الخميس 09 شوال 1445 - 18 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2017-08-27 الساعة 10:14:04
أعمال تعدل الحج في الجزاء لا الإجزاء
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

 

قال الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحجّ:27].

وقال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:97].

أخرج البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «منْ حجَّ لله، فلم

يَرْفُثْ، ولم يَفْسُقْ، رجع كيومِ وَلَدَتْهُ أمُّه» أي من دون ذنب. وفي رواية: «غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ».

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللهِ إِنْ سَأَلُوا أُعْطُوا، وَإِنْ دَعَوْا أُجِيبُوا، وَإِنْ أَنْفَقُوا أُخْلِفَ لَهُمْ ».

عنوان خطبة اليوم: أعمال تعدل الحج في الجزاء لا الإجزاء.

أيها الإخوة:

الحجُّ فريضةٌ مُحكَمَةٌ ثابتَةٌ بالقرآن والسُّنة والإجماع، وجمهور العلماء قالوا: يجب

الحجُّ على الفور لمن مَلَك الاستطاعة من مالٍ وصحةٍ وإذنٍ في السَّفر، وذكروا أنَّ

من تحقَّق فرض الحجِّ عليه في عامٍ فأخَّرَهُ أَثِمَ، واستدلوا بحديث: «مَنْ مَلَكَ زاداً و

راحلة تُبَلّغُهُ إلى بيت اللَّه الحرام ولم يَحُجَّ، فلا عليه أن يموت يَهُودياً أو نصرانياً،

وذلك أنَّ الله تعالى يقول: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاس حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97]» [الترمذي].

وقال الإمام الشَّافعي: إنَّ الحجَّ واجبٌ على التَّراخي، فلا يأثم المستطيع بتأخيره، لكن التَّأخير جائز بشرط العزم على الحجِّ في المستقبل، فلو خشيَ العجزَ، أو هلاكَ المال،

حرُمَ التَّأخير.

وقد هيأ الله لأقوام منا الحج، غير أن آخرين يتمنونه فلا يجدونه، تحن أرواحهم إليه

وتطير أفئدتهم نحوه، فأحببت أن أجمع لكم من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمالا تعدل الحج في الثواب والجزاء وإن كانت لا تسقط فرضية الحج عمن لم يحج، لنجتهد في هذه الأعمال، خصوصا ونحن في أيام العشر المبارك عشر ذي الحجة التي أقسم الله بلياليها في كتابه وقال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه

الترمذي وأبو داود: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ»

يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ».

وإليكم هذه الأعمال:

1.  حضور مجلس علم في المسجد:

فقد روى الطبراني في الكبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ غَدَا

إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُرِيدُ إِلا أَنْ يَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ تَامٍّ حِجَّتُهُ».

 

2.  صلاة الفريضة في المسجد:

ففي سنن أبي داود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا

إِلَى صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لاَ يَنْصِبُهُ

إِلاَّ إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ» لا ينصبه: لا يقيمه.

 

3.  صلاة الفجر جماعة وذكر الله بعدها إلى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين:

فقد أخرج الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « مَنْ صَلَّى الفجر في جماعة، ثم قَعَدَ يذكرُ الله، حتى تطلُع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة، تامةٍ تامةٍ تامة »، وفي رواية الطبراني: «من صلى الصبح ثم جلس في

مجلسه حتى تُمْكِنَهُ الصلاةُ كان بمنزلة عمرة وحجة متقبلتين».

 

4.  الأذكار عقب الصلوات المفروضات:

  أخرج البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء الفقراء إلى رسول

الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلا، والنعيم المقيم! يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجون بها، ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدقون، قال: «ألا أحدثكم بما إن أخذتم به أدركتم من

سبقكم ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله؟! تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين» ".

 

5.  بر الوالدين:

أخرج الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه قال: أتى رجل إلى النبي صلى

الله عليه وسلم فقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه فقال: «هل بقى من والديك

أ حد»؟ قال: أمي، فقال: «قابل الله في برها، فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد»

.

6.  قضاء حوائج الناس:

في شعب الإيمان للبيهقي عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، قَالَ: خَرَجَ الْحَسَنُ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ،

فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، اذْهَبْ مَعِي فِي حَاجَةٍ إِلَى فُلَانٍ، فَتَرَكَ الطَّوَافَ

وَذَهَبَ مَعَهُ، فَلَمَّا ذَهَبَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، تَرَكْتَ الطَّوَافَ وَذَهَبَتَ مَعَهُ؟

قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: وَكَيْفَ لَا أَذْهَبُ مَعَهُ؟ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

«مَنْ ذَهَبَ فِي حَاجَةٍ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَقُضِيَتْ حَاجَتُهُ كُتِبَتْ له حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ، وَإِنْ لَمْ

يُقْضَ كُتِبَتْ لَهُ عُمْرَةٌ» فَقَدِ اكْتَسَبْتُ حِجَّةً وَعُمْرَةً وَرَجَعْتُ إِلَى طَوَافِي.

 

7.  التبكير لصلاة الجمعة:

فقد أخرج البيهقي في شعب الإيمان بسند ضعيف عن سهل بن سعد قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم: «إن لكم في كل جمعة حجة وعمرة فالحجة التهجير للجمعة والعمرة انتظار العصر بعد الجمعة».

 

 

 

8.  رعاية الزوجة زوجَها وطلبُها مرضاتِه:

روى ابن منده والبيهقي وابن عساكر وغيرهم. عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّةِ، أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنِّي وَافِدَةُ النِّسَاءِ إِلَيْكَ، وَاعْلَمْ - نَفْسِي لَكَ الْفِدَاءُ - أَمَا إِنَّهُ مَا مِنِ امْرَأَةٍ كَائِنَةٍ فِي شَرْقٍ وَلَا غَرْبٍ سَمِعَتْ بِمَخْرَجِي هَذَا أَوْ لَمْ تَسْمَعْ إِلَّا وَهِيَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِي، إِنَّ اللهَ بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِلَى

الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَآمَنَّا بِكَ وَبِإِلَهِكَ الَّذِي أَرْسَلَكَ، وَإِنَّا مَعْشَرَ النِّسَاءِ مَحْصُورَاتٌ مَقْصُورَاتٌ، قَوَاعِدُ بُيُوتِكُمْ، وَمَقْضَى شَهَوَاتِكُمْ، وَحَامِلَاتُ أَوْلَادِكُمْ، وَإِنَّكُمْ مَعَاشِرَ الرِّجَالِ فُضِّلْتُمْ عَلَيْنَا بِالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى، وَشُهُودِ الْجَنَائِزِ، وَالْحَجِّ بَعْدَ الْحَجِّ، وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا أُخْرِجَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا وَ

مُرَابِطًا حَفِظْنَا لَكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَغَزَلْنَا لَكُمْ أَثْوَابًا، وَرَبَّيْنَا لَكُمْ أَوْلَادَكُمْ، فَمَا نُشَارِكُكُمْ فِي

الْأَجْرِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ بِوَجْهِهِ كُلِّهِ،

ثُمَّ قَالَ: «هَلْ سَمِعْتُمْ مَقَالَةَ امْرَأَةٍ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ مَسْأَلَتِهَا فِي أَمْرِ دِينِهَا مِنْ هَذِهِ؟»

فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا ظَنَنَّا أَنَّ امْرَأَةً تَهْتَدِي إِلَى مِثْلِ هَذَا!

فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: «انْصَرِفِي أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ، وَأَعْلِمِي

مَنْ خَلْفَكِ مِنَ النِّسَاءِ أَنَّ حُسْنَ تَبَعُّلِ إِحْدَاكُنَّ لِزَوْجِهَا، وَطَلَبَهَا مَرْضَاتِهِ، وَاتِّبَاعَهَا مُوَافَقَتَهُ تَعْدِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ»

قَالَ: فَأَدْبَرَتِ الْمَرْأَةُ وَهِيَ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ اسْتِبْشَارًا.

 

9.  مساعدة الناس على الحج أو رعاية أهلهم في غيبتهم:

 أخرج النسائي في الكبرى عن زيد بن خالد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جهز غازيا أو حاجا أو خلفه في أهله أو فطَّر صائما كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجورهم شيء»

أيها الإخوة:

هذه تسعة أعمال تعدل الحج في الجزاء لا الإجزاء، فتعالوا نُري الله من أنفسنا خيراً

في هذه الأيام فنعمل بتسعتها أو بثمانية منها أو بسبعة أو بأقل من هذا أو أكثر،

وقد عقدنا في المسجد مجلسَ ذكر وقرآن ودعاء كل يوم من أيام العشر من بعد صلاة العصر وحتى السابعة، ومجلس صلاة التهجد من الثالثة والنصف سحرا وحتى أذان

الفجر مع تناول طعام السحور لنصبح في كل يوم صائمين بإذن الله، فمن لم يستطع الصوم الأيام التسعة فلا يفوته يوم عرفة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«صيامُ يوم عرفة؛ أحتسب على الله أن يُكفِّر السَّنةَ التي قبله، والسَّنة التي بعده» [مسلم].

كل ذلك، مع محافظتنا على مجلسي السبت والاثنين من بعد المغرب إلى العشاء و

صلاة قيام الليل.

 صيام النهار، وقيام الليل، وكثرة الصدقات ، والانشغال بذِكْرِ الله تعالى ، وقضاء

حاجات الخَلْقِ تقرُّباً إلى الله، وبرُّ الوالدين، وصلة الأرحام، لعلَّ الله يشملنا بما يَعم به حجاج بيته الحرام من النفحات والعطايا والبركات.

اللهم أوصل حجَّاج بيتك الحرام إلى المشاعر سالمين غانمين، وردهم إلى أهليهم

مأجورين مبرورين، وأشركنا معهم في الأجر يا أكرم الأكرمين. وعجل للمسلمين

بالفرج واجعله محفوفا بألطافك

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1940
تحميل ملفات
فيديو مصور