ذلك يَنزلق فيزني، لماذا لا تجتمع مع الأصدقاء؟ اسهر سهرة معهم، ليس فيها مشكلة، ولو كانوا أصدقاء سوء، اذهب لتعرف الشر، ذهب فلعب القمار وشرب الخمر، ووقع في الكبائر، ومَن وقع في الكبائر ولم يُسارع إلى التوبة والاستغفار يُخشى عليه من سوء الخاتمة، نحن نفهم وإياكم ما معنى سوء الخاتمة، لأن الخاتمة هي أهم شيء في حياة الإنسان، لن يكون لك خيار في وجودك، لم يستشرك أحد لا أبوك ولا أمك، وجدت نفسك في هذه الدنيا، وليس لك خيار في ذهابك من هذه الدنيا، لا تعرف ساعة الموت، الخيار بين نقطة الولادة وبين نقطة الموت، هما الخيار فقط، فالعبرة بالخواتيم، نحن نقول دائماً: يا رب نسألك حسن الختام والوفاة على الإيمان، نقول: يا رب توفني مسلماً وألحقني بالصالحين، يا رب اجعل خير أعمالي خواتيمها وخير أيامي يوم لقاءك، يا رب اجعل آخر كلامي من الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله، لماذا نَدعو بكل هذه الدعوات الصادقة من قلوبنا؟ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يُحشر المرء على ما مات عليه)) يُحشر يوم القيامة على ما مات عليه، ما كانت آخر أعمالك من الدنيا؟ ((إذا أراد الله -يقول عليه الصلاة والسلام- بعبد خيراً عَسَّلَه)) أول مرة يسمع الصحابة هذا المصطلح، قالوا: ما عسله يا رسول الله؟ قال: ((ألهمه عملاً صالحاً ثم قبضه عليه)) في آخر حياته يصير يعمل أعمالاً صالحة، ويموت عليها، ماذا يعني آخر حياته؟ في شاب يموت وعمره أربعين سنة، وهو يظن أنه سيعيش ثمانين، هكذا هي آلية العمل عند إبليس: الشبهات، ثم الصغائر، ثم الكبائر، ثم سوء الخاتمة، نسأل الله لنا ولكم اللطف.

ولكن -أيها الاخوة- أنا لست بصدد الحديث عن الصغائر لكي أحذر منها فقط، أنا أريد أن أقول شيئاً للشباب، وأما الشُّيَّاب في هذا المسجد فهم بركتنا، ((إن الله يستحيي مِن ذي شيبة شابت في الإسلام)) هذا الحديث لنا جميعاً، للشباب وللفتيات، نحن نقول: الإنسان أدرى بنفسه، والله قال: )بَل الإِنسَانُ عَلَى نَفسِهِ بَصِيرَة( نحن لا نريد للإنسان المؤمن أن يكون معصوماً، قاعدة متفق عليها لن يكون معصوماً، لكن هذا الإنسان المؤمن يُطلب منه الاعتصام بحبل الله كما ذكرنا، فإذا فعل الذنب والمعصية فوراً يَتوب إلى الله عز وجل، أين تكمن المشكلة والسؤال؟ تَكمن المشكلة في الإصرار على الذنب ولو كان صغيراً، لأن علماءنا قالوا: الإصرار على الصغيرة يُحولها إلى كبيرة، والإصرار على الكبيرة يُخشى على صاحبها من سوء الخاتمة، لذلك قال الله عز وجل في سورة آل عمران: )وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً( كبيرة من الكبائر، )أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ( بصغيرة من الصغائر )ذَكَرُوا اللَّه( أي تذكروا الله، ليس بلسانهم فقط، تذكروا الله، )ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّه( والله يا إخوانا أمعنوت في هذا القسم من الآية، وقولوه في سجودكم، والله لن تجدوا لذة تعدل هذه اللذة، إذا كنت تريد مالاً تجد من يقرضك، إذا كنت في مشكلة تجد من يخلصك، ولكن الذنوب ليس إلا واحد يغفر سبحانه وتعالى، وأنت تُناجي الله اذكر ذلك لله في سجودك، قل: يا رب، أنت مَن يقول: )وَمَن يَغفِرُ الذُّنُوبَ إلا الله( إن كنت في مشكلة لجأت لمائة، ولكن مُشكلتي بذنوبي يا رب، أنا ليس لي غيرك، )وَمَن يَغفِرُ الذُّنُوبَ إلا الله( لكن انظر إلى الشرط الذي ذكره الله، قال الله تعالى: )وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا( [آل عمران: 133-135] الإصرار مُشكلة يا أيها الشباب، حتى لو كان الذنب صغيرة من الصغائر، الإصرار عليه مشكلة يا إخوان يا شباب، نحتاج إلى التغيير، نحتاج إلى أن يَرتقي الإنسان بنفسه، هي عبارة عن ورقة واحدة وقلم، ويكتب الإنسان ما يراه أنه سلبية عنده، وليست بعملية صعبة، يَكتب أنا إنسان كذاب، لا يستحي، هذه صحيفة بينه وبين الله، أنا إنسان عندي مشكلة الغيبة والنميمة، الإمام الذهبي قال: إنها من الكبائر، يقول: أنا إنسان أحياناً أتكلم بكلام فاحش بذيء، يَكتب: أنا أحياناً أخلاقياً تَعبان، أتكلم مع فتيات، أنا أجتمع مع بنات، أدخل لمواقع إباحية، يكتب ماذا لديه من سلبيات وصغائر، وما لديه إيجابيات، ثم يُحاول التخفيف، يَجب أن تكتب، وتبدأ بالمعالجة، حتى صغائر الذنوب اكتبها، وابدأ بالتخلص منها واحداً واحداً، فبعد ذلك إن شاء الله تستطيع أن تبدأ بالتغيير.

صلاة الفجر مَن كان يقترف كبيرة فليقلع عنها وليتب إلى الله، ومَن كان يُصر على صغيرة فليرفع الإصرار وليذهب وليتب إلى الله، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، استغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 


Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://www.awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=381&id=3460