الخميس 16 شوال 1445 - 25 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

منابر دمشق

تاريخ النشر 2015-11-22 الساعة 12:15:16
زاد المســــافـــر -10-
الدكتور محمد خير الشعال

 

الحمد لله، الحمد لله ثمَّ الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فهو المهتَدِ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مُرْشِداً، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ سيِّدنا محمَّداً عبده ورسوله، وصفيُّه وخليله، خيرُ نبيٍّ اجتباه، وهدىً ورحمةً للعالمين أرسله، أرسله بالهدى ودين الحق ليُظهره على الدِّين كلِّه ولو كَرِه الكافرون، ولو كَرِهَ المشركون، ولو كَرِهَ مَن كَرِه، اللَّهم صلِّ على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وسلِّم.

أمَّا بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسيَ بتقوى الله تعالى، وأحثُّكم وإيَّاي على طاعته، وأستفتح بالذي هو خير.

قال تعالى: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [الأحزاب: 2، 3].

قال تعالى: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } [غافر: 44].

وقال سبحانه: { وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [الأحزاب: 48]

عنوان خطبة اليوم (زاد المسافر -10-)

أيها الإخوة:

أحببت أن أختم خطبي للإخوة المسافرين والأخوات، برسالة أُرسلها لهم من على منبر الجمعة، فوجدت الإمام العارف الشيخ أحمد بن محمد بن عطاء الله السكندري، صاحبَ الحكم العطائية الشهيرة، كتب لأحد إخوانه رسالة فيها ما أردت، فأحببت أن أنقلها لهم معلقاً على بعض ما فيها، لعلَّ الله ينفع بها من سافر ومن أقام.

يقول الشيخ: 

 (أما بعد؛ فلا أرى شيئاً أنفعَ لك من أمور أربعة: الاستسلامُ لله تعالى، والتضرعُ إليه، وحسنُ الظن به، وتجديدُ التوبة بين يديه ولو عُدتَ إلى الذنب في اليوم سبعين مرة.

ففي الاستسلام لله تعالى الراحة من التدبير معه عاجلاً والظفر بالمنة العظمى آجلاً، والسلامة من الشرك بالمنازعة؛ ومن أين لك أن تنازعه فيما لا تملكه معه؟!

تَصَوَّر نفسك في مملكته، فإنك قليل في كثيرها وصغير في كبيرها، يُدبِّرك كما يدبِّرها، وإن التدبير معه من كبائر القلوب والأسرار، وتجد ذلك في كتاب الله حيث قال: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص: 68]).

أيها الإخوة:

معنى الإسلام لغة: الاستسلام، واصطلاحاً: الاستسلام والطاعة لما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مما عُلِمَ من الدِّين بالضرورة.

والمسلم لا يكون مسلماً حتى يستسلم لأمر الله الشرعي وأمره القَدَري، أما أمر الله الشرعي فهو أمره بالطاعات ونهيه عن الموبقات، وأما أمره القدري فهو قضاؤه وقدره.

ألا فليعلم كلٌّ منا، سافر أو أقام، أنَّ الخير كلَّ الخير فيما اختاره الله تعالى.

 وأن الخير كلَّ الخير فيما أمر به الله تعالى.

وأن الخير كلَّ الخير فيما نهى عنه الله تعالى.

ولو اطلعتم الغيب لاخترتم الواقع.

 أرأيتم حين أُلقي موسى في اليم التقطه آل فرعون ولو لم يُلْقَ لما التُقِط.

أرأيتم حين طُرِح يوسف في الجب وأُدخِل السجن استخلصه العزيز لنفسه، ولو لم يُطْرح لما استُخلص.

أرأيتم إلى أم المؤمنين عائشة إذ تكلَّم أهل النفاق عليها بالسوء ورموها بحديث الإفك، نزلت براءتها في القرآن آياتٍ تتلى، ولو لم تُرْمَ لم يُتْلَ قرآن بشأنها.

إن الإسلام معناه الاستسلام لأمر الله القَدَري والشرعي. فاجتهدوا أيها الإخوة المسافرون أن تضبطوا سيركم على أمر الله الشرعي تأتمرون بأمره وتنتهون عن نهيه، وأن ترضوا بقضائه وقدره فإنه لا يختار لعباده المؤمنين إلى الخير.

يقول الشيخ: ( وأما التضرع إلى الله تعالى ففيه رفع الشدائد، والانطواء في أردية المنن، والسلامة من المحن، فتعوَّض جزاء ذلك أن يتولى مولاك الدفع عن نفسك في المضار، والجلبَ لك في المسار، وهو الباب الأعظم والسبيل الأقوم الذي يؤثر مع الكفران فكيف لا يؤثر مع الإيمان.

ألم تسمع قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الاِنْسَانُ كَفُورًا} [الاِسراء، 67].

والتضرع هو الباب الذي جعله الله بينه وبين عباده، متى فَتَحَ عليك به فتح عليك من كل خيراته وأوسع هباته، {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الاَنعام، 44])

أيها الإخوة:

عليكم بالدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء هالك، وَالدُّعاءُ يَنفعُ ممَّا نَزَلَ وممَّا لم يَنزِل، فكم من مريض عجِز الطب فيه شفاه الله بالدعاء، وكم من غائب يئس الخلق منه ردَّه إلى أهله الدعاء، وكم من بعيد قربه الدعاء وكم من عسير يسره الدعاء.

روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدُعَاءٍ إِلاَّ اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِمَّا أَنْ يُعَجَّلَ فِي الدُّنْيَا، وَإِمَّا أَنْ يُدَّخَرَ لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ مَا دَعَا، مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ يَسْتَعْجِلْ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْجِلُ؟ قَالَ: «يَقُولُ: دَعَوْتُ رَبِّي فَمَا اسْتَجَابَ لِي».

بلغ صلاحَ الدِّين الأيُّوبي تجمُّعُ الصَّليبين لاسترداد بيت المقدس، بعد أن طُرِدوا منها، فاستنفَرَ صلاحُ الدِّين أمراءَ جنده للدِّفاع والذَّود، فشاهد فيهم تقاعساً ووهناً، فضاق صدرُهُ واشتدَّ همُّهُ، وأشفق أن تسقط القدس في أيدي الصَّليبين من جديد، رآه شيخه القاضي ابن شداد مهموماً، فسأله، فذكر له الأمر، فقال الشَّيخ ابن شداد: قد وقع لي واقع وأظنُّه مفيداً إن شاء الله تعالى، فقال صلاح الدِّين: وما هو؟ فقال الشَّيخ: الإخلاد إلى الله تعالى، والإنابة إليه، والاعتماد عليه في كشف هذه الغمَّة، فقال صلاح الدِّين: وكيف نصنع؟ قال الشَّيخ: اليوم الجمعة، فاغتسل -يا مولاي- عند الرَّواح، وصلِّ كالعادة بالأقصى، وقدِّم التَّصدقَ بشيءٍ خفيةً على يد من تثقُ به، وصلِّ ركعتين بين الأذان والإقامة، وقُلْ في باطنك: (إلهي قد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك، ولم يبقَ إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل). فإنَّ الله أكرم من أن يُخيِّب قصدكَ.

يقول ابن شداد: ففعل صلاح الدِّين ذلك كلَّه، وصليت إلى جانبه، وصلى الرَّكعتين بين الأذان والإقامة، ورأيته ساجداً ودموعه تتقاطر على شيبته، ثمَّ على سجادته، ولا أسمع ما يقول...

قال ابن شداد: فلم ينقضِ ذلك اليوم، حتَّى جاءت الأخبار التي تبشر باختلاف الصَّليبين، ثمَّ توالت الأخبار، باختلافهم، ثمَّ تراجُعِهم عن مهاجمة القدس!

إذا أردتَ لحاجتك أن تُقضى، قِفْ على باب خالقك، واسألْهُ وتضرع إليه.

يقول ابن عطاء الله: (وأما حسن الظن بالله فَبخٍ بَخٍ بمن منَّ الله عليه بها، فمن وجدها لم يفقد من الخير شيئاً، ومن فقدها لم يجد منه شيئاً.

فلا تجد أدل على الله منها، تُعلِمُك عن الله بما يريد أن يصنعه معك، وتبشرك ببشائر لا يترجم عنها لسان؛ وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق حدثه قال: نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار فقلت: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما».

وأما تجديد التوبة إليه فهي عين كل مقام ورتبة، لا مزية لمن فقدها، والتوبة روح المقامات وسبب الولايات، فهي مطلوبة من كل رسول ونبي، وصدّيقٍ وولي، وبارّ تقي وفاجر غَوِي، وتجد ذلك في كتاب الله حيث قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: 1].

 فتقواه بالتوبة إليه والندم بين يديه، فأهل الشرور توبتهم بالخروج من شرورهم، وأهل الخير توبتهم بعدم الوقوف مع أعمالهم ورؤيتها ورؤية أنفسهم).

فيا أيها المسافرون:

الزموا باب التوبة فإنه مفتوح لايغلق مالم يغرغر العبد أو تقوم الساعة، من قصّر فليتب، ومن تجاوز فليَعُد، ومن فرَّط فليعتذر، ومن أفرط فليستغفر.

ولنبدأ جميعاً بداية جديدة مع الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [التحريم: 8].

ختم الشيخ ابن عطاء الله السكندري رسالته بقوله: (وبالجملة؛ فمن لم ينفعه القليل لم ينفعه الكثير، ومن لم تنفعه الإشارة لم تنفع فيه العبارة، وإذا أفهمك الله لم ينقطع سماعك عنه أبداً. فَهَّمنا الله وإياك عنه، وأسمعنا وإياك منه، وقطعنا عن كل شيء سواه، وأدخلنا في كنفه وحماه، وجعلنا ممن بصره وهداه، والصلاة والسلام على سيد المرسلين).

أيها الإخوة المسافرون:

هذه أربع وصايا أحببت أن أختم بها مجموعة خطب عنونتها - زاد المسافر- أوصيكم وأوصي نفسي بها: أوصيكم ونفسي بالاستسلام لله تعالى، وبالتضرع إليه، وبحسن الظن به، وبتجديد التوبة بين يديه.

زودكم الله التقوى وغفر ذنوبكم ويسر لكم الخير حيث كنتم.

نستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم عملكم.

اللهم عجِّل للشام بالفرج واجعله محفوفاً بلطفك.

والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1298
تحميل ملفات

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *