الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2016-02-22 الساعة 09:57:31
مـقـدمـات فـي تـربـيــة الأبــنــاء - 6 -
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال
                              

الحمد لله، الحمد لله ثمَّ الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فهو المهتَدِ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مُرْشِداً، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيِّدنا محمَّداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، خيرُ نبيٍّ اجتباه، وهدىً ورحمةً للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدِّين كلِّه ولو كَرِه الكافرون، ولو كَرِهَ المشركون، ولو كَرِهَ مَن كَرِه، اللَّهم صلِّ على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلِّم.

قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم : 6]

قال سيدنا عليّ رضي الله عنه: قوا أهليكم نَارًا علّموهم وأدّبوهم.

قال قتادة: مروهم بطاعة الله تعالى، وانهوهم عن معصية الله.

قال الزمخشري: قُوا أَنْفُسَكُمْ بترك المعاصي وفعل الطاعات وَأَهْلِيكُمْ بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم. «رحم الله رجلا قال يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعلّ الله يجمعهم معه في الجنة» أخرج الترمذي بإسناد مرسل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ».

أيها الإخوة:

الحياة الزوجية محراب من محاريب العبادة، وتربية الأبناء باب من أبواب القرب إلى الله تعالى، ولهذا جاءت هذه السلسلة من الخطب عنوانها – تربية الأبناء- لعلنا نفيد منها جميعا في زيادة قربنا إلى الله ببرنا بأبنائنا ورعايتنا لهم.

بدأنا في الخطبة الماضية الحديث عن الطفل في سنواته الثلاث الأولى. وتكلمت الخطبة عن حاجة هذا الطفل من الغذاء الجسدي والنفسي بالإرضاع والاهتمام، وفي متابعة للحديث عن تربية هذا الطفل تعرض خطبة اليوم لبعض المشكلات في هذه المرحلة وكيف تجنبها.

 

عنوان خطبة اليوم: تربية الأبناء في السنوات الثلاث الأُوَل (2)

أيها الإخوة :

يتعرض الطفل في مهد طفولته لأحداث تبدو بالنسبة إليه في غاية الجسامة فهو يعيش خبرات الفطام وظهور الأسنان والمشي والكلام والتدريب على عمليات الإخراج وغيرها من الأحداث التي يستجيب لها الطفل بطريقة أو بأخرى ، ومهما يكن من أمر فقد أجمع علماء النفس على أن هذه المرحلة من العمر –أي السنوات الثلاث الأولى- والتي تليها مباشرة توضع فيهما أسس الشخصية، فإذا كانت العوامل المحيطة بالطفل سليمة كان نمو الشخصية سوياً ، أما إذا كانت تلك العوامل ذات تأثير ضار كان نمو الشخصية مضطرباً.

وهذا يؤكد ما جاء في الخطبة الماضية عن أبحاث قارنت بين الأطفال الذين تربيهم أمهاتهم وبين الأطفال الذين يودعون المؤسسات الاجتماعية؛ أن الفريق الأول ينمون نمواً أكثر استقرارا من الفريق الثاني الذين ثبت أنهم يعانون من الحرمان أو النقص الانفعالي، وظهر ذلك من سلوكهم الذي امتاز بالصراخ الزائد والخوف من الغرباء وقلة الثقة بالنفس أثناء اللعب إذا قورنوا بأطفال الفريق الأول.

ويسعني في خطبة اليوم عن أحدثكم باختصار عن ثلاث مشكلات يتعرض لها طفل السنوات الثلاث الأولى، وكيف يمكن مساعدته في تجاوزها:

أولاً: صدمة  الفطام:

لتعلق الرضيع بصدر أمه وتلقيه منه الغذاء ومنها الحاجات النفسية يمكننا تسمية عملية الفطام بصدمة الفطام بالنسبة للطفل، ومن هنا وجَب أن تتم تدريجياً حتى نُخفف على الطفل وطأتها، كما يجب الانتقال إلى التغذية بالألبان الاصطناعية في إطار مشابه إلى حد كبير مع موقف الرضاعة الأصلي من ضم الأم لولدها ومسحها على رأسه ومناغاته والابتسامة له فيحصل على نفس الرعاية والحنان، ومن ثم يُعطى تدريجياً بعض السوائل مختلفة المذاق ومن ثم ينتقل إلى الملعقة ثم يعطى بعض الأطعمة الخفيفة حين تظهر أسنانه.

وما من شك بأن الطفل يتناول غذاءه بشهية أكبر عندما يكون بين مجموعة من الأطفال بينما تضطرب شهيته إذا أكل وحده في ظل وجود أبوين قلقين يلاحظان كل لقمة يبتلعها.

ولعله يستخدم رفضه للطعام لجلب اهتمامهما له والضغط عليهما، وأحيانا تساعد الأم ولدها من حيث لا تشعر على ترك الطعام، فالابن الذي يسمع أمه تمتنع عن الطعام محافظة على وزنها ويسمعها تفتخر بذلك أمام صديقاتها ثم يراها تضغط عليه ليأكل؛ إن هذا الموقف المضطرب من الأم يحدث ارتباكاً في مفاهيم الطفل وفي اتجاهاته نحو الطعام.

والطفل الذي يعاني من انفصال الوالدين أو وفاة أحدهما غالباً ما يعاني من فقدان الشهية.

وعلى العكس فشره بعض الأطفال للطعام يحدث نتيجةً لفقدان الشعور بالأمن وللتعبير عن مشاعر العدوان. والحل بإغداق العناية والحب على الطفل.

ومن هنا نستطيع أن نفهم شيئا مما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أولاد جعفر عندما استشهد أبوهم في مؤتة

أخرج الإمام أحمد بسنده عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ عَجَنْتُ عَجِينِي، وَغَسَّلْتُ بَنِيَّ وَدَهَنْتُهُمْ وَنَظَّفْتُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ائْتِينِي بِبَنِي جَعْفَرٍ» ، قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ بِهِمْ فَشَمَّهُمْ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا يُبْكِيكَ؟ أَبَلَغَكَ عَنْ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، أُصِيبُوا  هَذَا الْيَوْمَ»

ثم جاء صلى الله عليه وسلم إلى دار جعفر بعد ثلاثة أيام وَقَالَ لأسماء: "« ادْعِي لِي بَنِي أَخِي» , قَالَ: فَجَاءَتْ بِثَلَاثَةِ بَنِينَ كَأَنَّهُمْ أَفْرَاخٌ , وَقَالَتْ: فَدَعَا الْحَلَّاقَ فَحَلَقَ رُءُوسَهُمْ ; فَقَالَ: «أَمَّا مُحَمَّدٌ فَشَبِيهُ عَمِّنَا أَبِي طَالِبٍ , وَأَمَّا عَوْنٌ فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي , وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَشَالَهَا ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي صَفْقَةِ يَمِينِهِ» , قَالَ: فَجَعَلَتْ أُمُّهُمْ تَفْرَحُ لَهُمْ , فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَخْشَيْنَ عَلَيْهِمِ الضَّيْعَةَ , وَأَنَا وَلِيُّهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ».

إن العناية العاطفية بالطفل عامةً، وبمن فَقَدَ أحد أبويه خاصةً تعينه على أن يتابع حياته بسلام، وتخلصه من مشكلاته التي يتعرض لها ليكون إنساناً سوياً في المستقبل.

ثانيا: التبول غير الإرادي:

(لا تقلقي بخصوص تبليله الفراش فإنه سيكفُّ عن ذلك عند البلوغ) هذه العبارة تشرح اتجاها موجوداً عند علماء النفس متعلقا بالتبول غير الإرادي.

أكثر أسباب التبول غير الإرادي نفسية ، وإن كان هناك أسباب عضوية ، فإذا تمت مراجعة الطبيب وأظهر غياب الأسباب العضوية فمطلوب من الوالدين مراقبة تصرفاتهم التي تدعو الابن لهذه الفعلة، إذ تخبر الدراسات النفسية أن كل حالات التبول غير الإرادي تنشأ من الخوف من الضرر الذي يمكن أن يصدر عن الوالدين؛ فرفض الأم للابن أو رفض الأب للبنت مثلاً يحملان الخوف إلى الطفل الذي يتظاهر عنده بهذه الفعلة.

وعلى كل حال فإن النقاط الآتية مساعدة في التخفيف من هذه المشكلة:

1-   تقديم العناية العاطفية والرعاية والاهتمام للطفل.

2-   التقليل من كمية السوائل التي يشربها الطفل في النصف الثاني من اليوم

3-   تشجيع الطفل على التبول قبل النوم مباشرة

4-   منح الطفل مكافأة كلما استيقظ في الصباح وكان فراشه جافاً

5-   استخدام طريقة المنبه: وبها يوقظ الطفل كل ثلاث ساعات خلال الليل حتى تتم معرفة الوقت الذي يبلل فيه الفراش، فتضبط ساعة المنبه على هذا الوقت بعينه.

6-   الحد من نشاط الطفل قبل النوم ومراعاة أن تكون آخر وجبة يتناولها خفيفة. وألا تحتوي سوائل كثيرة.

ثالثا: الغيرة:

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَجُلٌ جَالِسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ ابْنٌ لَهُ، فَأَخَذَهُ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ أَجْلَسَهُ فِي حِجْرِهِ، وَجَاءَتِ ابْنَتٌ لَهُ، فَأَخَذَهَا، فَأَجْلَسَهَا إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَّا عَدَلْتَ بَيْنَهُمَا».

ومشهور حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما عندما اهداه أبوه بستاناً وأراد أن يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تصَدَّقَ عليَّ أبي ببعض ماله، فقالت أُمِّي عَمْرَةُ بنتُ رَوَاحة: لا أرضى حتى تُشْهِدَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فانطلق أبي إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليُشْهِدَهُ على صَدَقتي، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أفعلتَ هذا بِوَلَدِكَ كُلِّهِم؟ قال: لا، قال: اتقوا الله، واعْدِلُوا في أولادكم، فرجع أبي، فَرَدَّ تلك الصدقة» .

وفي أخرى: «أشْهِدْ على هذا غيري، ثم قال: أيَسُرُّكَ أن يكونوا إليك في البِرِّ سواء؟ قال: بلى، قال: فلا، إذن» . أخرجه البخاري ومسلم.

 

 

 

أيها الإخوة:

لا يشعر الطفل الغيور بالسعادة كبقية الأطفال لأنه يعتقد أنه فشل في الحصول على الحب والرعاية من الوالدين في الوقت الذي حصل عليه شقيقه، وقد يتطور الأمر إلى الشعور بالخجل فلا يستطيع مواجهة المواقف ويثور لأقل سبب حتى يهرب من المواجهة.

ويشعر الطفل في سنواته الأولى بالغيرة في معظم الحالات نتيجة لمقدم طفل جديد إلى المنزل وانشغال الجميع به، ويمكننا التخفيف من حدة غيرته بـ:

1-   تهيئة الطفل لاستقبال أخيه وجعله يتوقع الحدث

2-   نقصُّ عليه قصصاً عن التعاون بين الإخوة وتبادل الألعاب بينهم.

3-   التأكيد له أن الطفل الجديد لن يغير من حب والديه له شيئا وأنه هو الابن الأكبر والأقدر ، وأن الطفل الصغير يحتاج إلى مساعدته ورعايته.

4-   ترك الطفل الجديد برعاية الطفل الأكبر لفترة محدودة وتحت الملاحظة غير المباشرة من جانب الوالدين.

5-   تقديم عناية ورعاية إضافيتين للقديم مع وجود الجديد

كل هذا يخفف مشاعر الغيرة لدى الطفل الأكبر ويحل محلها مشاعر تقبل المولود الجديد.

أيها الإخوة:

أفدت في إعداد هذه الخطبة من كتاب رأيته مفيدا في التربية عنوانه (الطفل في مرحلة ما قبل الدراسة) ألفه ثلاثة من مدرسي علم النفس في جامعات مصر. وقد عرضت لكم شيئا من مشكلات الأبناء في السنوات الثلاث الأُوَل، وللموضوع تتمة إن شاء الله.

قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسؤْولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فالإمامُ رَاعٍ، ومَسْؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، والرجلُ رَاعٍ في أهله، وهو مَسؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمرأَةُ في بَيْتِ زَوجِها رَاعيةٌ، وهي مَسؤولَةٌ عن رَعيَّتِها،...والرجلُ في مالِ أبيهِ راعٍ، ومَسْؤولٌ عن رعيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وكُلُّكُم مَسؤولٌ عن رعيَّتِهِ» البخاري ومسلم.

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1583
تحميل ملفات
فيديو مصور

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *