الخميس 16 شوال 1445 - 25 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2015-12-06 الساعة 11:20:47
خاتمة سلسلة فضيلة = أخلاق تعاملية
د.محمد خير الشعال

خطبة صلاة الجمعة 4/ 12/ 2015 للشَّيخ الطَّبيب محمَّد خير الشَّعَّال, في جامع أنس بن مالك، دمشق - المالكي

(خاتمة سلسلة فضيلة... أخلاق تعاملية)

قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].

قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (هَذِهِ أَجْمَعُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِخَيْرٍ يُمْتَثَلُ، وَلِشَرٍّ يُجْتَنَبُ).

قال تعالى في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم: 4].

قَالَتْ السيدة عائشة رضي الله عنها: (مَا كَانَ أَحَدٌ أَحْسَنَ خُلُقًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا دَعَاهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا قَالَ: لَبَّيْكَ).

وقال صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ شَيءٍ يُوضَعُ فِي المِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيبلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِب الصَّومِ وَالصَّلاةِ» [الترمذي].

أيها الإخوة:

هذه هي الخطبة الثلاثون الخاتمة في سلسلة خطب عنوانها (فضيلة... أخلاق تعاملية).

الخُلق: هو السجية والطبع. وعرَّفه الإمام الغزالي بأنه: (هيئةٌ في النفس راسخة، تصدر عنها الأفعال بسهولة ويُسر، من غير حاجة إلى فكر ورويَّة).

يطبع اللهُ تعالى أناساً على بعض الأخلاق النبيلة، بينما يحتاج آخرون إلى التدرب عليها والتطبع بها حتى تصبح طبعاً لهم وخلقاً.

بينما يطبع آخرين على خلال حميدة أخرى، فيحتاج الأولون إلى التَّدرب عليها لتصير لهم طبعاً وخلقاً؛ فيتساوى العباد في التشريف والتكليف.

فبإمكانك التدرب على الخلق الحميد لتكتسبه، وبإمكانِكِ التطبع بالخصال الكريمة لتلتزمها. وبإمكانك التخلي عما عَلِق بك مما لايليق بمثلك.

وهذا هدف السلسلة.

تناولت السلسلةُ عشرين خُلقاً: الحياء واللُّطف والشُّكر والتَّراحم والشَّفقة والسَّماحة والقناعة والعِفَّة والحُلُم والصِّدق وبِرُّ الوالدين ومحبة الآخرين وحبُّ العطاء وتحمُّل المسؤولية وحِفظ الكلمة وحُسن الكلمة والصبر التعاملي والرجوع عن الخطأ والتحبب إلى الآخرين ومراعاة الآداب العامة.

كانت كلُّ خطبة منها تُعَرِّف بالخُلُق وفوائده ثم تتحدث عن كيف التَّخلُّق به؟

وقد لحظت نقاطاً مشتركة في كيف يتم التخلق بهذه الأخلاق العشرين، وأعتقد أنها مشتركة في التخلق بكل خلق حميد وفي التخلي عن كل خلق الذميم.

إذ كنت في واحد من مساجد هذه البلدة المباركة قبل خمس سنين قد قدَّمت ثمانين درساً عن مكارم الأخلاق، ولحظت نقاطاً مشتركة في كيف التخلق بالخلق الحميد وكيف التخلي عن الذميم.

ووجدتها هي نفسها التي خَلُصت إليها سلسلة فضيلة، وسأجعل هذه المشتركات الخمس مادة خطبة اليوم الخاتمة لهذه السلسلة وأراها الوظيفة العملية والواجب التطبيقي لهذه السلسلة.

أولها- الإكثار من ذكر الله: إذ إنَّ نورانية الأذكار مُحرقة لأوصاف العبد الشهوانية، وما الأخلاق الذميمة إلا صفات سبعية تَعلَق بالعبد ولا يخلصه منها مثل الذكر.

فإذا أردت أن تسيطر على الغضب لتكون حليماً، وإن أردت أن تتهذب قسوتك لتكون لطيفاً وإذا أردت أن ترحم الآخرين وتشفق عليهم وترحمهم؛ فأكثر من ذكر الله.

قال ابن القيم في الوابل الصيب: [وفي الذكر أكثر من مائة فائدة، فهو مفتاح لكل خير يناله العبد في الدنيا والآخرة، فمتى أعطى اللهُ العبدَ هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له، ومتى أضله بقي باب الخير مُرتجاً دونه].

ومن أجل هذه المعاني كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه في ليله ونهاره، وسِرِّه وإعلانه، وعند الخاصة والعامة، وكان يذكر الله إذا أوى إلى فراشه، أو عند الوضوء أو بعده، أو بعد الصلاة، أو عند المطر، أو عند هبوب الريح، أو عند لبس الثوب، أو عند الدخول إلى المسجد، أو الخروج منه، وغير ذلك من أحواله صلى الله عليه وسلم.

والذكر يؤثر على القلب فيأنَسُ الذاكرُ بربه وخالقه، ويشتغل بما ينفعه ويصلح تعبده، وينتهي عما يغضب الرب تبارك وتعالى فتصلح الجوارح بعد ذلك فلا نظر إلا فيما يرضي الله، ولا سمع إلا لما يحبه الله، ولا مشي إلا لما يرضي الله، ولا بطش إلا لله؛ فيكون العبد لله وبالله، وتنفتح له أبواب الخيرات من الفضائل والعبادات، وتوصد دونه أبواب الشر والمنكرات.

قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ } [البقرة: 152].

قال النووي: [أفضل حال للعبد حالُ ذكره ربَّ العالمين واشتغاله بالأوراد الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين].

روى الإمام مسلم عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ».

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذا مَرَرتُم بِرياضِ الجنَّة فَارتَعُوا»، قالوا: وما رِياضُ الجنة؟ قال: «حِلَقُ الذِّكرِ، فإن لله تعالى سياراتٍ من الملائكة يطلبون حلق الذكر فإذا أتوا عليهم حفوا بهم».

فإذا أردت التَّخلُّق بكل خلق كريم والتجرد عن كل خلق ذميم فعليك بالإكثار من ذكر الله.

ثانيها- الصحبة الصالحة: فكلمة السِّر في صلاح الصالحين وفساد الفاسدين الصاحب، وكم من خلوق تدنَّت أخلاقه لما صحب الدُّون، وكم من وضيع ارتفع لما صحب أهل الفضل والخلق الحميد.

لا أعلم أحداً يدخن إلا وقد تعلمها من صاحبه، ولا أعلم صالحاً إلا وقد جالس الصلحاء وصاحبهم، فللصاحب أثر كبير في خُلُق المرء ودينه بل له أثر عليه في الآخرة.

نقل الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: {الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: (كَانَ خَلِيلَانِ مُؤْمِنَانِ وَخَلِيلَانِ كَافِرَانِ، فَمَاتَ أَحَدُ الْمُؤْمِنَيْنِ فَقَالَ: يَا رب، إِنَّ فُلَانًا كَانَ يَأْمُرُنِي بِطَاعَتِكَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ، وَكَانَ يَأْمُرُنِي بِالْخَيْرِ وَيَنْهَانِي عَنِ الشَّرِّ. وَيُخْبِرُنِي أَنِّي مُلَاقِيكَ، يَا رَبِّ فَلَا تُضِلُّهُ بَعْدِي، وَاهْدِهِ كَمَا هَدَيْتَنِي، وَأَكْرِمْهُ كَمَا أَكْرَمْتَنِي. فَإِذَا مَاتَ خَلِيلُهُ الْمُؤْمِنُ جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: لِيُثْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَيَقُولُ يَا رَبِّ، إِنَّهُ كَانَ يَأْمُرُنِي بِطَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ، وَيَأْمُرُنِي بِالْخَيْرِ وَيَنْهَانِي عَنِ الشَّرِّ، وَيُخْبِرُنِي أَنِّي مُلَاقِيكَ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: نِعْمَ الْخَلِيلُ وَنِعْمَ الْأَخُ وَنِعْمَ الصَّاحِبُ كَانَ.

قَالَ: وَيَمُوتُ أَحَدُ الْكَافِرَيْنِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ فُلَانًا كَانَ يَنْهَانِي عَنْ طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ، وَيَأْمُرُنِي بِالشَّرِّ وَيَنْهَانِي عَنِ الْخَيْرِ، وَيُخْبِرُنِي أَنِّي غَيْرُ مُلَاقِيكَ، فَأَسْأَلُكَ يَا رَبِّ أَلَّا تَهْدِهِ بَعْدِي، وَأَنْ تُضِلَّهُ كَمَا أَضْلَلْتِنِي، وَأَنْ تُهِينَهُ كَمَا أَهَنْتَنِي، فَإِذَا مَاتَ خَلِيلُهُ الْكَافِرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا: لِيُثْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّهُ كَانَ يَأْمُرُنِي بِمَعْصِيَتِكَ وَمَعْصِيَةِ رَسُولِكَ، وَيَأْمُرُنِي بِالشَّرِّ وَيَنْهَانِي عَنِ الْخَيْرِ وَيُخْبِرُنِي أَنِّي غَيْرُ مُلَاقِيكَ، فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُضَاعِفَ عَلَيْهِ الْعَذَابَ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: بِئْسَ الصَّاحِبُ وَالْأَخُ وَالْخَلِيلُ كُنْتَ. فَيَلْعَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ. قُلْتُ: وَالْآيَةُ عَامَّةٌ في كل مؤمن ومتق وكافر ومضل).

فإذا أردت التخلق بالخلق الكريم فعليك بالصاحب.

ثالثها- مجاهدة النفس: إذ النفس بالسوء أمارة، تحب التَّواني والكسل وتكره المعالي والعمل.

تدعوها للصبر فتدعوك للجزع، تطلبها لأداء المهام  فتطلبك للمنام، تنادي عليها أنّ الله مطلع عليك فراقبيه فتنادي عليك أن أعطني ما أشتهيه.

من هنا وجبت مجاهدتها ومحاسبتها ومخالفتها لتحملها على مكارم الأخلاق حملاً، وتهذبها بترك ذميم الأخلاق قسراً.

{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41].

رابعها- العلم: إذ العلم يُهذِّب الطِّباع ويُحسِّن الأخلاق، والجهل يدع المرء جِلْفاً غليظاً.

وطالب العلم تحفه الملائكة وتضع له أجنحتها فيرق طبعه ويصفو معدنه، بينما يبقى أهل الجهل في أكدار جهالتهم وفي ظلمات فظاظتهم.

وفي مجالس العلم اجتماع الصالحين وتآلف المقربين وتدارس آيات الذكر الحكيم وكلام سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.

وقال معاذ بن جبل وروي مرفوعاً: (تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ لِلَّهِ خَشْيَةٌ، وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، وَمُدَارَسَتَهُ تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وَتَعْلِيمَهُ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ، وَهُوَ الْأَنِيسُ فِي الْوَحْدَةِ، وَالصَّاحِبُ فِي الْخَلْوَةِ، ومنار سبيل الجنة، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَقْوَامًا فَيَجْعَلُهُمْ فِي الْخَيْرِ قَادَةً).

خامسها الأخير: الدعاء:

قال العلماء: من ابتلى ببلاء قلب أزعجه فأعظم دواء له قوة الالتجاء إلى الله ودوام التضرع والدعاء بأن يتعلم الأدعية المأثورة ويتوخى الدعاء في مظان الإجابة، مثل: آخر الليل، وأوقات الآذان والإقامة وفي السجود وأدبار الصلوات، ويضم إلى ذلك الاستغفار.

وليصبر، فإنه لا بد أن يؤيده الله بروح منه ويكتب الإيمان في قلبه، ولا يسأم من الدعاء والطلب، فإن العبد يُستجاب له ما لم يعجل.

فمن علق به خلق ذميم فعليه بالدعاء والالتجاء، ومن فاته خلق حميد فعليه بالتضرع عند السَّحر.

هذه خمسة مشتركات –أيها الإخوة- فيما مضى من فضيلة –أخلاق تعاملية:

الإكثار من ذكر الله، والصحبة الصالحة، ومجاهدة النفس، ومجالس العلم، والدعاء.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ المؤمنينَ إِيمَاناً: أَحسَنُهُمْ خُلُقاً، وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ» [أخرجه الترمذي].

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1610
تحميل ملفات

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *