الجمعة 10 شوال 1445 - 19 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2016-02-15 الساعة 10:44:29
مقـد مـات في تـربـيـة الأبـنـاء - 5 -
الدكتور الشيخ محمد خير الشعال

الحمد لله، الحمد لله ثمَّ الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فهو المهتَدِ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مُرْشِداً، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيِّدنا محمَّداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، خيرُ نبيٍّ اجتباه، وهدىً ورحمةً للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدِّين كلِّه ولو كَرِه الكافرون، ولو كَرِهَ المشركون، ولو كَرِهَ مَن كَرِه، اللَّهم صلِّ على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلِّم.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]

قال سيدنا عليّ رضي الله عنه: قوا أهليكم نَارًا علّموهم وأدّبوهم.

قال الْحَسَنُ: يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ.. فَيُعَلِّمُهُم الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَيُجَنِّبُهُم الْمَعَاصِيَ وَالْآثَامَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ.

وقال قتادة: مروهم بطاعة الله تعالى، وانهوهم عن معصية الله.

قال البيضاوي: قوا أَهْلِيكُمْ بالنصح والتأديب،

قال الزمخشري: قُوا أَنْفُسَكُمْ بترك المعاصي وفعل الطاعات وَأَهْلِيكُمْ بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم. «رحم الله رجلا قال يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعلّ الله يجمعهم معه في الجنة»

أخرج الترمذي بإسناد مرسل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ».

اأيها الإخوة:

 

الحياة الزوجية محراب من محاريب العبادة، وتربية الأبناء باب من أبواب القرب إلى الله تعالى، ولهذا بدأنا سلسلة جديدة من الخطب عنوانها – تربية الابناء- لعلنا نفيد منها جميعا في زيادة قربنا إلى الله ببرنا بأبنائنا ورعايتنا لهم.

تكلمت الخطب الماضية عن مقدمات مهمة في تربية الأبناء، لنبدأ اليوم الحديث عن الطفل في سنواته الثلاث الأولى. لأنني جعلت منهج هذه الخطب أنني أقسم المراحل العمرية للأبناء من حين الولادة وحتى الرابعة والعشرين إلى ثمان مراحل، أجعل كل ثلاث سنوات من العمر مرحلة وأتناولها في خطبة مستقلة.

سأتكلم في كل مرحلة عن احتياجاتها وعن بعض المخاطر فيها وعن الطريقة الأفضل للتعامل مع الابن فيها.

عنوان خطبة اليوم: تربية الأبناء في السنوات الثلاث الأُوَل

أيها الإخوة:

يؤكد التربويون وعلماء النفس أن السنوات الأولى في حياة الطفل تكون بمنزلة البناء الأساسي لنموه المستقبلي، وبالقدر الذي يُحاط به الطفل بالرعاية والاهتمام يسير النمو في الاتجاه المرغوب فيه، والبصمات الأولى في التربية لها أثر مباشر عميق في نفس المرء وعقله وروحه.

دلت الأبحاث التي قارنت بين الأطفال الذين تربيهم أمهاتهم وبين الأطفال الذين يودعون المؤسسات الاجتماعية أن الفريق الأول ينمون نموا أكثر استقرارا من الفريق الثاني الذين ثبت أنهم يعانون من الحرمان أو النقص الانفعالي، وظهر ذلك من سلوكهم الذي امتاز بالصراخ الزائد والخوف من الغرباء وقلة الثقة بالنفس أثناء اللعب إذا قورنوا بأطفال الفريق الأول.

ونستطيع أن نختار من حاجات الطفل في هذه المرحلة الحاجات الغذائية والحاجات النفسية والحاجة إلى الحماية.

أقول أيها الإخوة:

لعل أفضل ما تتعبد الله تعالى به الأم التي جاءها المولود الجديد أن ترضعه حولين كاملين {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ } [البقرة: 233]

واللافت أن الله تعالى يختم هذه الآية بقوله سبحانه:{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[البقرة: 233

فمامعنى تقوى الله في مسألة الرضاع والنفقة على المولود وأمه ؟

إنها تعني التقوى بمعناها العام، بمعنى امتثال جميع اوامر الله ومنها الإرضاع والنفقة واجتناب نواهيه،والمراقب لأفعال الآباء والامهات السميع البصير، واعلموا أن الله بما تعملون بصير.

وإني لأعجب من آيات تنزل من السماء تدعو الأمهات لرضاع أولادهن ثم تعرض بعض الأمهات المسلمات عن ذلك من دون عذر.

وحليب الأمهات -أيها الإخوة- لا يوازيه في النفع للابن أحسن المغذيات ولو اجتمعت ولا أفضل المقويات ولو تضافرت، فتركيبه في تبدل مستمر بحسب حاجات الرضيع وبحسب احتمال أجهزته، وهو آمن طرق التغذية من حيث الطهارة والتعقيم ، وحرارته ثابتة خلال الرضعة الواحدة متبدلة بحسب حرارة الصيف وبرودة الشتاء، وهو سهل الهضم ، مستساغ الطعم بالنسبة للوليد. سهل التحضير ليلا ونهارا سفرا وحضرا.

والطفل الذي يرضع من ثدي أمه يكتسب مناعة ضد كل الامراض، وفي حليب الامهات مضادات للالتهابات المعوية والتنفسية  وغيرها، والإرضاع يقي الأم من أورام الثدي الخبيثة ويقي الطفل من الآفات القلبية والوعائية وأمراض التغذية والاستقلاب.

وفوق تلبية الحاجات الغذائية التي يؤمنها الإرضاع تجدونه يروي الحاجات النفسية للوليد من حب الأم لوليدها وضمها له وحنوها عليه وقربه من صدرها وسماعه لضربات قلبها. خاصة إذا اقترن ذلك بمسحات لطيفات من الأم على رأس رضيعها ووجهه ومع بسمات مرتسمة على وجه الأم وترنيمات من القرآن الكريم أو الاذكار أو النشيد اللطيف

جاء في كتاب (الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة): (إذا عاملت الأم طفلها بصرامة في أثناء الرضاع مثل سحبه بشدة أو معاملته بحركة عنيفة فإن الطفل سيشعر بالاكتئاب وعدم الراحة بذلك وسيعتبر الأم مصدر قلق لأنها تقوم بإرضاعه وتغذيته جسميا ولكنها تحرمه من أشهى غذاء وهو الغذاء النفسي والعاطفي، لذلك تصبح هي أو من يقوم مقامها مثيرا لمثيرات مؤلمة ، وسيحاول الطفل الابتعاد عنها أو تجنبها بل سيعمم الطفل شعوره بأن الاقتراب من الناس سيؤدي به إلى مثل هذه الخبرات المؤلمة وينشأ منطويا على نفسه فاقدا الثقة فيمن حوله.)

بين يدي تجربة أجريت في إحدى الجامعات الأمريكية متعلقة بالأثر النفسي للإرضاع المقترن بحنان الأم ورأفتها وأثره في الرضيع، أو المقترن بعكس ذلك:

أُحضرت مجموعة من القرود الرضع ووضعوا مع تمثال لقردة أم مجلله بالأسلاك المعدنية القاسية ، وكانت القرود تتناول طعامها من زجاجة حليب متصلة بصدر تمثال القردة الأم.

وأحضرت مجموعة ثانية من القرود ووضعوا مع تمثال لقردة أم مجلله بوبر ناعم سميك، وكانت القرود تتناول طعامها من زجاجة حليب متصلة بصدر تمثال القردة الأم.

ثم وضعت المجموعتان مع بعضهما، وعندما أعطيت القرود حرية الذهاب لإحدى التمثالين ظهر أنهم فضلوا الذهاب إلى التمثال المغطى بالوبر الناعم.

وعندما نُزعت زجاجة الحليب من التمثال ذي الوبر الناعم وبقي مع التمثال الآخر ظهر بأن القرود لم يذهبوا إلى هذا التمثال إلا عند الجوع الشديد وبعد تناولها الطعام تذهب إلى التمثال ذي الوبر الناعم .

وعندما تم تعريض القرود الصغيرة لمخيف، وذلك بأن وضعوا في قفصهم جسما غريبا عنكبوتا خشبيا أسرعت القرود الصغيرة جميعا إلى التمثال ذي الوبر الناعم.

بل وجدوا بأن القرود كانت تفرح عندما يكون أمامهم التمثال ذي الوبر، وتحزن وتقل حركتها وتنكمش على نفسها عندما أخرج هذا التمثال من القفص مع العلم أن التمثال الآخر كان موجودا.

من كل ما سبق نقرأ أن الطفل يشبع برضاعه من أمه حاجاته الغذائية ، نعم ، ولكنه يشبع أيضا حاجاته النفسية والعاطفية ، والتي يشعر بها بالراحة والأمان والطمأنينة.

ولا أبالغ عندما أقول إن هذه الفترة من عمر الأبناء وهذا الإرضاع الطبيعي لهم سترسم ويرسم عددا لابأس به من سمات شخصيتهم في المستقبل، فالتربية التي تتسم بالرفض والاهمال ستودي إلى عدم الشعور بالأمن والسلبية والشعور العدائي وسوء التوافق، والتربية المتسمة بالاهتمام والعناية والحب والحنان ستودي إلى شخصية متزنة محبة للآخرين واثقة بنفسها متحملة لمسؤولياتها.

يا أمي أنتِ سقيتيني

ونفحتِ أريجك إيمانًا

مَن مثلك يا أمي قدرًا

من غيركِ يا أمي يقظٌ

من غيركِ يا أمي قلقٌ

لو صحَّ سجوديَ يا أمي

في حُبكِ أفنيتُ حياتي

يا أمي إن عجزَ لساني

لو كان البرُّ بأن تطئي

في حقكِ آياتٌ تتلى

لا يقدر أحد إيفاءً

لكن فؤادكِ إحسانًا

 

لبن التوحيدِ مع الفطرة

كالوردِ إذا أهدى عطره

أقدامك تاجٌ للغرة

في الليلِ إذا هجمَ الكربُ

من دائيَ إن عجز الطبُّ

في حُبكِ ما امتنع القلبُ
لكني لست أكافيكِ

عن شكركِ ربي يجزيكِ

خديَّ فيا حظي فيكِ

مرَّ الأيام ووصينا

لحقوقكِ مهما أدينا

كم يرضى عنا وعلينا

أيتها الامهات الفاضلات:

يوصي التربويون الأمهات لتدريب أبنائهم في سنواتهم الأولى على التواصل مع الجماعة بقولهم:

      قومي أنت ووالده بمداعبته واتركي للمحيطين به مساحة ليقوموا بذلك .

      حاولي ترك طفلك مع شخص من الأقارب واتجهي لغرفة أخرى وإن بكى طفلك عودي له بسرعه واحتضنيه ليطمئن وكرري ذلك عدة مرات حتى يعتاد على الغير.

      ان قام بضرب طفل يلعب معه لا تعنفيه فيكره غيره ويتكون لدية غيره ولكن بالحسنى لأنه طفل صغير.

      احرصي على صلة الرحم والتنزه مع المعارف والأقارب فإن الطفل سوف يتشبع من جو التجمع ويعتاد عليه.

      لا تنشغلي عن طفلك بالعمل والمنزل والكمبيوتر والتليفون وعلاقاتك مع اصدقائك بل خصصي أكبر وقت له وبادليه المرح واللعب.

أيها الإخوة:

شرع الإسلام السرور بقدوم مولود جديد ذكراً كان أم أنثى، وشرع استحباب تهنئة من ولد له ولد ، واستحب الأذان بلطف في أذن الوليد اليمنى فقد روى الإمام أحمد والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة .

كما يستحب التحنيك فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ ولد لي غُلَام فَأتيت بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَماهُ إِبْرَاهِيم وحنكه بتمرة زَاد البُخَارِيّ ودعا لَهُ بِالْبركَةِ.

والمراد يالتحنيك مضغ جزء من تمرة وأخذ مسحوقها ووضعه في فم الصغير، وتستحب العقيقة وهي ذبح شاة شكرا لله على سلامة المولود ، ويمكن للميسور أن يذبح شاتين عن الذكر وشاة عن الأنثى، يدعى لطعامها الاهل والأرحام ، الفقراء والاغنياء، أو يوزع اللحم على الناس، فمن وجد عُسرة في المال أجل العقيقة إلى اليوم السابع أو الرابع عشر أو الحادي والعشرين أو متى أيسر بعد ذلك،  رَوَى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن سلمَان بن عمار الضَّبِّيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم « مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى » صحيح البخاري (5/ 2082)

ومن هنا يستحب حلق رأس الوليد يوم سابعه و التصدق بوزن شعره ذهبا للموسر وفضة للمعسر. ويسن الختان عند أبي حنيفة ويجب عند الجمهور، ويسن تسمية الوليد باسم حسن جميل. وخير الاسماء عبد الله وعبد الرحمن ثم أسماء الأنبياء والصحابة والصلحاء.

كل هذه المندوبات الشرعية -أيها الإخوة- احتفاء بالوليد واحتفال به ، ولها أثرها النفسي العاطفي عليه في مستقبله، ولها بصمة في قبوله لأسرته ومجتمعه حين يكبر.

وتجدون بسطا نافعا لتفاصيلها في كتاب نافع اسمه تحفة المودود في أحكام المولود لابن قيم الجوزية.

أيها الإخوة :

هذا شيء من الحديث عن تربية الأبناء في السنوات الثلاث الأُوَل، وللموضوع تتمة إن شاء الله.

قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسؤْولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فالإمامُ رَاعٍ، ومَسْؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، والرجلُ رَاعٍ في أهله، وهو مَسؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمرأَةُ في بَيْتِ زَوجِها رَاعيةٌ، وهي مَسؤولَةٌ عن رَعيَّتِها،...والرجلُ في مالِ أبيهِ راعٍ، ومَسْؤولٌ عن رعيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وكُلُّكُم مَسؤولٌ عن رعيَّتِهِ» البخاري ومسلم.

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1350
تحميل ملفات

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *