الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2017-05-17 الساعة 10:36:10
مهنة التجارة -3-
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال
 

 

قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ   وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ

الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ*} [التوبة: 105].

وقال سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:94].

أخرج البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» [البخاري].

وأخرج البخاري ومسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن يُرِد الله به خيراً يفقِّهه في الدِّين».

هذه هي الخطبة الثالثة عشرة في سلسلة (مهنتي: فقهها وآدابها)

 ونتابع اليوم الحديث عن مهنة التجارة -3-

أيها الإخوة:

 ورثنا عن صالحي تجَّارنا قولَهم: التَّاجر اسم مكون من أربعة حروف: فالتاء تقوى،

 والألف أمانة، والجيم جرأة، والراء رحمة. تقوى وأمانة وجرأة ورحمة، (وكان التجار

 في القديم إذا سافروا استصحبوا معهم فقيهاً يرجعون إليه). على ما قال الفقيه الحنفي

ابن نجيم (ت 970ه). ولا زال كثير من تجارنا إلى اليوم يعتمدون فقيهاً يرجعون إليه في الجديد من مسائلهم التجارية. روي عن سيدنا علي رضي الله عنه قال: تعرضوا للتجارات فإن لكم فيها غنى عما في أيدي الناس وإن الله عز وجل يحب المحترف الأمين.

عن عقبة بن عامر الجهني وأبي مسعود الأنصاري رضي الله عنهما قال رسول الله

 صلى الله عليه وسلم: أتى اللهُ عز وجل بعبدٍ من عِبَادِهِ آتاه الله مالاً، فقال له: ماذا

عملتَ في الدنيا؟ قال: {ولا يكتمون الله حديثًا} قال: يا رب، آتَيْتَني مالاً، فكُنتُ أبايعُ

 النَّاسَ، وكان من خُلُقي الجوَازُ، فكنْتُ أتَيَسَّرُ على الموسِر، وأُنْظِرُ المُعْسِرَ، فقال الله

عز وجل: أنا أحَقُّ به منك، تَجاوَزُوا عن عَبْدي. [البخاري].

فليعلم تاجرنا أنه يزداد قرباً إلى الله تعالى في تجارته ما نوى الخير والتزم أحكام الشريعة فيها.

سبقت في الخطبتين الماضيتين الإجابةُ على عدد من الأسئلة الفقهية المتعلقة بمهنة التجارة، وفي خطبة اليوم أسئلة جديدة:

-  السؤال الأول: هل يجوز لي أن أبيع البضاعة بأقلَ من سعر السوق؟ هل وضعت الشريعة حداً أدنى وأعلى للربح؟

الجواب: جرت العادة أن يبيع التجار وفق السعر الذي يحدده العرض والطلب في

  السوق، فإذا شاء أحدهم أن يخفض السعر مع الحفاظ على مستوى الجودة فلا يخلو من أحد ثلاثة أحوال:

الحالة الأولى: أن يقصد من وراء البيع بأقلَ من سعر السوق الإضرارَ بالتجار، وهذا منهي عنه؛ لأنه يسبب فساداً وضرراً بأهل السوق.

روى الإمام مالك في الموطأ بسنده أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبي بلتعة، وهو يبيع زبيباً له بالسوق فقال له عمر بن الخطاب:(إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقنا).

الحالة الثانية: أن يقصد من البيع بأقلَ من سعر السوق الرفقَ بالعامة، وهذا قصد

حسن يُكافأ عليه التاجر ويشد على يده وينال بذلك الأجر من الله عز وجل.

الحالة الثالثة: أن يقصد من البيع بأقل من سعر السوق جذبَ الزبائن وتنفيق السلعة، وهذا مباح إن انتفت الموانع الأخرى كالإضرار بالتجار ونحوه وإن لم يقصده.

والحاصل أن الأمر منوط بالقصد، فمن رخص لغرض ديني أو تجاري فلا حرج

شريطة عدم الإضرار بالغير.

أما في مسألة وضع الشريعة حداً أدنى أو أعلى للربح، فالمتتبع للقرآن والسنة لا

يجد نصاً يذكر حدًّا معينًا للربح، أو نسبة معلومة، بل تُرك ذلك لمصالح الناس وأعرافهم، مع مراعاة قواعد العدل والإحسان، ومنع الضرر.

بل يروي سيدنا أنس رضي الله عنه أنَّ الناس قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

يا رسول الله: غَلا السِّعْرُ، فَسَعِّرْ لنا، فقال: «إنَّ الله هو المُسَعِّرُ، القابضُ، الباسط،

الرازق، وإني لأرجو أن ألقى اللهَ وليس أحدٌ منكم يُطَالبني بِمَظْلَمَةٍ في دَمٍ ولا مَالٍ» [الترمذي وأبو داود]. 

وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي عام 1988 بخصوص تحديد أرباح التجار ما يأتي:

أولا: الأصل الذي تقرره النصوص والقواعد الشرعية ترك الناس أحراراً في بيعهم وشرائهم وتصرفهم في ممتلكاتهم وأموالهم في إطار أحكام الشريعة الإسلامية الغراء

وضوابطها عملًا بمطلق قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ

بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29، 30].

ثانيًا: ليس هناك تحديد لنسبة معينة للربح يتقيد بها التجار في معاملاتهم، بل ذلك متروك لظروف التجارة عامة وظروف التجار والسلع، مع مراعاة ما تقضي به الآداب الشرعية من الرفق والقناعة والسماحة والتيسير.

ثالثًا: تضافرت نصوص الشريعة الإسلامية على وجوب سلامة التعامل من أسباب الحرام وملابساته كالغش، والخديعة، والتدليس، والاستغفال، وتزييف حقيقة الربح، والاحتكار الذي يعود بالضرر على العامة والخاصة.

رابعًا: لا يتدخل ولي الأمر بالتسعير إلا حيث يجد خللًا واضحًا في السوق والأسعار

ناشئًا من عوامل مصطنعة، فإن لولي الأمر حينئذٍ التدخل بالوسائل العادلة الممكنة التي تقضي على تلك العوامل وأسباب الخلل والغلاء والغبن الفاحش. والله أعلم.

-     السؤال الثاني: هل يجوز زيادة ثمن السلعة مقابل بيعها بالتقسيط؟

الجواب: لا حرج شرعاً في بيع التقسيط، والزيادة التي في السلعة إنما هي مقابل

التأجيل وهي زيادة مشروعة لا ممنوعة؛ لأن الزيادة الممنوعة إنما هي الزيادة في

الدين الناشئ عن قرض، أما الزيادة في الدين الناشئ عن بيع كما في التقسيط فلا حرج فيها، إذا كانت وقت العقد لا لاحقة له بسبب التأخير، وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي عام 1990 بشأن البيع بالتقسيط:

أولاً: تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال، كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقداً

، وثمنه بالأقساط لمدد معلومة، ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل

. فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن واحد محدد، فهو غير جائز شرعاً.

ثانياً: لا يجوز شرعاً، في بيع الأجل، التنصيص في العقد على فوائد التقسيط،

  مفصولة عن الثمن الحال، بحيث ترتبط بالأجل.

ثالثاً: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه

أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم.

رابعاً: يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك

 لا يجوز شرعاً اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء.

خامساً: يجوز شرعاً أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها، عند تأخر

 المدين عن أداء بعضها، ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد.

سادساً: لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز له أن يشترط

 على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة. والله أعلم

-     السؤال الثالث: بعت بيتاً وقبضت عربوناً، ثم جاء الزبون يريد إلغاء البيع، فهل يحق لي شرعاً أخذ مال العربون؟

الجواب: جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي عام 1993 بشأن بيع العربون الآتي:

1- المراد ببيع العربون بيع السلعة مع دفع المشتري مبلغاً من المال إلى البائع على

أنه إن أخذ السلعة احتسب المبلغ من الثمن وإن تركها فالمبلغ للبائع.

ويجري مجرى البيعِ الإجارةُ؛ لأنها بيع المنافع. ويستثنى من البيوع كل ما يشترط لصحته قبض أحد البدلين في مجلس العقد (السلم) أو قبض البدلين (مبادلة الأموال الربوية والصرف).

2-يجوز بيع العربون إذا قيدت فترة الانتظار بزمن محدود. ويحتسب العربون جزءاً

من الثمن إذا تم الشراء، ويكون من حق البائع إذا عدل المشتري عن الشراء.

وبناء عليه نقول لمن باع بيتاً وقبض عربوناً، ثم جاء الزبون يريد إلغاء البيع؛ يحق

له شرعاً أخذ مال العربون ما دام تضرر من نكول الزبون، ولكن إن لم يلحقك ضرر

من نكوله بأن جاءك زبون مثله أو خير منه فالأسلم أن ترد للأول عربونه ما دام الله عوضك خيراً. والله أعلم.

 

 

 

-     السؤال الرابع: ما الحكم الشرعي للتأمين ضد السرقة أو الحريق والتأمين على الحياة؟

الجواب: مهما كان نوع التأمين سواء كان ضد الحريق أو السرقة أو الحوادث أو على النفس أو البضائع أو الممتلكات، على الحياة أو على غيرها؛ فإنه جائز إن كان في شركات تأمين تكافلية تعاونية. ومحرم إن كان في شركات تأمين ربوية تجارية.

هذا وتعتبر التأمينات الاجتماعية ضد العجز والشيخوخة والمرض والتقاعد نوع من أنواع التأمين التكافلي التعاوني فهي جائزة.

ومن أُلزم بتأمين ربوي أبيح له الاشتراك فيه لأنها؛ حالة ضرورة مشروعة، إلا إذا كان يستطيع التهربَ منها.

ويأخذ المرء من شركة التأمين الإلزامي التعويض إن لحق به الضرر المؤمَّن عليه، ولكن لا يجوز له الانتفاع إلا بقدر الأقساط التي دفعها لشركة التأمين فقط؛ ويتصدق بالباقي في وجه من وجوه الخير العامة. لأن ما أُخِذَ من الإنسان ظلماً يجوز له استرداده، متى وجد إلى ذلك سبيلاً، ولا يزيد على ما هو حق له. والله أعلم 

أيها الإخوة:

هذه بعض الإجابات على مسائلكم الفقهية المتعلقة بمهنة التجارة وللموضوع تتمة إن شاء الله، واذكروا أن المطلب الرئيس من كل من يستمع لهذه الخطب أن يُحَكِّم شرعَ الله في مهنته، لئن فعلتَ فأنت تتعبد الله تعالى في مكان عملك تماماً كما تتعبد الله تعالى في مسجدك، وإن لم تفعل فحاول أن تفعل، وابدأ الآن.

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1407
تحميل ملفات
فيديو مصور