السبت 11 شوال 1445 - 20 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2015-11-29 الساعة 09:00:30
الأعور الدجال
فضيلة الشيخ بلال سلمان

خطبة جمعة بتاريخ 27/11/2015

من جامع الصحابي طلحة بن عبيد الله t بعنوان:

الأعور الدجال

الحمد لله عظيم النوال ، ذي الجلال والجمال والكمال ، وأشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو ، وحده لا شريك له ، شهادة نتنعم بها حتى نلقى ثمراتها يوم العذاب والنوال ، وأشهد أن سيدنا وعظيمنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمداً عبده ورسوله ، سيد الرجال ومحمود الخصال ، القائل: ((مَن حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال)) ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله ، وعنا معهم إلى يوم النوال والمآل .

وبعدُ عباد الله ، أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله ، وأحثكم على طاعته .

أما بعد ، فإنه ينبغي أن نتوقف عند هذه الرواية المباركة ، التي ترمز إلى أمر جليل ، فقد قال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما من نبي إلا وأنذر أمته فتنة الدجال)) ، وأنه ما كانت فتنة مِن لدن آدم إلى يوم القيامة أعظم من فتنة الدجال ، وذكر الإمام العلامة إبراهيم البيجوري في شرحه على جوهرة التوحيد ، أن من أشراط الساعة أن يُنسى ذِكره على المنابر ، فَذِكر الدجال على الملأ ، وما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مِن فتنة الدجال ، شيءٌ مما يَنبغي إشاعته في زمن الفتن ، وفي زمن الإقبال على المال والذهب ، حتى يَصير مَعبودهم ومَعشوقهم .

والدجال على صيغة فَعَّال ، مِنَ الدَّجَل ، يُمَوِّهُ الحقيقة بِدَجَلِه ، يَدَّعي الصلاح أولاً ، ثم يَتطور الأمر إلى أن يَدَّعِي النبوة ، ثم في آخر الأمر يَدَّعي الأُلوهية ، هو يهودي لم يُولد له ، وقد رآه سيدنا تميم الداري رضي الله عنه ، وأخبر النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم ، عندما ركبوا في البحر ، فَلَعِبَ بهم الموج ، حتى قذف بهم إلى جزيرة ، فرأوا الدابة ، ودلتهم على الدجال في كهف ، فأخبر النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بأمره ، وأخبر مِن شأنه ما أخبر .

وسُمي الدجالُ بالمسيحِ لأنه يَمسح الأرض طولاً وعرضاً ، فلا يَدع بلداً إلا ويَدخله ، إلا المدينة ومكة وبيت المقدس والطور ، لحرمة هذه البقاع ، وعلى المدينة أبواب ، وعلى الأبواب ملائكة يحرسونها ، حتى إذا ما دنا الدجال منها رَجَفَت ثلاث رَجَفَات ، فأخرجت فُجَّارَهَا ومُنافِقِيها ، وبعضهم قال: سُمِّي الدجالُ بالْمَسِيح لأنَّه مَمسوحٌ إحدى عينيه ، والثانية كأنها كوكب دري ، مَكتوب بين عينيه كافر ، يَقرؤها كل مؤمن كَتَبَ أم لم يَكتب .

ونَحن نَقرأ سورة الكهف كل أسبوع ، بل جاءت رواية بقراءتها في ليلة الجمعة ، ورواية بقراءتها في يوم الجمعة ، وكان بعض الأخيار ولا يَزالون يَحرصون على الخير يقرؤنها مرتين ، مرة في ليلة الجمعة ، ومرة في صبيحة الجمعة ، للجمع بين الروايات ، فمن قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة ((أضاء له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام)) ، لأن الحسنة بعشر أمثالها ، في رواية: ((أضاء له مِن تحت قدمه إلى العرش)) ، وفي  قراءتها دروس وعظات عظيمة .

لماذا في الآيات العشر الأولى مِنها ما يدفع فتنة الدجال ؟ لو تَأملتَ فيها لرأيت في الآية السابعة قول الله سبحانه وتعالى: )إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا( ، زِينةً للأرض وليست زينة لنا ، هذه الشهوات والمغريات والأثاث ، وغير ذلك من المتاع الذي يتباهى به الناس ، وما افتتن به الخلق هنا وهناك ، كل هذا مِن زينة الأرض ، وأما زينةُ المؤمن فهي العمل الصالح ، زينةُ المؤمن الإقبال على الله ، زينةُ المؤمن صلته بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، )إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً( ، فمَن حَفظ هذه الآيات ، وعاش جَوَّها وتأثر بها زهد في الدنيا .

عِندما يأتي هذا الدجال يَفتَتِنُ الناس بماله وذهبه ، يمر بأرض فيُنادي كنوزَهَا ، فتتبعه كنوز الأرض ، يَفتتن النساء بذلك ، هذه المرأة التي تَشتري خاتماً وغير ذلك من زينة الدنيا ، وإذا بهذا الدَّجال يُعطيها مَا شاءت منه ، فإذا كانت رَقيقةَ الإيمان قليلةَ التَّدين كَيف تَقدِرُ على أن تَصبر أمام فتنته ، ورُبما لم يَأتها زَوجها من سنين بِشيء مِنَ الذهب ، وإذا بالدجال يَكِيلُ لها الذهبَ كَيلاً دون حساب ، فَمَن لم تَكن مُؤمنة وَقعت في شركه وفي فتنته ، ومِن هُنا كانت هذه الأخبار عن الدجال ، حتى لا يَفتتن الناسُ عند خروجه .

وأكثرُ مَن يَتبع الدجال اليهود والنساء ، كما جاء في صحيح مسلم: ((يتبعه من يهود أصبهان سبعون ألفاً)) ، والنساء يَكثُرُ تَعلقهن به لهذا الأمر ، لرقة التدين على الإنسان ، فعليه أن يَعصِمَ أهله ويحفظهم ، وأن يُذكرهم بهذه النصوص التي تحذر من فتنة الدجال .

يَخرج في خِلَّة بين الشام والعراق ، في رواية: من المشرق ، يَلبث في الأرضِ أربعين يوماً ، اليوم الأول -لهوله وفجاعة خطبه وعظيم فتنته- كعام ، واليوم الثاني كشهر ، واليوم الثالث كأسبوع ، وسائر الأربعين كأيامنا ، مَاذا شَغَلَ الصحابةُ رضي الله عنهم عندما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ؟ قالوا: يا رسول الله ، هذا اليوم الذي كعام ، أَتَكفي فيه صلاة يوم واحد ؟ مَا شغلهم إلا الصلاة ، فهم مَشغولون بهذه المكتوبات ، فقد سمعوا نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((الصلاة خير موضوع ، فلتستقل أو فلتستكثر)) ، هَذا هُوَ هَمُّهم ، أما أمر فِتنته فَهُم بِعَظِيمِ يَقينهم وصَلابة إيمانهم نَاجون بفضل الله ، وهو الذي بَشَّرَهُم بقوله: ((إن يَخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه)) ، أي اطمئنوا ، فأنا ما دمت بين أظهركم أكفيكم شره ، وهذه الكلمات من نبينا صلى الله عليه وآله وسلم لِتُشعرهم هذا الشعور ، بأنه يَخرج في أي وقت ، فهو مِن أشراط الساعة ، وبعثته صلى الله عليه وآله وسلم من أشراط الساعة ، حتى قال: ((بُعثت أنا والساعة كهاتين)) ، وفي رواية قال: ((بُعثت في نَفْسِ الساعة)) ، وفي رواية قال: ((بُعثت في نَفَسِ الساعة)) ، أي أنت إذا جَلست بجوار شخص فإنك تَسمع حِسَّ نَفَسِه ، أي أنه صلى الله عليه وآله وسلم يَقول: أنا قَريب من الآخرة ، قريب من يوم القيامة .

فانتبهوا أيها الناس من فتنة الدجال ، فإن فتنته عظيمة ، وكان ما كان مِن شُغل الناس به ، وتَرداد الصالحين لأخباره ، فهذا سنة من سنن العلماء ، أخذوها وقبسوها عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم .

ومن عظيم فتنة الدجال أن يَمضي في أرض ، فإن لم يُوافق أهلها عليه هَلكت مَواشيهم وأَمحلت أرضهم ، وإذا دخل إلى أرض فآمنوا به وتَبِعُوه أَمَرَ السَّماء فأمطرت ، وأمرَ الأرض فأخرجت زرعها ، وصارت ضُرُوعُ مواشيهم ممتلئة لبناً .

إنها فتنة عظيمة ، وقد يَقول قائل: كيف ذلك وهذا من الشؤون الإلهية ؟ يَأمر السماءَ فَتُمطر ، ويَأمر الأرض فتنبت ، هذا ليس بصنيع الناس ، يُقال: إن هذا مِنَ الفِتنة ، جعل الله سبحانه وتعالى له ذلك ابتلاء للناس ، وهو لا يَخفى على مُؤمنهم بأنه أعور وربنا ليس بأعور ، ومكتوب بين عينيه كافر ، فكيف نَغتَرُّ بِهِ ؟ .

يَخرج الدجال في زمن تَكثر فيه الجراءة على الدماء ، وتَهُونُ فيه الدماء عند الناس ، وتَكثر الكبائر ، وتُشرب الخمور ، وَيُؤكَلُ الربا ، وَيَتَشَبَّه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، ويَكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، بالفاحشة والعياذُ بالله ، ويُخون الأمين ويُأمن الخَؤُون ، ويُصدق الكاذب ويُكذب الصدوق ، في أرذل العمر الذي عاشته الدنيا .

يأتي الدجال إلى أعرابي فيقول له: ألا تُؤمِن بي إن أحييت أباك ؟ قال: نعم ، فيرد أباه إلى الحياة فيرى أباه أمامه ، يتمثل الشيطان على صورة أبيه ، فيقول له: يا بُني إنه ربك ، وهكذا فإن فتنة الدجال عظيمة .

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عَن شَاب مُمتلئ قوة باليقين والإيمان ، وفي رواية أنه الخضر ، فيأتيه فيقول له: ألا تُؤمن بي ، فيقول: أنت المسيح الدجال ، فيقول لمن معه: اضربوه ، فَيُكبوه على وجهه ، فيوسعونه ضرباً ولكماً ، ويُعيد عليه السؤال ، فيقول: أنت المسيح الدجال ، فينشره بالمنشار نصفين ، الله أكبر لِنَتخيل هذه الصورة ، قطعتين يمنة ويسرة ، ثم يَمُرُّ بينهما ، بِصَلَفَه وكبريائه وعتوه ، ثم يُشِيرُ إِلَيه فيرجع حياً ويتهلل وجهه ضاحكاً ، شيء يَذهب بالألباب والعقول ، لولا تَثبيت الله سبحانه وتعالى لهؤلاء المؤمنين ، فيقول له: ألا تؤمن بأني ربك ؟ فيقول: ما ازددت بك إلا بَصيرة ، أنت المسيح الدجال ، فيُؤخذ ويُكَتَّف ويُرمى في نار ، وإنها والله جنة ، لأن الدجالَ مَعه نار ومعه مَاء عَذب ، فَمَن دَخل في نار الدجال دَخل الجنة ، ومَن دخل في ماء الدجال العذب دخل في نار جهنم .

فينبغي علينا أن نَرجع ونُراجع أشراط الساعة ، لأننا نَعيش مُقدماتها ، في زمن يَصير فيه الذهب وهذه العملات الأجنبية مما يُرى في المنام ، ويُشغِلُ الناسَ في الصباح والمساء ، وهو وقت يُؤَهِّلُ لخروج الدجال ، لأنه مَا صار شُغلاً شاغلاً لهم إلا بإعراضهم عن الآخرة .

إخواني الكرام: هذا ليس فُضولاً من القول ، لقد كان هذا جزءاً من حديثه صلى الله عليه وآله وسلم ، وعنده الهدايات للبشرية ، يَخرج على بعض أصحابه فيقول لهم: ما تَذَاكَرُون ؟ ما هي الأحاديث التي تَشتغلون بها ، قالوا: يا رسول الله ، نتذاكر في أشراط الساعة ، فقال: ((لا تقوم الساعة حَتى تَرَوا عشر آيات)) ، وهذا في صحيح مسلم وغيره ، من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه وغيره ، حتى يَخرج الدُّخان ، ويَخرج الدجال ، وتَخرج دابة الأرض ، ويَخرج يأجوج ومأجوج ، ويَنزل سيدنا عيسى بن مريم ، وتَكون ثلاثة خسوف ، خسف في المشرق ، وخسف في المغرب ، وخسف في جزيرة العرب ، حتى تَخرج ناراً من قعر عدن تَسوق الناس إلى محشرهم ، فلنتذاكر في ذلك .

وإذا أردنا العِصمة من فتنة الدجال فهذه العصمة دَلَّنا عليها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد دَعَتنَا الآية في مقدمة سورة الكهف إلى أن لا نَتعلق بزينة الدنيا ، وأن نُمَيِّزَ أهلنا وأولادنا بالباقيات الصالحات ، وهذه البِنت التي تقول: هدفي أن أُحصل الخاتم الفلاني ، والولد الذي يقول: أُمنيتي أن أُحصل الجوال الفلاني ، ورب الأسرة التي يَنحَطُّ اهتمامه وتَتَسَفَّلُ هِمته فيقول: أنا لا أُريد من هذه الحياة إلا داراً نَعتُهَا كذا وكذا ، وسيارة صفتها كذا وكذا ، فما الفرق بين هؤلاء وبين اليهود ، الذين عَشقوا الذهب حتى صاغوا من حُلِيِّ بني إسرائيل عجلاً ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا تَدعُونا هذه الآيات في كتابه جل جلاله إلا للزهد بهذه الدنيا والإقبال على الآخرة .

ولما تَشتَدُّ فتنة الدجال في الأرض ، يأذن الله سبحانه وتعالى بنزول سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام ، فهو مسيح الهداية ، والدجال مسيح الضلالة ، فيَقتُلُ مَسِيحُ الهداية مَسيحَ الضلالة ، ينزل سيدنا عيس عليه السلام على المنارة البيضاء شرقي دمشق ، كما جاء في صحيح مسلم ، واضعاً كفيه على جناحي الملائكة ، وإذا بِنفسه يُصيب مَن يُصيب من الكفار ، فيَتبع سيدنا عيسى عليه السلام الدجال ، فَيَلقاه عن باب لُدِّ ، بجوار بيت المقدس ، فيقتله هناك ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم .

وهذه الآيات العشر الكبرى للساعة تَكون كحبات عِقدٍ يَنفَرِط ، فيتلو بعضها بعضاً ، وتَكون متقاربة جداً ، وإذا بدا شيء منها يَعلم الناس دُنُوَّ الأمر وانتهاء الدنيا .

وأما هذه المدة التي يَعيش بها سيدنا عيسى في الأرض ، فإنها تَعُمُّهَا الهداية والخلافة الراشدة ، وأول ما يَنزل يُصلي خلف واحد مِن أُمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، إيذاناً منه أَنَّه لا يأتي بشرع جديد ، فالشرع الخاتم للشرائع شَرعُ سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ومما يَعلَمُونَهُ بنعته وصفته يَشتهون أن يُصلوا خلف روح الله عيسى عليه السلام ، فيُشير لهم: إمامكم منكم ، فيُصلي الصلاة الأولى تشريفاً وراءَه ، ثم بعد ذلك يُقدمه الناس للصلاة .

اللهم إنا نسألك يا مولانا ، أن تحفظ علينا عقيدتنا ، وأن تحفظ علينا ديننا ، وأن تحفظ البلاد والعباد من الأسواء ، وأن تجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه ، آمين يا رب العالمين .

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1173
تحميل ملفات

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *