صور من الذاكرة

العلامة القارئ المقرئ الشيخ محيي الدين الكردي رحمه الله

إدارة الموقع


العلامة القارئ المقرئ الشيخ محيي الدين الكردي رحمه الله

العلامة القارئ المقرئ الشيخ محيي الدين الكردي رحمه الله

الحمد لله ربّ العالمين ، وأفضل الصلاة وأتم التسليم ، على سيدنا ونبينا محمّد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين . 

اسمه ومولده ونشأته :

 هو العلامة الكبير ، المقرئ المدقق ، الفقيه المتمكن ، الإمام الزاهد ، الشيخ المعمّر ، أبو الحسن محيي الدين بن حسن بن مرعي بن حسن بن علي الكردي ، أحد كبار قراء الشام وفقهائها وعلمائها الأفذاذ.

* ولد في : دمشق الشام ، في حيّ الحيواطية ، خلف بستان المجتهد ( المشفى حالياً)

حيث دار والده ، وذلك سنة : 1330 هـ . 1912 م .

* نشأ في : حجر والديه ؛ وكان لهما الأثر الكبير في تربيته ، وخاصة والدته ؛ المرأة الصالحة العابدة التقية الورعة كثيرة الصيام والقيام . وكذلكم أخت جدته .

 شيوخه الذين تتلمذ عليهم :

أكرمه الله تعالى بتمام حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ عزالدين العرقسوسي ، وكان عمره نحواً من سبع عشرة سنة ، وأحبه الشيخ عزالدين حباً جمّاً ، عندما رآى همّته ودأبه في طلب العلم ، ولما رأى عنه من أدب جمّ ، وصلاحٍ ظاهرٍعلَى مُحيّاه من مطلع شبابه ، وكان معجباً بجودة قراءته  وحُسن أدائه ، حتى إنه كان يدارسه القرآن الكريم ، فيقرأان كل يوم عشرة أجزاء ، وذلك عدّة سنوات. .                        

*حضرالدرس العام للمحدث الأكبرالشيخ بدرالدين الحسني الذي كان يعقده بعد صلاة الجمعة في المسجد الأموي تحت قبّة النسر ، وقد سمع منه الكثير ، ثمّ بعد ذلك حضر بعض الدروس الخاصّة للمحدّث الأكبر وأجازه بكلّ مروياته .

*الشيخ رشيد شميس الفقيه الحنفي المتمكّن رحمه الله ، إمام جامع الحيواطية ،   وقد قرأ عليه شيئاً من الفقه الحنفي ، وكتاب مشكاة المصابيح .

*الشيخ محمد بركات  إمام جامع العنابي ،  في حي باب السريجة حيث قرأ عليه بدايات الفقه الشافعي .

* الشيخ حسني البَغَّال إمام جامع عز الدين في حي باب السريجة ، حيث قرأ    عليه كتاب شرح ابن قاسم لمتن أبي شجاع ، والمقدمة الأزهرية في علم العربية للشيخ خالد الأزهري المصري ، وشرح قطرالندى وبل الصدى لابن هشام .

*ومن أبرز شيوخه الشيخ محمود فائز الديرعطاني رحمه الله (أحد كبار قرّاء عصره) قرأعليه ختمة كاملة برواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية ، وأجازه بها ،  ثم بدأ بجمع القراءات على الشيخ فائز ، هو والشيخ محمد سكر في زمن واحد ، وكان الابتداء بتاريخ 1367هـ 1948م. والانتهاء1371هـ. 1952 م ، كما هو مثبت في إجازته بختم الشيخ فائز رحمه الله  فاستغرق جمع القراءات معهما خمس سنوات . وكان الشيخ قد بلغ من العمر أربعين عاماً.   

  * الشيخ العلامة الفقيه الورع الشافعي الصغير صالح العقاد رحمه الله تعالى قرأعليه كتاب مغني المحتاج بشرح المنهاج مرتين ، وكتاب التحرير ، والورقات في أصول الفقه ، وبقي ملازماً للشيخ صالح ملازمة تامةً حتى وفاته رحمه الله.

قال سيدي الوالد : رأيت الشيخ صالح مسجّىً على فراش الموت وهو مبتسم.

 *العلامة المربي الشيخ عبد الكريم الرفاعي رحمه الله ، حيث قرأعليه الكثيرمن العلوم ، كالأصول والفقه والمنطق وعلم التوحيد واللغة العربية وغيرها ، ولازمه ملازمة تامة لا يكاد يفارقه ، وكان يمينه في الدعوة إلى الله تعالى في كل الظروف والأحوال  .

وكان للمشايخ كلهم تأثير كبير في نفسه : فقد تأثر بالشيخ بدرالدين الحسني ، في التواضع وصفاء النفس وطهارة السريرة . وبالشيخ صالح العقاد ، في الزهد والورع الشديد .

وبالشيخ محمود فائز الدير عطاني ، في الهمة العالية والدأب والمثابرة في تحصيل العلم واغتنام الوقت.

وبالشيخ عبد الكريم الرفاعي في المصابرة على الدعوة ،والاهتمام بالشباب خاصة.

 أبرز المزايا والصفات التي كان يتمتع بها :

-      قويّ الحافظة ، واسع الاطلاع ، على غاية من الاستحضارلأوجه القراءات وتحريرها ومتونها ، مع تقدم عمره المديد ، وحتى آخر حياته .

-      من أشهر من علّم ودقق ، ونطق بالحروف الصحيحة .

-      له جلد عجيب ، ودأب غريب ، وصبر ومصابرة ، على القراءة والإقراء ، ملازماً لذلك ليلاً ونهاراً ، فتخرج به خلق كثير من الرجال والنساء.

-      لبِثَ سبعين عاماً يُقرئ القرآن بقراءاته ، وكان كثيراً ما يقول :

(الحمد لله الذي أفنى عمري في كتابه).

-      شيخ مقارئ مساجد زيد بن ثابت الأنصاري في دمشق الشام .

-      متناهياً في الفضل والدّين ، منقطعاً إلى الخير ، إماماً في النقل ، علماً في الزهد والورع ، فاق أهل وقته ؛ حتى عَدُّوه من بقية السلف الصالح .

-      وهو ممن إذا رأيته واستمعت إليه ذكّرك حاله ومقاله بالله سبحانه وتعالى .

-      كثير الختم للقرآن الكريم ، خالط القرآن قلبه وروحه ، وأخذ عليه لبّه ومشاعره ، لا تكاد تراه إلا وبين يديه كتاب الله ، عابداً صوّاماً قواماً ، يحج ويعتمر كل  سنة ولم يترك الحج والعمرة إلا قبيل وفاته بسبب مرضه.

فحج ستاً وخمسين حجة , كان أولها عام 1369هـ. , وآخرها عام 1425هـ .

 التواضع :  كان رحمه الله مفطوراً على خلق التواضع غير المتكلّف ، كان كثير الاتهام لنفسه بالعجز والتقصير ، وعندما يوصف بوصف من أوصافه أو شمائله التي كانت حقيقة فيه ، يظهرعليه أثر الانزعاج وربّما يبكي ويقول : " وما أدراكم ، ليس المعول على الكلام  !!! إنما المعول على حسن الختام. " 

 وقد ضم إلى هذا التواضع الرفيع الفطري غيرالمتكلف .

العزة المحمودة : فكان يغضب لله وينتصر للعلم والعلماء وطلاب العلم في غيابهم أو حضرتهم ، ولا يسمح لأحد أن يتكلم عنهم بسوء . .                                                        

كان شديد الاعتناء بنظافة ثوبه وبدنه ومكانه وكل حوائجه أكثر من عنايته بمظهر ذلك وشكله وهيئته ، ويختارمن الطيب أحسنه وأجوده .

الزهد والورع : عرفه الناس بزهده في الدنيا وزخارفها ، راغباً في الآخرة ونعيمها ،  وهذا ظاهر في ملبسه ومسكنه وسائر شؤون حياته ؛ يتكون أثاث غرفته من خزانة صغيرة فيها أدويته ، وخزانة أخرى فيها نفائس كتبه وأشياؤه الخاصة ، وينام على سرير في أبسط أشكاله .

لا ينظر إلى دنيا الناس ، وإذا دخل إلى مكان ليشارك الناس في مناسباتهم ( صالة أو بيت... ) يغض الطرف عن زخارف المكان وأثاثه ، وكأنه يغض طرفه عن محرم لا يجوز أن يراه ، وإذا ما قلت له مداعباً بعد خروجنا : هل رأيتم سيدي اللوحة الفلانية والأثاث الفلاني ؟ تجاهلني تماماً ، ولا يخوض في هذا أبداً .أهداه أحد الطلاب هدية - وتكررهذا أكثر من مرة - فغضب وقال : " لا تفسد عليّ عملي " .  فهو يريد الأجر كاملاً من الله ، على طريقة السلف الصالح من كبار القراء .

 *ومن صفاته الجود و الكرم : يقوم بنفسه عندما كان في صحته وعافيته ، ويُعِدّ لطلابه ما تيسر من الضيافة ، فكان مثال العالم العامل . وكل من عاصره يعرف كرمه وجوده

*ومن صفاته نقاء السريرة : فكل من يجلس إليه يشعر مباشرة بصفاء نفسه ونقاء قلبه وطهارة سريرته . لطيف المعشر ، كثير الصمت والتفكر ، حسن الخلق مع أهله وجيرانه ، ومع طلابه خاصة، عفيف اللسان لا يذكر أحداً بسوء ، ولا يغضب إلا إذا انتُهكت حرمة من حرمات الله عزوجل .                                      

*ومن صفاته : مزيتان عظيمتان امتاز بهما رحمه الله ، من النادر أن تجتمعا في رجل واحد في آن واحد ، وهما : أنه كان مع هدوئه وصفائه ولطفه وحرصه على البقاء في الظّل ... كان رجلاً شجاعاً قوياً ، متحمّساً للدعوة إلى الله عز وجل ؛ وقد سمعت من عدد من علماء عصره أكثر من قصة ، وشهدت عدداً من المواقف كلها تدلّ على غاية  في الشجاعة والقوة والرجولة.

طلّابه :

 عدد الطلاب الذين قرؤوا عليه برواية حفص فقط ، ما يقارب مئة وخمسة وعشرين طالباً من بينهم عشر نساء  وأما في القراءات العشر فمن الذكور : تسع وعشرون ، ومن الإناث : سبع نساء .

من أبرز من قرأ عليه (القراءات العشر) :                                                                 

1- المقرئ الحافظ الجامع الشيخ محمد تميم الزعبي نزيل المدينة المنورة وعضواللجنة المشرفة على التسجيلات بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف .

2- المقرئ الحافظ الجامع الشيخ الدكتور أيمن رشدي سويد كان الشيخ يثني على دقة علمه وسعة اطلاعه.

3- المقرئ الحافظ الجامع الشيخ محمد نعيم العرقسوسي حفظه الله ، وكان الشيخ يحبه جداً ، يأنس به وبحديثه العذب.

4- المقرئ الحافظ الجامع الشيخ أسامة حجازي كيلاني رحمه الله ، صهره زوج ابنته ، وقد توفي شابّاً في حياة الشيخ وحزن لوفاته حزناً شديداً ، وكان يقول في حقه :" لم أسمع في حياتي كقراءة الشيخ أسامة" .

ومن قرأ عليه أكثر من ختم:

1-    الحافظ الجامع المتقن الشيخ محمد هيثم سعيد منيني رحمه الله ، بلغ الغاية في إتقان الحروف ومخارجها وروعة القراءة وحسن أدائها ، وكان رديف الشيخ في إمامة صلاة التراويح وقد توفي شابّاً في حياة الشيخ وحزن لوفاته حزناً شديداً .

2-    الحافظ الجامع الشيخ الدكتورعبد المنعم أحمد شالاتي ،لازم الشيخ ملازمة تامة، وكان يقرأعليه أثناء صحبته له في ذهابه وعودته من درس الشيخ أحمد الشامي .

3-    ولده الحافظ الجامع محمد نزارمحيي الدين الكـردي ( مُعِدُّ هذه الترجمة ) حيث قرأ عليه هؤلاء الثلاثة القراءات العشر جمعاً وإفراداً ( لكل راوٍ ختمة ) وأجازهم بذلك كله .

العلوم التي كان يُعنى بها :

برع في علم التجويد وتعليمه ، وأبدع في إتقان الحرف القرآني ودقة مخرجه ، ومواطن الوقف والابتداء ، وتألّق في استحضار القراءات القرآنية وشواهدها وتحريراتها ،

* كما برع في الفقه الشافعي ، وهو أحد أبرز فقهاء عصره ، له درس فقه يومي ، صباحاً أو مساءاً ، لا يدعه مطلقاً ، وقد أقرأ الفقه لغالب طلابه، يقصده الناس من أجل الفتوى ، ويعودون إليه في المعضلات من المسائل الفقهية ، وربما عاد إليه في ذلك بعض فقهاء عصره .

* وله اشتغال واسع في علم أصول الفقه :

 قرأ كتب الأصول : (كالمستصفى للغزالي ، وحاشية البناني للمحلي على جمع الجوامع للإمام السبكي) منها على الشيخ صالح العقاد ، ومنها على الشيخ عبد الكريم الرفاعي .

وأقرأ علم الأصول لغير واحد من طلابه عدة مرات .

* وله اهتمام كبير في كتب اللغة العربية ( النحو والصرف والبلاغة ) يُقرئها لطلابه ، و يحضهم على قراءتها والمطالعة فيها دائماً .

* وله مشاركات في بقية العلوم : كالتفسير ، والتوحيد ، والمنطق أقرأ ذلك بعض طلابه أيضاً .

أهم أقواله :

 * حبي للجنة لأن فيها قراءة قرآن ، ثم يستشهد بحديث النبي عليه الصلاة والسلام : (( يقال لقارئ القرآن : اقرأ وارق ، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها )) فنشعر منه أنه لا يسعد ولا يتنعم في الدنيا ولا في الآخرة من غير قرآن .

*إذا قال له أحدهم داعياً : ( الله يطول عمرك ) يقول له مباشرة : قل في طاعة الله ، قل في طاعة الله ...متمثّلاً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " خيركم من طال عمره وحسن عمله "

* يدعو باكياً إذا أثنى عليه أحد : اللهم إن الناس قد ظنَّوا بي خيراً ، وأنت ألقيت ذلك في قلوبهم ، فلا تخيّب ظنهم ، ولا تكذبني عندهم .

المساجد التي خطب بها ، والأماكن التي أعطى بها الدروس :

أ- أسند له في البداية إمامة مسجد الفاخورة في حيّه الذي يسكن فيه حيّ قبرعاتكة وبقي يؤمّ الناس فيه عدة سنوات .

ثم أسند له بالأصالة الإمامة والخطابة في جامع الذهبية في الحيّ ذاته ، (يؤم الناس في صلاة التراويح  بالقراءات المختلفة ) وبقي فيه إماماً وخطيباً ومقرئاً ومدرساً وواعظاً نحواً من سبعين عاماً.

ب- أستاذ محاضر لمادة التجويد في قسم التخصص في مجمّع الفتح الإسلامي فرع الأزهر الشريف .

 الشيخ يُحوّل علمه إلى عمل يُفيد به المجتمع :

وذلك ، بانصرافه شبه الكلّي لخدمة كتاب الله تعالى ، ليخرج للأمة جيل القرآن .

كان يعيش في زمان ندر فيه حفاظ القرآن الكريم ، و كان الشيخ عبد الكريم الرفاعي رحمه الله متحمّساً جداً لدعوة الشباب ، فاقترح على أبي الحسن أن يفرد رواية حفص بإجازة ترغيباً للشباب ، ولم يكن مشتهراً  عن القرّاء وقتئذٍ أن يُجيزوا برواية واحدة ، وأعجب الشيخ أبوالحسن بهذه الفكرة  لما رأى فيها من تحفيز للمسلمين وخاصة الشباب ليُقبِلوا على كتاب الله تعالى .

واستشاروا بذلك الشيخ أحمد الحلواني رحمه الله شيخ القراء بالديارالشامية فوافقهم . وطُبعت الإجازة، وقام الشيخ أبو الحسن في نشرها حق القيام ، كان يجلس في مجلس الإقراء مايقارب سبع عشرة ساعة دون كلل أو ملل .

كل هذا مع محافظته على حياته الاجتماعية ؛ فيحضرأفراح الناس ويشاركهم أحزانهم ، ويواسي مريضهم ، ويبذل جهده في معونتهم ، ويصبرعلى جاهلهم .

* وكان للشيخ تجرِبة ناجحة في رعاية وتشجيع الحركة النسوية في حفظ القرآن الكريم في دمشق ، وقد أعطت ثمارها وبارك الله خطاها . ولا يخفى ما للمرأة من دور في التربية والمحافظة على الأسرة المسلمة التي إن صلحت صلح المجتمع كله فكان بالقدر الذي يهتم فيه بالإتقان التام ، يهتم جداً بصلاح المجتمع عن طريق صلاح النساء.

وقد كانت عبارة :( لولا المتشابهات لحفظت البنات ) شائعة في زمانه ، فجعلت الكثيرات يتكاسلن  عن حفظ القرآن الكريم ، كان يقول : " ما سمعت أيام شبابي بأن امرأة تحفظ  القرآن في بلدنا " . إلى أن جاء بعض الأخوات ، وطلبن أن يقرأن عليه ، ففرّغ لهنّ وقتاً كافياً واهتمّ بشأنهنّ كثيراً ، حتى قرأت عليه ثلّة منهنّ ختمة كاملة برواية حفص ، (ومنهن من جمعت القراءات العشر بعد ذلك) ، وبعد أن أجازهنّ ، قمن بإقراء النساء في المساجد ، ثم يأتين بتلميذاتهنّ - اللواتي آنسن منهن الإتقان وجودة الحفظ - إلى الشيخ فيختبرهنّ اختباراً دقيقاً ، فإذا وجد تلاوة إحداهن متقنة ، وتعليمها دقيقاً ، شهد على إجازتها . كل ذلك من وراء حجاب .

* وهو أول من أحيا سنة قراءة ختم كامل من القرآن الكريم في تراويح رمضان  في مساجد دمشق ، وكان البدء في جامع زيد بن ثابت الأنصاري ، وكان لا يقام ذلك في دمشق إلا في المسجد الأموي (مشهد الحسين) فلاقت هذه السّنة انتشاراً واسعاً بعد ذلك ، حتى شملت أغلب مساجد دمشق وأريافها بل ومحافظات سورية ولله الحمد .

 آخر أيام حياته ووفاته :

بلغ الوالد رحمه الله تعالى من العمر مئة عام وهو متمتّع بكامل ذاكرته وكل حواسه، ثمّ أصيب في الأشهر الستة الأخيرة من حياته بآلام شديدة ، في كل جسده ، ومع تلك الآلام كان على عادته ، صابراً محتسباً ، لا يكثر الشكوى ، ويكثر من قراءة الآيات والأذكارالنبوية في الشفاء ، ويردد ويقول : " يارب إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي "  ثمّ يؤكّد مستدركاً : ولكن عافيتك هي أوسع لي

وفي آخر أسبوع من حياته كان ينام ساعة ، ثم يصحو ويقرأ آية من القرآن ويكررها مرات عديدة ، ثم ينام نصف ساعة ، ثم يصحو ويقرأ آية أخرى وهكذا أسبوعاً كاملاً ، لا يأكل ولا يشرب ، ولا يتكلم إلا قراءة القرآن التي كانت حياته ، دخلت عليه صباح الخميس 15 شعبان 1430 بعد صلاة الفجر ، فسمعته يقرأ قول الله تعالى : " وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ۗ   " (105 الإسراء)  وبقي يكررها ويعيدها طيلة ذلك اليوم وعشيته .

وبعد عصر الجمعة  16 / شعبان / 1430هـ. الموافق 7 / آب / 2009 م .  

بدأت حالة النزع ، حتى فاضت روحه إلى بارئها مغرب ذلك اليوم .                  

وصلي عليه عقب صلاة العصر في اليوم التالي في المسجد الأموي الكبير بدمشق    وقد غصّ المسجد بالناس الذين جاؤوا للصلاة على شيخهم ومقرئهم من كل أنحاء دمشق وضواحيها وقراها ، ودفن في روضة العلماء في مقبرة الباب الصغير .

رحمه الله وأناله مبتغاه وجعل الفردوس مأواه .

* قالـــــــــــــوا في الشيخ أبي الحسن :

((كان يتمثل القرآن وكان يعيش بالقرآن دائما ، وكان يقرأ القرآن في ليله وفي نهاره، وما أحسب أن رجلاً في عصرنا هذا انتشر له من الطلاب ما انتشر للشيخ أبي الحسن ، فلا تكاد تجد في أي صقع من أصقاع الدنيا إلا وهناك رجل ينتسب إليه أو إلى طالب من طلابه  أو إلى طالب طالب من طلابه ، فهو رحمه الله تعالى أب لهذا الوقت الذي نعيشه في تعليم القرآن الكريم كنا نجلس إليه نستمع إلى قراءته الهادئة الجميلة اللطيفة التي تربطنا بقراءة السلف الصالح عليهم رضوان الله تعالى ، كان قانتاً عابداً زاهداً صابراً ، لا يعرف الكذب ، ولا يعرف أن يحتال على الدنيا أوعلى الناس من أجل مركز أو من أجل منصب أو من أجل أن يأخذ وظيفة أومن أجل أن يزور فلاناً ، كان مقصوراً في نفسه على محبة الله سبحانه وتعالى وعلى محبة رسوله عليه الصلاة والسلام)) .

                                                                                   (شيخ القراء )

((لا يردُّ الكيد عن هذه البلدة إلا الصالحون من عباد الله ، الذين توَّجوا علومهم بتاج التقوى وتاج الذكر وتاج الإخلاص ، والشيخ أبو الحسن واحد منهم . هذا الرجل الذي ما زرته يوماً من الأيام إلا ورأيت فمه يتحرك إن بكتاب الله أو بذكره سبحانه وتعالى ، حاولت أن أتذكر يوماً من الأيام أو ساعة من الساعات جلست إليه فيها تحدث عن شخص من الناس حديث سوء ، لا والله لا يحرك  - فيما أعلم أو فيما شهدت – لسانه بغيبةِ أي إنسانٍ كان ، فنحن بحاجة إلى هؤلاء ، بحاجة إلى العلماء التي اتصلت قلوبهم في الأرض برقابة الله في السماء كأمثال سيدنا الشيخ أبي الحسن رحمه الله تعالى )) .

(( العلامة الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله تعالى ))

 (( كان منذ شبابه معروف الوجه ذا لحية سوداء عليه مسحة من نور لا تفارقه أبداً، وكان الناظر إليه يتمنى أن لا يزيح نظره عنه ، فتطمئن نفسه إلى النظر إلى وجهه وإلى النور الذي فيه . وكان رحمه الله  دائب الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ، وكان الكثير لا يرون في سيدنا أبي الحسن إلا الدعة والهدوء ومحبة البقاء في الظل دائماً، ولكني سمعت عندما كنت صغيراً ، وجد في حيّنا وحول حيّنا ، ثلة من الناس يكرهون أن ينشط دين الله تبارك وتعالى ، وسمعت من والدي رحمه الله ، أن سيدنا أبا الحسن كان رجلاً شديداً جداً وشجاعاً جداً ، إذا ما وقف في وجه أمثال هؤلاء وكانوا يفرّون من وجهه في الطريق هنا وهناك حتى لا يواجه أحدهم سيدنا أبا الحسن لشدة ما يجد من بأسه وحماسه واندفاعه في خدمة دين الله عزوجل.))

((الشيخ أسامة عبد الكريم الرفاعي )).

* لقد حاز الخيرية من كل جوانبها ، وفاز بها من جميع أطرافها ، فإذا سمعنا قوله عليه الصلاة والسلام : (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه )) فهو كذلك .  وإذا سمعنا قوله عليه الصلاة والسلام : (( خير الناس من طال عمره وحسن عمله )) فهو كذلك وإذا سمعنا قوله عليه الصلاة والسلام : (( خيركم خيركم لأهله ))  فقد كان خير أب لأبنائه وخير أستاذ لطلابه وخير قدوة لأحبابه . وإذا سمعنا قوله عليه الصـلاة والســــلام : (( خيركم إسلاماً أحسنكم خلقا )) فقد كان شيخنا أبو الحسن - من الآداب والأخلاق الربانية الفاضلة والآداب القرآنية الرائعة - على درجة عالية عظيمة ، فقد اجتمع له من الزهد والتواضع والحياء والعفة والكرم والصبر والصدق والجلد ما يندر اجتماعه في شخص رجل واحد ، فهو قطعة من السلف الصالح ادخره الله لزماننا لكي يرينا كيف كان السلف الصالح يعيشون .

((الشيخ محمد نعيم العرقسوسي))

أعدّ هذه الترجمة المختصرة ، لمديرية أوقاف دمشق المكتب الإعلامي ، محمد نزار محيي الدين الكردي  ابن الشيخ المتَرجَم .

الأحد 1 / جمادى الأولى 1435هـ .

الموافق 2 / آذار 2014 م


Copyrights © awqaf-damas.com

المصدر:   http://www.awqaf-damas.com/?page=show_det&category_id=97&id=2149