الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2017-04-18 الساعة 10:51:35
مهنة الطب -2-
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

  

قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ   وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ*} [التوبة: 105].

وقال سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء:94].

أخرج البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ

أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ».

وأخرج البخاري ومسلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن يُرِد الله به خيراً يفقِّهه في الدِّين».

هذه هي الخطبة التاسعة في سلسلة (مهنتي: فقهها وآدابها)

ونتابع اليوم الحديث عن: مهنة الطب -2-

"أبتي الحبيب:

تسألني إن كنتُ بحاجة إلى نقود، فأخبرك بأني عندما أخرج من المشفى سأحصل على لباس جديد وخمسِ قطع ذهبية، حتى لا أضطر إلى العمل حال خروجي مباشرة، فلستَ بحاجة إذن إلى أن تبيع بعض ماشيتك، ولكن عليك بالإسراع في المجيء إذا أردت أن تلقاني هنا.

إني الآن في قسم معالجة تشوهات المفاصل والعظام، عندما تدخل من البوابة الكبيرة تعبر القاعة الخارجية الجنوبية وهي مركز الإسعافات الأولية العامة حيث أخذوني بعد سقوطي، وحيث يذهب كل مريض أولَ ما يذهب لكي يعاينه الأطباء المساعدون وطلابُ الطب، ومن لا يحتاج منهم إلى معالجة دائمة في المستشفى تعطى له وصفته فيحصل بموجبها على الدواء من صيدلية الدار.

وأما أنا فقد سجلوا اسمي هناك بعد المعاينة وعرضوني على رئيس الأطباء، ثم

حملني ممرض إلى قسم الرجال، فمنحني حماماً ساخناً وألبسني ثياباً نظيفة من المستشفى.

واليوم صباحاً، جاء كالعادة رئيس الأطباء مع رهط كبير من معاونيه، ولما فحصني أملى على طبيب القسم شيئاً لم أفهمه، وبعد ذهابه أوضح لي الطبيب أنه بإمكاني

النهوض صباحاً وبوسعي الخروج قريباً من المشفى صحيح الجسم معافى.

إني والله لكاره هذا الأمر، فكل شيء هنا جميل للغاية ونظيف جداً: الأَسِرَّة وثيرة

وأغطيتها بغاية النعومة والبياض كالحرير، وفي كل غرفة من غرف المشفى تجد الماء

جارياً فيها على أشهى ما يكون، وفي الليالي القارسة تُدفأ كلُ الغرف وأما الطعام فحدّث عنه ولا حرج، فهناك الدجاج أو لحم الماشية يُقدم يومياً لكل من بوسعه أن يهضمه.

إن لي جاراً ادّعى المرض الشديد أسبوعا كاملاً أكثر مما كان عليه حقيقةً، رغبةً منه

في التمتع بشرائح لحم الدجاج اللذيذ بضعة أيام أخرى، ولكن رئيس الأطباء شك في الأمر وأرسله بالأمس إلى بيته بعد أن اتضح له صحةُ المريض الجيدة بدليل تمكنه من التهام دجاجة كاملة وقطعة كبيرة من الخبز وحده.

لذلك تعال يا أبتي وأسرع بالمجيء قبل أن تحمّر دجاجتي الأخيرة........"

أيها الإخوة:

هذه رسالة أرسلها مريض في مشفى إسلامي إلى أبيه قبل ألف سنة، عَثَرَت عليها

 المستشرقة الألمانية زيغرد هونكه وأودعتها في كتابها شمس العرب تسطع على

الغرب. في الفصل الذي تحدثت فيه عن المشافي والأطباء في البلاد الإسلامية، و

عنونت للفصل بقولها: (مستشفيات مثالية وأطباء لم يرَ العالم لهم مثيلا).

 فليعلم الطبيب اليوم أنه في مهنته امتداد لحضارة إسلامية عريقة وأنه يزداد قرباً

 إلى الله تعالى ببر خلقه وإيصال النفع لهم، ما التزم أحكام الشريعة في عيادته ومشفاه.

سبقت في الخطبة الماضية الإجابةُ على عدد من الأسئلة الفقهية المتعلقة بمهنة

 الطب، وفي خطبة اليوم أسئلة جديدة:

السؤال الأول: متى يتوجب على الطبيب التعويض للمريض عن الضرر الذي ألحقه

  به نتيجة معالجته؟

الجواب: هذه المسألة تسمى في الفقه والقانون ضمان الطبيب، وقد جاء في

 قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي

 عام 2004م، بشأن ضمان الطبيب القرار الآتي:

1.   ...على الطبيب أن يستشعر مراقبة الله تعالى في أداء عمله، وأن يؤدي

    واجبه بإخلاص حسب الأصول الفنية والعلمية.

2.   يكون الطبيب ضامناً إذا ترتب ضرر بالمريض في الحالات الآتية:

  أ‌- إذا تعمد إحداث الضرر.

ب‌- إذا كان جاهلاً بالطب، أو بالفرع الذي أقدم على العمل الطبي فيه.

ج- إذا كان غير مأذون له من قبل الجهة الرسمية المختصة.

د- إذا أقدم على العمل دون إذن المريض أو مَن يقوم مقامه.

ه- إذا غرر بالمريض.

و- إذا ارتكب خطأ لا يقع فيه أمثاله ولا تقره أصول المهنة، أو وقع منه إهمال

   أو تقصير.

ز- إذا أفشى سر المريض بدون مقتضى معتبر.

ح- إذا امتنع عن أداء الواجب الطبي في الحالات الإسعافية (حالات الضرورة).

3.   إذا قام بالعمل الطبي الواحد فريق طبي متكامل، فيُسأل كل واحد منهم عن خطئه.

.. ويكون رئيس الفريق مسؤولاً مسؤولية تضامنية عن فعل معاونيه إذا أخطأ

 في توجيههم أو قصر في الرقابة عليهم.

5.   تكون المؤسسة الصحية (عامة أو خاصة) مسؤولة عن الأضرار إذا قصّرت

  في التزاماتها، أو صدرت عنها تعليمات ترتب عليها ضرر بالمرضى دون مسوغ.

السؤال الثاني: متى يجوز أن آذن للمريض بالفطر في نهار رمضان؟

الجواب: من الأعذار المبيحة للفطر المرض؛ وقد جاء في كتاب الفقه على

 المذاهب الأربعة لعبد الرحمن الجزيري فيما يتعلق بالمرض المبيح للفطر ما نصه:

 (إذا مرض الصائم، وخاف زيادة المرض بالصوم، أو خاف تأخر البرء من المرض،

 أو حصلت له مشقة شديدة بالصوم، فإنه يجوز له الفطر، باتفاق ثلاثة، وقال الحنابلة: بل يسن له الفطر ويكره له الصوم في هذه الأحوال، أما إذا غلب على ظنه الهلاك

  أو الضرر الشديد بسبب الصوم، كما إذا خاف تعطيل حاسة من حواسه، فإنه

  يجب عليه الفطر، ويحرم عليه الصوم، باتفاق).

ويمكنني الإجابة على سؤال الطبيب متى يجوز أن آذن للمريض بالفطر في

  نهار رمضان؟ بالقول:

1-  يجب على الطبيب المتخصص بحالة المريض نصحُ المريض بالفطر إذا غلب

 على ظنه هلاك المريض بالصوم، أو لحوق ضرر شديد به كتعطل حاسة من الحواس أو عضو من الاعضاء. ويجب على المريض الفطر عندها.

2-  ويجب على الطبيب المتخصص بحالة المريض نصح المريض بالفطر إذا ظن

 زيادة المرض أو تأخر الشفاء بالصوم. ويسن للمريض عندها الفطر.

3-  ويحرم على الطبيب نصح المريض بالفطر إذا لم يتضرر المريض بالصوم، كمن

  به جرب أو وجع ضرس أو إصبع ونحوه، ولا يباح للمريض الفطر عندها.

4-  ويحرم على غير المتخصص بحالة المريض نصحه بالفطر. والله أعلم

السؤال الثالث: ما حكم عمليات التجميل؟

الجواب: جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي  عام 2007:

أولا: يجوز شرعاً إجراء الجراحة التجميلية الضرورية والحاجية التي يقصد منها:

1-  إعادة شكل أعضاء الجسم إلى الحالة التي خلق الإنسان عليها.

2-  إعادة الوظيفة المعهودة لأعضاء الجسم.

3-  إصلاح العيوب الطارئة الكسبية من آثار الحروق والحوادث والأمراض و

 غيرها: مثل زراعة الجلد وترقيعه وإعادة تشكيل الثدي كلياً أو جزئياً إذا أدى

  لحالة مرضية وزراعة الشعر حال سقوطه خاصة للمرأة.

4-  إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسياً أو عضوياً.

ثانياً: لا يجوز إجراء جراحة التجميل التحسينية التي لا تدخل في العلاج الطبي

  ويقصد منها تغيير خلقة الإنسان السوية تبعا للهوى والرغبات بالتقليد للآخرين،

  مثل عمليات تغيير شكل الوجه للظهور بمظهر معين أو بقصد التدليس وتضليل

 العدالة وتغيير شكل الأنف وتكبير أو تصغير الشفاه وتغيير شكل العينين

 وتكبير الوجنات.

ثالثاً: يجوز تقليل الوزن (التنحيف) بالوسائل العلمية المعتمدة ومنها الجراحة

 (شفط الدهون) إذا كان الوزن يشكل حالة مرضية ولم تكن هناك وسيلة غير

 الجراحة بشرط أمن الضرر.

رابعاً: لا يجوز إزالة التجاعيد بالجراحة أو الحقن مالم تكن الحالة مرضية، شريطة

 أمن الضرر.

خامساً: على الطبيب المختص أن يلتزم بالقواعد الشرعية في اعماله الطبية وأن

  ينصح لطالبي جراحة التجميل فالدين النصيحة. انتهى.

فالنتيجة أن عمليات التجميل العلاجية جائزة لأنها ضرورية وحاجية أما

 العمليات التحسينية التي لا تحوي علاجاً عضوياً أو نفسياً فغير جائزة.

السؤال الرابع: ما حكم قبول هدايا الشركات العاملة في المجال الطبي؟

الجواب:

((أهم أنواع الهدايا التي تقدمها الشركات الطبية للأطباء ونحوهم خمسة، وإليكم

   أحكام قبولها:

1. الهدايا اليسيرة: كالتقاويم والأقلام زهيدة الثمن التي تحمل شعار الشركة، ونحو

  ذلك، وهذه الهدايا اليسيرة يُتسامح فيها، إذ لا يظهر لها أثر في قرار الطبيب ليصرِفَ علاجات الشركة دون غيرها.

2. الرحلات العلمية وحضور المؤتمرات: تتكفل بعض الشركات بتمويل تكاليف

     هذه الرحلات

وإقامة هذه المؤتمرات، فإن كان هذا التمويل مشروطًا بوصف أدوية الشركة أو أجهزتها فهو غير جائز؛ لأن الأصل في الطبيب أن يسعى لتحقيق مصلحة المريض وإعطائه ما يلائِمُه من العلاج، وليس لتحقيق مصالح هذه الشركات. وسَدًّا لذريعة المفسدة المتوقَّعة من حصر العلاج في أدوية الشركة، فقد يوجد عند غيرها ما هو أنجع وأرخص.

وإن كان هذا التمويل غير مشروط: كأن كان الدافع له خدمة البحث العلمي فهذا

  جائز؛ لأن الأصل جواز قَبُول التبرعات.

3. العَيِّنَات المجانِيَّة من الأدوية أو المستلزمات الطبية: إذا كانت بغرض التعرُّف على هذه العَيِّنَات أو التعريف بها فلا بأس من ذلك؛ لأن الأصل الحِلّ، لكن لو كانت مشروطة بتسويق ونحوه فلا يحِلُّ قبولها.

4.   الدورات التدريبِيَّة على الأجهزة الطبية في البلد المصنِّع للأجهزة: وغالباً ما

  تكون هذه الدورات جزءًا من العَقد المبرَم بين الشركة والطبيب حين شرائه لأجهزتها أو تعامله معها، وهذا شرط سائغ، في هذه الحالة)). عن كتاب الفقه الطبي -

  إصدار الجمعية السعودية للدراسات الطبية الفقهية، بتصرف.

5. العمولات المالية التي تقدمها بعض مخابر التحاليل والأشعة وشركات الصفائح المعدنية والشبكات القلبية والغرسات السنية ونحوها؛ تقدمها للطبيب كلما أحال لها مريضا. وهذه العمولات لا يجوز للطبيب أخذها؛ لأن الأصل في الطبيب أن يسعى لتحقيق مصلحة المريض لا المخبر والمتجر. وسَدًّا لذريعة المفسدة المتوقَّعة من حصر الإحالة إلى هذه المخابر والشركات؛ فقد يوجد عند غيرها ما هو أنجع وأرخص. – كما مر-. والله أعلم

أيها الإخوة:

هذه بعض الإجابات على مسائلكم الفقهية المتعلقة بمهنة الطب وللموضوع تتمة إن

 شاء الله، واذكروا أن المطلب الرئيس من كل من يستمع لهذه الخطب أن يُحَكِّم شرعَ

 الله في مهنته، لئن فعلتَ فأنت تتعبد الله تعالى في مكان عملك تماماً كما تتعبد الله

    تعالى في مسجدك، وإن لم تفعل فحاول أن تفعل، وابدأ الآن.

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1512
تحميل ملفات
فيديو مصور