الخميس 09 شوال 1445 - 18 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2016-02-01 الساعة 10:18:43
مــقــدمــات في تــربــيـة الأبــنــاء 3
الدكتور محمد خير الشعال

الحمد لله، الحمد لله ثمَّ الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فهو المهتَدِ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مُرْشِداً، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيِّدنا محمَّداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، خيرُ نبيٍّ اجتباه، وهدىً ورحمةً للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدِّين كلِّه ولو كَرِه الكافرون، ولو كَرِهَ المشركون، ولو كَرِهَ مَن كَرِه، اللَّهم صلِّ على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلِّم.

أمَّا بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله تعالى، وأحثُّكم وإيَّاي على طاعته، وأستفتح بالذي هو خير.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]

قال سيدنا عليّ رضي الله عنه: قوا أهليكم نَارًا علّموهم وأدّبوهم.

قال الْحَسَنُ: يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ.. فَيُعَلِّمُهُم الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَيُجَنِّبُهُم الْمَعَاصِيَ وَالْآثَامَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ.

وقال قتادة: مروهم بطاعة الله تعالى، وانهوهم عن معصية الله.

قال البيضاوي: قوا أَهْلِيكُمْ بالنصح والتأديب،

قال الزمخشري: قُوا أَنْفُسَكُمْ بترك المعاصي وفعل الطاعات وَأَهْلِيكُمْ بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم. «رحم الله رجلا قال يا أهلاه صلاتكم صيامكم زكاتكم مسكينكم يتيمكم جيرانكم لعلّ الله يجمعهم معه في الجنة»

أخرج الترمذي بإسناد مرسل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: »مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ«  .

أيها الإخوة:

الحياة الزوجية محراب من محاريب العبادة، وتربية الأبناء باب من أبواب القرب إلى الله تعالى، ولهذا بدأنا سلسلة جديدة من الخطب عنوانها – تربية الابناء- لعلنا نفيد منها جميعا في زيادة قربنا إلى الله ببرنا بأبنائنا ورعايتنا لهم.

تكلمت الخطبتان الماضيتان عن ست مقدمات مهمة في تربية الأبناء

1.    تربية الأبناء فرض على الوالدين.

3.    تربية الأبناء طريق تحتاج إلى صبرٍ وأناة.

5- تبدأ تربية الأبناء  من اختيار الزوج المناسب .

2.تربية الأبناء علم يحتاج إلى دراسة وسؤال أهل الاختصاص.

4.    تربية الأبناء مهمة تحتاج إلى معونة من الله تعالى.

6- إذا أردت أن تربي أولادك فلا بد من أن تتغير.

وفي خطبة اليوم مقدمة سابعة:

7- تربية الأبناء تتأثر بنوع النفقة أمن حلال جاءت أم من حرام.

أيها الإخوة:

تعلمون أن النفقة على الزوجة والأبناء واجبة على الزوج، أما النفقة على الزوجة فواجبة عليه طيلة حياتها أو حياته، وأما نفقته على بناته فحتى يتزوجن أو يمتن، وأما نفقته على أبنائه الذكور فحتى يصيروا قادرين على الكسب ، جاء في كتاب تربية الأولاد في الإسلام لعبد الله علوان: ( تجب النفقة على الأهل والولد لقوله تعالى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ولقوله صلى الله عليه وسلم : «دِينار أنفقتَه في سبيل الله، ودِينار أنفقتَهُ في رقبة، ودينار تصدَّقْتَ به على مسكين، ودِينار أنفقتَهُ على أهلك، أعظَمُها أجراً الذي تنفقه على أهلك» أخرجه مسلم .

وإذا كان للأب المثوبة والأجر في التوسعة على الأهل والإنفاق على العيال، فإن عليه الوزر والإثم إذا أمسك عن الإنفاق وقتر على الأهل والأولاد وهو مستطيع)

أقول – أيها الإخوة- مَثَلُ الذي ينفق على أولاده مثلُ الذي يسقي زرعَه، فمن سقى زرعَه ماءً طيباً أعطاه ثمراً طيباً، ومن سقى الزرعَ ماء آسناً ساء ثمرُه، وفَسَدَ زرْعُه.

وهكذا، فمن أطعم بنيه حلالا طاب معدنهم ورق طبعهم وسما أدبهم، ومن أطعمهم الحرام أفسد نشأتهم وأساء منبتهم وأرهق طلعتهم.

ولئن كان للوالد الأجر الكبير في نفقته على عياله فإنه يضيع الأجر كله إن كانت نفقته حراماً،  

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أطعمتَ نفسَكَ فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدَكَ فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجتَك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمَك فهو لك صدقة»، والحديث عند أحمد.

 قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ جَمَعَ مَالًا حَرَامًا، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ، لَمْ يَكُنْ له فيه أجر، وكان إصره عليه" أخرجه ابن حبان.

وبينَ يَديَّ نماذجُ من النفقة الحلال وأثرِها على تربية الأبناء، وأخرى من النفقة الحرام وأثرها على تربية الأبناء.

- محمدُ بن إسماعيل البخاري، صاحب أصحِّ كتاب بعد القرآن الكريم عند المسلمين، المعروفِ بصحيح البخاري، من وفيات ست وخمسين ومئتين للهجرة، ومن ذلك العام وإلى يومنا هذا لا زال العلماءُ والفقهاء والوعَّاظُ والخطباء يعتمدون على كتاب محمدِ بن إسماعيل البخاري، يترحَّمون عليه، وعلى والدَيه، ويترضّون عنه، وعن والديه اللَّذَين أنشآه هذه النشأة، ومحمدٌ هذا هو ثمرةٌ من ثمار أبيه.

عندما نزلت بإسماعيل سكرات الموت جعلت ابنته تبكي ، فقال: يا بنية، لمَ تبكين؟ فو الله ما أدخلتُ إلى جوفي ولا إلى جوفكم لقمةَ حرام.

 وكافأ الله إسماعيلَ ببركةِ نفقته الحلال، ولعلَّها كانت قليلة، كافأه بأن جعل من صلبه ولداً يترضَّى عليه العَالمُ آلافَ السنين. وهذه واحدة في أثر النفقة الحلال على تربية الابناء.

-أخرج ابن عساكر في تاريخه عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جدّه أسلم قال: بينما كنت مع عمر بن الخطاب، وهو يَعُسُّ بالمدينة –يعني: يتفقَّدُ الرعيةَ بالليل- إذا هو قد أعيا –تعب-، فاتَّكأ على جانب جدارٍ في جوف الليل، فإذا امرأةٌ تقول لابنتها: يا بنتاه، قومي إلى اللبن فامذِقيه بالماء -يعني: اخلطيه بالماء-،  فقالت لها ابنتها: يا أماه، أما علمتِ ما كان من عَزْمِ أمير المؤمنين اليومَ أن لا يُشابَ اللبنُ بالماء؟ فقالت الأم: قومي إلى اللبن فاخلطيه بالماء، فإنك في موضعٍ لا يراكِ فيه عمر، ولا منادِي عمر، فقالت البنت لأمها: إذا كان عُمَرُ لا يراني، فأين ربُّ عمر؟ والله ما كنتُ لأطيعه علانيةً، وأعصيه سراً -أُظهِرُ للناس بأني طائع لله، لكنني إذا خلوت عصيتُه-، وكان عمرُ في استناده على الجدار يسمعُ هذا الحوار، فالتفتَ وهو يقول: يا أسلمُ، ضَعْ على هذا الباب علامةً، ثم مضى أميرُ المؤمنين في عَسِّه، فلما أصبح ناداني: يا أسلم، امضِ إلى البيت، وانظر القائلَ، وانظر المقولةَ إليها، قال أسلم: فمضيتُ فأتيت الموضع، فإذا ابنةٌ لا زوجَ لها، تُقيمُ مع أمها، وقد ماتَ أبوها، يعملان في بيع اللبن، فرجعتُ إلى أمير المؤمنين، فأخبرته الخبر، فدعا إليه أولادَه، فجمعهم حوله، ثم قال لهم: هل منكم من يحتاج إلى امرأة، فأزوجِّهُ فتاةً كان من أمرها كذا وكذا؟ فقال له ولده عاصم: يا أبتاه، تعلمُ أنْ ليس لي زوجة، فإني أحقُّ بزواجها، فبعث أميرُ المؤمنين مَن يخطب ابنةَ بائعةِ اللبن لابن أمير المؤمنين، فزوَّجه إياها، فكانت عند عاصم زوجةً صالحةً طائعة، ترعى مع زوجها النفقةَ الحلال، فولدت له بنتاً، ثم كَبِرَتْ البنتُ، فتزوجها عبدُ العزيز بن مروان، فولدت له خامسَ الخلفاء الراشدين عمرَ بن عبد العزيز، الخليفةُ الذي لم تعلَمِ الدنيا له نظيراً في العدل والنـزاهة بعد الخلفاء الأربعة، سَرَتْ النفقةُ الحلال من الأجداد إلى الأولاد، وهذه ثانية في أثر النفقة الحلال على تربية الابناء

- جمع تاجرٌ غنيٌّ لنفسه ولأولاده مالاً كثيراً، لكنه كان معروفاً بين الناس بأنه لا يأبه لحلال أو لحرام، مصلحتُه فوق الشرع، ومالُه فوقَ كلِّ آيةٍ وحديث، وجَمْعُ المال عنده أساسُ الحياة،

درّس أولادَه في أرقى المدارس، وسافروا إلى أجمل البلدان، عاشوا في البذخ، وتربوا في النعيم، كَبُرَ الأولادُ، وكبر معهم الأب، أُصيب الرجلُ بمرض أقعده في الفراش، فاضطر إلى تحرير وكالةٍ عامة لأحد أبنائه لمتابعة أموره المالية، فما كان من الابن إلا أن استَغلَّ هذه الوكالة، وأجرى –بالتواطؤ مع إخوته- عقودَ بيع صُوْرِية لكلِّ ممتلكات أبيه لإخوته وأولاده، ثم ازداد مرضُ الأب، وضاقَ الأولادُ بأبيهم ذرعاً، فكان منهم أن اشتَرَوا له داراً صغيرة في حيٍّ ناءٍ عن المدينة، ووضعوا له أجيراً يخدُمه، وتركوه وراحوا يتنعمون بالمال.

 إنَّ هذا الأبَ سقى أولادَه المال الحرام، فخرج النَّبْتُ سيئاً، فكان أوَّلَ مَنْ أصيب بالمال الحرام جامعُه.

وهذه واحدة في أثر النفقة الحرام على تربية الابناء.

أما الثانية في أثر النفقة الحرام على تربية الأبناء فقد صاغوها شعراً فقالوا:

 

حَكَمَتْ عليه حكومةُ الإسلامِ

فاستَنْفَرَ الجلاّدُ يحمِلُ سيفَهُ

قالَ: اسمَعُوني مَهْلُكم وتَبَصّرُوا

قد كنتُ طفلاً فاَسْتَهْنَتُ ببيضةٍ

وأتيْتُ أمي مُسْتَشِيراً عقلَهَا

فمَضَتْ تُزَغرِدُ ثم قَال لِسَانُهَا:

ومضى عليَّ الدهرُ أحفظُ قولَها

فَعَليْكُم بِلِسَانِ أمِّي إنَّهُ

 

قَطْعَ التي سَرَقَتْ على الأيَّامِ

واستَصْرَخَ المحكومُ بالحكَّامِ

وتتبَّعوا مستودَعَ الآثامِ

فسَرَقْتُها مستَخْفيِاً بظلامِ

هل كان يُرضِي عقلَها إِقْدَامي

مَرحَى حبيبي صِرْتَ كالضِّرغامِ

وغدا بظُلْمِ الآمنينَ غَرامِي

أصلُ الجريمةِ يا أُولي الأَفْهَامِ

 

أيها الإخوة:

  المالُ الحرام يفسد التربية، ويعين على التربية الصالحة الحلال، ولقد كان شعار المسلم ولايزال: «أما الحرامُ فالمماتُ دُوْنَهُ»، ولقد كانت المرأةُ من السلف إذا ودَّعت زوجَها عند الصباح تقول له: يا رجل، اتقِ اللهَ فينا، فإننا نصبر على الجوع، ولا نصبر على الحرام!

والمطلوبُ من كل واحد فينا أن يتعلَّمَ أحكامَ الحلال والحرام في بيعه وشرائه، وسائرِ معاملاته المالية، ثم أن يتجنَّبَ المالَ الحرام، فلا يُدخِلَهُ على نفسه، ولا على أولاده.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزولُ قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عُمُره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه» البزار والترمذي.

أيها الإخوة:

كانت خطبة اليوم مقدمة سابعة تقول: تربية الأبناء تتأثر بنوع النفقة أمن حلال جاءت أم من حرام.

قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسؤْولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فالإمامُ رَاعٍ، ومَسْؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ، والرجلُ رَاعٍ في أهله، وهو مَسؤولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمرأَةُ في بَيْتِ زَوجِها رَاعيةٌ، وهي مَسؤولَةٌ عن رَعيَّتِها،...والرجلُ في مالِ أبيهِ راعٍ، ومَسْؤولٌ عن رعيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وكُلُّكُم مَسؤولٌ عن رعيَّتِهِ» البخاري ومسلم.

والحمد لله رب العالمين

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1426
تحميل ملفات

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *