الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2018-01-07 الساعة 11:31:06
يا غياث المستغيثين أغثنا(1)
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماء مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً

لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النَّحل:10-11].

وقال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشُّورى:28].

قال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك:30].

عنوان خطبة اليوم: يا غياث المستغيثين أغثنا

أيها الإخوة:

تأخر نزول الغيث ونحن نرى السماء تجتمع غيومها ثم لا تنزل مياهها، تتلاقى

السحب ثم تتفرق عن غير غيث، يا غياث المستغيثين أغثنا.

إن الماء سبب الحياة ويخبرنا التاريخ الماضي والحاضر عن أقوام نزحوا من مدنهم

ورحلوا عن حواضرهم؛ لأن عيونهم جفت وآبارهم شحت ومياههم غارت... اللهم

يا غياث المستغيثين أغثنا.

خطب الخليفة الوليد بن عبد الملك بأهل الشام يوما فقال: (يا أهل دمشق تفخرون

على الناس بأربع خصال، تفخرون بمائكم وهوائكم وفاكهتكم وحماماتكم فأحببت أن

 يكون مسجدكم الخامسة) فبنى المسجد الأموي آية معمارية... اللهم يا غياث المستغيثين أغثنا.

حدث ياقوت الحموي في معجم البلدان فقال: (من خصائص دمشق التي لم أر في بلد آخر مثلها كثرة الأنهار، وجريان الماء في قنواتها، قلّ أن تمر بحائط إلا والماء يخرج

من أنبوب إلى حوض يُشرب منه ويستقي الوارد والصادر، ولا رأيت بها مسجداً ولا مدرسة ولا خانقاهاً إلا والماء يجري في بركة في صحن هذا المكان ويسح في ميضأة،

 ... كان الماء محكماً عليها من جميع نواحيها).

... اللهم يا غياث المستغيثين أغثنا.

وزار ابن جبير الأندلسي دمشق عام 580 ه فقال عنها كما في كتاب رحلة ابن جبير:

(دمشق جنة المشرق، ومطلع حسنه المُؤنق المُشرق، وهي خاتمة بلاد الإسلام التي استقريناها، وعروس المدن التي اجتليناها، قد تحلت بأزاهير الرياحين، وتجلت في

حلل سندسية من البساتين، وحلت من موضوع الحسن بالمكان المكين، وتزينت في منصتها أجمل تزيين، وتشرفت بأن آوى الله تعالى المسيح وأمه منها إلى ربوة ذات

قرار ومعين... ظل ظليل، وماء سلسبيل، تنساب مذانبه انسياب الأراقم بكل سبيل، ورياض يحيي النفوس نسيمها العليل،... قد سئمت أرضها كثرة الماء حتى اشتاقت

إلى الظماء، فتكاد تناديك بها الصم الصلاب: اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب؛

قد أحدقت البساتين بها إحداق الهالة بالقمر، واكتنفتها اكتناف الكمامة للزهر،

 وامتدت بشرقيها غوطتها الخضراء امتداد البصر،... ولله صدق القائلين عنها: إن

كانت الجنة في الأرض فدمشق لا شك فيها، وإن كانت في السماء فهي بحيث

تسامتها وتحاذيها).

... اللهم يا غياث المستغيثين أغثنا.

 ونقلوا عن ابن عساكر متحدثاً عن فروع نهر بردى السبعة في دمشق وغوطتها:

(برع الدمشقيون بتوزيع مياه تلك الفروع إلى الدور والقصور والمساجد والحمامات والمرافق العامة الأخرى، في قنوات ومسارب عديدة، فقد كان في دمشق قني لها

أوقاف معينة وهي عند متولي الأوقاف معلومات مبينة، حتى إنه كان في دمشق وظاهرها ما يزيد على مائة وأربعين قناة، وهذا ما جعل دمشق جنة الأرض بلا خلاف لكثرة مياهها).

وأضاف: (فهذه الأنهار التي ينتفع بها الداني والقاصي،... من المرافق الهنية، والمواهب الجزيلة السنية، والفضيلة العظيمة التي عدت من فضائل هذه المدينة إذ

الماء في أكثر البلاد لا ينال إلا بالثمن وهو الذي تحصل به حياة النفوس بإزالة الدرن).

... اللهم يا غياث المستغيثين أغثنا.

كتب الأمير المصري محمَّد عَلي بن محمد توفيق المتوفى: 1955م في كتابه الرحلة الشامية الذي ألفه قبل سبعين سنة تقريباً يقول:

(...توجّهنا تحوطنا رعاية الله إلى الصالحية وكان الوقت عصراً فسرنا في طريق

كان من أجمل الطرق وأحسن المنتزهات في تلك البقاع حيث لا يلتفت فيه الإنسان

عن ذات يمينه أو عن ذات يساره حتّى يرى الأرض من الجانبين خضراء زاهية بالبساتين والمزارع التي يميل إليها الطبع ويفرح منها القلب، ولا يزال المسافر في

ذلك الطريق يمرّ بين مناظر طبيعية تختلف في الحسن وتتفاوت في الجمال وينتقل

من منظر شهي إلى أشهى ومن شكل بهيّ إلى أبهى، ولا يودّع فيه نهرا حتّى يستقبل بعده نهراً وهكذا إلى أن يصير في الصالحية. وهي قائمة على هضبة جهة الغرب من المدينة،... ويمرّ منها نهر يزيد وفيها من الأشياء المشهورة جامع الصوفي الشهير

محيي الدين ابن العربي، وقبر عبد القادر الجزائري.. وقد سرّني جدّاً منظر هذه

القرية الّتي جمعت على طيب المناخ ونضارة البقعة واعتدال الجو من ضروب الحسن والبهاء ما لا يمكن الإعراب عن نعته بأكثر من أنّه جنّة عالية تجري من تحتها

الأنهار، كما قال بعض الشعراء:

الصالِحيّة جنّةٌ ... وَالصّالِحونَ بِها أَقاموا

وهذا قليل في وصف بلد مثل هذه. وإنك تكاد تطير فرحاً وسروراً عندما تشرف

منها على دمشق وما يتخلّلها من الماء والخضرة ويحيط بها من البساتين النضرة، فترى من هذه المجموعة البديعة منظراً يخدع النفس حسنه ويسترقّ الفؤاد جماله،...

ثمّ إنّه لم يكن وراء الصالحية من الجهة الغربية إلا جبل قسيون، وأمّا من ناحية

الشرق فلست أجدني مبالغاً إذا قلت إن الطبيعة لم تتجلّ للعيون فتملؤها حسناً و

لا للقلوب فتهبها طرباً إلا في تلك البقعة عندما يشرف الإنسان منها على المدينة

وما يحيط بها فيرى من الحسن والإبداع وجمال التكوين والاختراع ما لم يعثر النظر على مثله ولم تنسج الطبيعة على منواله.

وكم كنت آسفا من أنّي لست بالشاعر الخيالي ولا بالرسام الماهر حتّى كان يمكنني

أن أصوّر للقارئ كيف كان يفعل بالعقول ذلك المنظر الساحر، حينما كنت أشرف

تارة على ناحية الشرق فأرى السفح مفروشاً من النبات البهي بمثل البساط

السندسي، وأرسل النظر تارة أخرى إلى الجنوب فأشاهد مآذن دمشق الشاهقة بين مبانيها ومعالمها الفائقة، وقد أحاط بها سياج من الحدائق الفيحاء إحاطة النطاق

بخصر المشبوبة الهيفاء، فما أدرى وقتئذٍ إذا كنت أردّد البصر بين نضارة المزارع وجمال المدينة أم كنت أغازل عروساً بديعة الحسن في ثياب البهاء وشعار الزينة.

ولكن ماذا كان يفيدني أن أكون أبلغ المتكلّمين فأصف ما كوّنته يد القدرة في هذا

المقام الكريم بأفصح مقال وأوضح تبيين، أو أكون أحذق المصوّرين فيتحرك قلمي

في رسم ذلك المنظر الفخيم بأبدع نقش وأبهر تلوين وأنه شتّان بين ما يقع في القلب من روعة المشاهدة والعيان وبين ما يصل إلى السمع من حديث التعريف والبيان.

يا اِبنَ الكِرامِ أَلا تَدنو فَتُبصر ما     قَد حدّثوك فَما راءٍ كَمن سَمِعا

... اللهم يا غياث المستغيثين أغثنا.

كتب الدكتور جوزيف زيتون في مدونته على الشابكة:

تعتبر سبل المياه في دمشق واحدة من أهم المعالم التاريخية والحضارية التي

سمحت لسكان دمشق وعابريها على مر الزمن التزود بالماء، وإن كان الدمشقيون

قد برعوا منذ القدم بإيصال المياه إلى الحمامات والقصور والدور والمساجد و

الكنائس وغيرها من المرافق الخاصة والعامة فليس ذلك إلا دليلاً على تطور تقني معرفي في استثمار هذه السبل المائية واستخدامها في الأغراض المختلفة، وهذا ما

جعل دمشق واحدة من أجمل الحواضر العربية والعالمية، وأقدم عاصمة ومدينة

مأهولة، وأكثرها رقياً، وجعل شعبها من أكثر شعوب الأرض نظافة، ونظرة واحدة

إلى الحمامات العامة الموجودة في دمشق القديمة وحدها دليل على حب النظافة عند الدمشقيين.

... اللهم يا غياث المستغيثين أغثنا.

 

 

 

أيها الإخوة:

أهمُّ سبب نستمطرُ به غيثَ السَّماء، ويجنِّبُنا الله تعالى به القحطَ والجفافَ والتَّصحُّرَ والغلاءَ والوباءَ وزيادة الفقر وتفشي الجرائم: التَّوبةُ وردُّ المظالم إلى أهلها.

فإن الإصرار على الذنب من دون توبة وإن الاعتداء على دماء الناس وأموالهم وأعراضهم من أهم أسباب القحط.

قال الشَّعبي: (خرجَ عمرُ يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتَّى رجع، فأُمطروا!،

فقالوا: ما رأيناك استسقيتَ! فقال: لقد طلبتُ المطرَ بمفاتيح أبواب السَّماء التي

يُتَنَزَّلُ بها المطرُ، ثمَّ قرأ: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ

عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10-12].

دعا سيِّدنا العباس رضي الله عنه في الاستسقاء فقال: (اللَّهم إنَّه لا يَنزِل بلاءٌ إلَّا

بذنبٍ، ولا يُكشَف إلَّا بتوبةٍ، وقد توجَّه القوم بي إليك لمكاني من نبيِّك صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذه أيدينا إليك بالذُّنوب، ونواصينا إليك بالتَّوبة فاسقنا الغيث.

اللَّهم لا نرغب إلَّا إليك وحدك لا شريك لك, اللَّهم إنَّا نشكو إليك سَغَبَ كلِّ ساغبٍ، و

 غُرْمَ كلِّ غَارِمٍ، وجُوع كلِّ جائعٍ، وعُرِي كلِّ عَارٍ، وخوفَ كلِّ خائفٍ) [أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق].

قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ لَزِمَ الاِسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ» [رواه أبو داود وابن ماجه].

 

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1329
تحميل ملفات
فيديو مصور