الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2018-03-06 الساعة 17:56:17
حفظ اللِّسان
الشيخ أحمد سامر القباني

14 مــن جمـــادى الآخــــرة 1439 هـ - 2 مـــن آذار 2018 م.

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه وهدى ورحمة للعالمين أرسله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي مِن عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

فضمن المنهج العام لخطب الجمعة أيها الإخوة الكرام، نتكلم عن موضوع الأخلاق، وقلنا:

* إن عــــلامــــــات حُســــــن الخـُـــلُــــــــق:

1- بسط الوجه: أن يكون الإنسان مُبتسماً مستبشراً لطيفاً ظريفاً وعلى العباد مُيسراً.

2- بذل المعروف بأنواعه: بذل المال، وبذل الجاه والمنصب والحسب والنسب، وبذل الخدمة وما تتمتع به  أنت مِن مميزات في خدمة الناس، بذل المعروف هذا مِن حُسن الخلق ولو بالكلمة الطيبة.

3- كَفُّ الأذى: أن تَكف أذاك عن الناس، فقد سُئل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ فقال: ((مَن سلم المسلمون من لسانه ويده))، وفي رواية الخرائطي في "مكارم الأخلاق": ما الإسلام؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((أن يَسلم قلبك لله، وأن يَسلم المسلمون مِن لِسانك ويدك)) هكذا عَرَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام.

وخَطب رسول الله صلى الله عليه وسلم النَّاس فقال: ((يا معشر مَن آمن بلسانه ولم يُفض الإيمان إلى قلبه -أي لم يَدخل الإيمان إلى قلبه إسلام، أسلم بلسانه فقط- لا تُؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتتبعوا عوراتهم -أي: لا تتتبعوا أخطاءهم- فإن مَن تتبع عورة امرئ مُسلم -الذي يتتبع أخطاء الناس- تتبع الله عورته -يتتبع الله أخطاءه- ومَن تتبع الله عورته فضحه ولو في جَوف رحله)) ولو في بيته.

وتكلمنا عن المرض الاجتماعي الخطير المنتشر فيما بين الناس وهو الغيبة في الأسبوع المنصرم، وقلنا: إن سيدتنا عائشة لم تقل إلا كلمات قليلة، قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (حَسبك مِن صفية كذا وكذا) وأشارت له هكذا أنها قصيرة، فقال عليه الصلاة والسلام -مع أن هذه الغيرة بين النساء غيرة كبيرة جداً، ومع ذلك لَيست مُبرراً أبداً لأن تذكري أنها قصيرة- فقال عليه الصلاة والسلام: ((لَقد قُلت كلمة لو مُزجت بماء البحر لمزجته)) أي: لَغَيَّرت طعمه ولونه وريحه.

فالغِيبة مَرض عظيم وكبير مِن أمراض القلوب، استحوذ هذا المرض على هذه الأمة، فأصبحت الغيبة مُباحة في المجالس، وأصبحت الغيبة هي أهم شيء العمود الفقري للسهرات فيما بين الناس، يتكلم بعضهم على بعض بالسوء، ولا تقل: إنما أقوله حَقٌّ وصحيح عندما انتقدتُ فلاناً مِن الناس، أنا أتكلم صادقاً، فقد قالوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما الغيبة؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذِكرك أخاك بما يَكره)) فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن كان فيه ما أقوله، -قال: والله أنا لا أكذب على هذا الإنسان، أقول عنه أنه سيء وهو سيء فعلاً- أرأيت إن كان فيه ما أقوله، فقال: ((إن كان فيه ما تقوله فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقوله فقد بَهَتَّه))، البهتان مَرتبة أعلى مِن كلمة الغيبة، يعني كذب وغيبة انضم لها كذب، يعني تَقَوَّل على الناس بصفات ليست موجودة عندهم، وقلنا لكم: إنَّ الإمام الذهبي جعل الغِيبة من الكبائر، قال: لِشِدَّة ما ورد عليها مِن الوعيد في القرآن الكريم، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورَويت لكم أن رسول الله عندما عُرج به إلى السماء مَرَّ على قوم لهم أظافر مِن نحاس يَخدشون وجوههم وصدورهم، فقال: ((مَن هؤلاء يا أخي يا جبريل؟)) قال: (هؤلاء الذين يَقعون في أعراض الناس ويأكلون لحومهم) أي يَغتابونهم في غيبتهم.

وقلنا لكم أيها الإخوة: إنَّ مِلاك الأمر كله حفظ اللسان، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يُؤكد في حديثه صلى الله عليه وسلم على شيئين، هذان الشيئان: إما أن يُدخلا الإنسان الجنة، وإما أن يُدخلاه النار، آفة المجتمع اليوم أننا نَاس قَوَّالون، آفة الأمة الإسلامية والعربية أنَّنا نقول كثيراً ولا نفعل شيئاً أو نفعل قليلاً، كَثُرت أقوالنا وقلت أفعالنا، كثرت أقوالنا وقل تَخطيطنا، كثرت أقوالنا وقل انتظامنا، كثرت أقوالنا ولم يَعد للشعب العربي والمؤمن للشاب وللشابة أي هدف في حياته، يَعيش ليأكل ويشرب ويُحقق مُتع ومَلذات الحياة الدنيا، وهذه مشكلة كبيرة، أن لا يكون لك هدف في حياتك تعيش مِن أجله وتمضي مِن أجله، مشكلة كبيرة جداً، يَشعر الإنسان بفراغ بحياة روتينية، يَشعر هذا الإنسان أنه يَعيش حياة مادية خالية مِن الروح، لأنه لَيس عنده هدف في هذه الحياة، الطبيب يجب أن يكون عنده هدف لِينفع الأمة ويُطببها ويُداويها، المهندس كذلك لكي يُطور بناء هذه الأمة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر الناس تطوراً، كان يُطور المجتمع في المدينة المنورة بشكل دائم، الطالب يجب أن يكون عنده هدف في حياته، لماذا تدرس ولماذا تتعلم؟ لِتكون ماذا في المستقبل؟ وما أبشع هذه الكلمات التي يَقولها أحياناً بعض أولياء الأمور: أُريدك أن تُؤَمِّن مُستقبلك، هل المستقبل أنت تُؤمنه؟! هو يُؤمنه؟ كلمة مَرفوضة، أُريدك أن ترفع رأسي كلمة مرفوضة، يجب أن نُعلم أبناءنا أن يَكون لهم هدف في حياتهم، يَدرسون ليكون الواحد منهم لَبنة صالحة في المجتمع العربي والإسلامي، لبنة صحيحة في جدار عظيم هو جدار الأمة العربية والإسلامية، مِن أجل ذلك نُغذي في نُفوس ناشئتنا مِن الآن هذه المعاني، يجب أن يقول له: أنت سَتكبر يا بني، الأمة بحاجة لك، ماذا تريد أن تُصبح؟ طبيب؟ يَجب أن تكون طبيباً مؤمناً حقيقياً، تُداوي الناس المرضى الفقراء مجاناً، تقوم بعمليات للفقراء مجاناً، ماذا تريد أن تصبح؟ أُريد أن أُصبح كذا، عَلِّمه الأهداف الخيرية، وما الذي يُمكن أن يَصنعه لأمته، بألفاظك الجميلة، بأسلوبك الرائع، لا تَتركه يَدرس مِن أجل أن يَنجح ويُصبح الأولي، يُؤمن مستقبله وتَرفع رأسك فيه، لا، هذه أهداف قصيرة المدى، وهذا حاصل إذا أنت عَلَّمته أن يَبتغي بعلمه ودراسته وجه الله ونهضة هذه الأمة، ترفع رأسك فيه وسيتأمن مستقبله، لأن الهدف الأساسي كان لله، أما الهدف الدنيوي والرِّياء بين الناس تَرفع رأسك فيه ويُؤمن مستقبله هذا الكلام يَقوله أناس قَصيرو النظر، بَعيدو النظر الذين أسلم قلبهم لله، يجعلون حياتهم كلها في سبيل الله، في سبيل خدمة الناس، خدمة هذه الأمة، بناء النهضة في هذه الأمة التي ترون حالها وما وصلت إليه.

مُشكلة كبيرة والله يا إخواننا، نُسافر إلى بلدان شتى ونجد ما فيها، فنبكي على أمتنا، ما حال هذه الأمة التي وصلت إليها، مُشكلة كبيرة جداً، كثرت أقوالنا، الواحد يجلس في مجلس لا يتوقف فمه ولسانه عن الكلام، مشكلة كبيرة، ما الذي تُخطط له؟ ما هدفك في الحياة؟ لَيس عنده هدف، ليس عنده قضية، مشكلة كبيرة، ويجب أن يَكون عندك أمل، أن تكون نَهضة هذه الأمة العربية والإسلامية على يديك، طبعاً أنت تنوي ذلك وتَسعى في تحقيقه، واللهُ أكرم مسؤول سبحانه وتعالى، سَيُلَبِّي لك ذلك،

ومن يتهيب صعود الجبال *** يَعش أبد الدَّهر بين الحفر

ضع هدفاً في حياتك، لا تكن مِن الناس القوالين، لا يوجد أصعب من الكلام ولا أكثر إيذاءاً لابن آدم مِن الكلام، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت))، وفي رواية: ((أو ليسكت))، قل خيراً أو اسكت، شيء عجيب جداً، سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث أخرجه الترمذي وغير الترمذي، وهو حديث صحيح، سُئل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة، سُؤال جميل جداً ومنطقي، وكل إنسان يخطر في باله، يا رسول الله طيب نحن أناس مؤمنون، هذه الدنيا دار فناء ليست دار بقاء، دار ممر وليست دار مَقَرّ، أليس كذلك؟ ثم نَرجع إلى الله، طَيِّب نُريد أن ندخل الجنة يا رسول الله، ما أكثر ما يُدخل الناس الجنة لنفعله؟ قال: ((تقوى الله وحسن الخلق))، طَيِّب السؤال المقابل له وهو سؤال أيضاً منطقي وجميل ورائع: يا رسول الله ما أكثر ما يُدخل الناس النار؟ فقال عليه الصلاة والسلام -وكلنا للأسف يَعرف ما أكثر مَا يُدخل الناس النار، ولكن المشكلة في التَّطبيق، هذه اسمها إشكالية مُوافقة القول للفعل، ما أكثر شيء يُدخل الناس النار؟- فقال عليه الصلاة والسلام: ((الفم والفرج))، الفَم يعني اللسان، لسان الإنسان، يعني الذين يَدخلون إلى جهنم ثلاث أرباعهم 90% منهم يَدخلون بسبب ألسنتهم، أو بسبب نزوة جنسية، هذه القطعة الصغيرة التي بداخل الفم تَزن تقريباً 50غ تتحكم فينا، تتحكم بجسدك كله، هذه القطعة الصغيرة تُدخلك إلى جهنم؟!.

سيدنا عبد الله بن مسعود كما رَويت لحضراتكم كان على الصفا يُلبي، فقال: (يا لسان -يُخاطب لسانه- : قُل خيراً تَغنم، واسكت عن شَرٍّ تَسلم مِن قبل أن تندم)، قالوا له: يا أبا عبد الرحمن، أهذا شيء تقوله أم سمعته مِن رسول الله؟ -وهذا الحديث أخرجه الطبراني والبيهقي بإسناد صحيح- قال: (لا بل هو شيء أقوله، لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أكثر خطايا -أخطاء وآثام ومعاصي- ابن آدم مِن لسانه)).

أخرج البخاري والترمذي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن يَضمن لي ما بين لحييه -يعني لسانه- وما بين رجليه -يعني فرجه- أضمن له الجنة))، والله شيء سهل في الكلام، لكن نُريد نحن وأنتم أن نَتعاهد عهداً لِنُشاهد أنَّ تَطبيقها كم سنصمد في هذا التطبيق، في حِفظ اللسان، أن يَكون الإنسان مُعظم الأحيان ساكت لا يتكلم، وقبل أن يتكلم بالكلمة يَأخذ وقتاً، عشر ثواني فقط، لا نريد منك أكثر، لماذا العشر ثواني؟ لِكي تُفكر أن هذه الكلمة صَح أم خطأ؟ هل تأثم عليها أو تُؤجر عليها، فقط، ((مَن يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)) يقول صلى الله عليه وسلم.

أخرج الطبراني بإسناد حسن، عن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم -صلوا على رسول الله- يقول: ((طُوبى لمن مَلَك لسانه))، )الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ طوبى لَهُم وَحُسنُ مَآبٍ( [الرعد: 29]، ماذا تعني طوبى؟ طوبى: مكان في الجنة جميل ورائع جداً، ربنا سوف يُدخله هذا المكان الجميل الرائع، يعني ربنا سيدخله الجنة، ((طوبى)) لمن يا رسول الله؟ ((لمن مَلك لسانه))، انظر تحكُّم، هناك جاء التعبير ((مَن يضمن لي ما بين لحييه))، ((يضمن))، وهُنا ((مَلَك))، معنى ذلك أن الموضوع يحتاج إلى ضمانات، ويحتاج إلى قوة امتلاك، كم تتعب أنت حتى تمتلك النقود، تتعب كثيراً، معناها حتى تضبط لِسانك ستتعب كثيراً، لكن ستصل إلى نتيجة بإذن الله، ((طوبى))، لمن يا رسول الله؟ ((لمن مَلَكَ لِسانه، ووسعه بيته، -وخصوصاً في أيام الفتن- وبكى على خطيئته))، أن تُحاسب نفسك، كل يوم سبب لدخولك الجنة.

أخرج البخاري في صحيحه، أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد)) -انظر لماذا نريد العشر ثواني، لنفكر قبل أن نتكلم بأي شيء، حتى لو على الهاتف، نتكلم ونريد أن نتريس لتجعل الناس يأخذون فكرة عنك أنك أنت هادئ لا تتكلم بأمر قبل أن تفكر فيه، لأن هذا ينفعك بحياتك العملية المادية، بعملك، وهذا ينفعك بعلاقتك مع الناس، ينفعك تجاه ربك وخالقك، وينفعك في كل شيء، تفكر قبل أن تتكلم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم -والحديث في البخاري-: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة مِن رضوان الله -سبحانه وتعالى، كلمة خير- ما يُلقي لها بالاً -يَعتقد أنه لم يتكلم شيئاً، لكن الكلمة كلمة خير- يرفع الله بها درجاته في الجنة))، يكون تحت فيرفعه الله ألف درجة في الجنة، هي كلمة صغيرة حكاها، قال له: كيف حال فلان؟ قال: والله مسكين حاله تعبان، اعتني به الله يرضى عليك، يقول له: حسناً، أغلقَ السماعة، اتصل وأرسل لهم الطعام، لا يوجد عندهم طعام، كيف فلان؟ والله والنِّعم منه، والله لم أر منه إلا خيراً، كان مُتقدم لعمل فاتصل به ربُّ العمل، قال: قبلناك في العمل، كلمة بنظرك لم تفعل شيئاً، ماذا قال سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ((يرفع الله درجاته في الجنة))، انظر إلى المقابل: ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة مِن سخط الله)) -كلمة مُؤذية غير صحيحة مِن سخط الله، يعرف أنه أخطأ، لكن في فكره أنها غَلطة صغيرة بَسيطة- ((لا يُلقي لها بالاً -يقول رسول الله- يَهوي بها في جهنم))، بسبب هذه الكلمة، والباء للسببية، انظر، إن الرجل ليتكلم بالكلمة -كلمة واحدة- لا يُلقي لها بالاً، إما أن ترفعه في الجنة، أو تدخله جهنم، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله كَرِهَ لَكُم قِيل))، الله عز وجل لا يُحب الإنسان الذي كلامه كثير، الله لا يحبه، يجب أن نُفكر بهذه الكلمات إخواننا، لماذا؟ لأن هذا كلام الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم: 3-4]، إذاً سيدنا الرسول يقول لك: الله يكره القيل والقال، أي الكلام الكثير، ((إن الله كره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال -تتدخل فيما لا يعنيك- وإضاعة المال))، الله يَكره إضاعة المال، هناك أُناس اللهُ أَكرمها معها الكثير من المال، كل يوم تَسهر بمقهى فتدفع 10 آلاف ليرة، ربما يكون معه أصدقاؤه يَدفع عنهم، ما شاء الله أهل كرم، يَدفع 30/40 ألف ليرة، كل يوم يذهب للسهر، هذا إضاعة للمال، هذه الأسرة 40 ألف تعيش فيها الأسرة كاملة، يَشتري وجبة غذائية بـ 15ألف ليرة، ((إن الله كره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال))، بلا فائدة، ولا سرف في الخير، هُناك أناس نَعرفهم دائماً هناك أموال في جيبهم والله العظيم لا يُوجد أموال في جيبهم إلا لِكي يتصدقوا، كلما ظهر في وجهه إنسان درويش يُعطيه، كلما التقى بإنسان مُحتاج يعطيه، أعرف أناساً برمضان يملؤون سترتهم يحملون كيساً مِن الأموال ويذهبون للجامع الأموي، أنا أعرفهم بين الظهر والعصر، لا تستطيع أن تجتمع فيهم دائماً في الأموي، كل يوم كل يوم في الأموي، يُشاهد ويبحث، ليس الذي يمد يده للناس! الذي يمد يده يُعطيه ألف ليرة، لكن يبحث عن إنسان جَالسٍ في المسجد الأموي يَبكي مثلاً ويدعو الله بخشوع وصدق، يعني أنه صاحب حاجة، هذا يجلس بجانبه، إخواننا هذا في عصرنا وليس في عصر الصحابة! انظر كم هناك أناس شعورهم رائع، أنهم هُم يسألون عن أحوال المسلمين، يَذهب ويجلس ويقترب منه، يقول له: الله يعطيك العافية أخي، كيف حالك؟ إن شاء الله بخير؟ خير إن شاء الله أراك تبكي؟ فيقول: والله لا شيء، فيبقى معه ليروي له حاجته، فيقول: والله كذا كذا، اُدع الله أن يفرج عني، يقول له: مَا حاجتك؟ فيقول: كذا كذا، يقول له: خُذ اقض حاجتك، الله أكبر، لا يضعون نقوداً في جُيوبهم إلا لكي يتصدقوا، لا سرف في الخير، حتى كيف ما ربي أكرمه يدفع، معقول إضاعة الأموال نهدرها في المقاهي، ونهدرها في المطاعم مباح؟ نعم لا شيء أنت ذاهب تأكل أنت وزوجتك وأولادك، إن شاء الله صحة وألف هناء، لكن ليس كل يوم نهدر أموالاً، ليس كل يوم ندفع على الألعاب لكي نلعب ويلعب أولادنا، كل يوم نهدر آلاف الليرات، ليس كل يوم ندفع أموالنا لأشياء تافهة، سيدنا الرسول يقول: ((إن الله كره))، الله يكره الإنسان الذي كلامه كثير، وكره هذا الشيء لنا، ((إن الله كره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)).

قال بعض السلف الصالح: هلاك ابن آدم مِن أربع: مِن فُضول الكلام، الكلام الزائد الذي ليس له فائدة لا تتكلمه، من فضول الكلام، وفضول الطعام يُصبح معه أمراض، يعني فضول الكلام يتكلم كلمة، أحياناً يَدخل بها إلى السجن، أحياناً يُقتَل بسببها، أحياناً يُصبح معه مشكلة كبيرة بسببها، يصبح خلاف بينه وبين زوجته، أحياناً يختلف هو وشريكه، أحياناً يختلف هو وابنه فيُصبح ابنه بمكان وهو بمكان، يَحقد أفراد الأسرة على بعضهم، أحياناً يَتكلم أخوه فينزعج منه، هذا فضول الكلام، وفضول الطعام يُصبح مع الإنسان بسببه أمراض، وفضول -فضول يعني الزوائد- وفضول المخالطة، المشوار الذي لَيس لك فيه عمل لا تذهبه، فضول المخالطة، مخالطة الناس لا تأتِ بخير، إن استطعت أن تُقلل قدر المستطاع مِن مخالطة الناس فافعل، إلا أن تكون مسؤولاً، أو صاحب خير تلتمس الخير للأمة، أو تكون مسؤولاً عندك أمر، أو طالب في الجامعة، أو كذا .. الخ، قبل قليل روينا لكم حديث النبي صلى الله عليه وسلم ((طوبى لمن ملك لسانه ووسعه بيته وبكى على خطيئته))، فُضول الاختلاط بالناس ما يأتي بخير. إخواننا: هناك أناس يسمون أنفسهم بالبيتوتيين، ما أجملهم، ينتهي من عمله يَرجع إلى بيته، أصدقائه وأولاده وزوجته، شيء جميل ورائع جداً، هناك أناس يدخل إلى بيته كأنه داخل إلى مَكان يَكرهه، يُنهي شغله باكراً يريد أن يسهر مع أصدقائه، يَلعب الورق، شيء عجيب؟ معك وقت؟! يريد أن يلعب شطرنج مع أصدقاؤه، يُريد أن يسهر معهم، وأنت معك وقت ولا تجلس مع زوجتك وأولادك؟! شيء عجيب! وكأن بيته أمر يكرهه، أنت عندك مرض يجب أن تبحث على مرضك الذي يجعلك تترك زوجتك وأولادك وتسهر خارجاً، يجب أن تُعالج نفسك يا أخي المؤمن، كثرة المخالطة لا تأت بخير، وفُضول المخالطة.

وفضول النظر، نظرة فابتسامة فموعد فلقاء فقبلة، ثم تحصل الكبيرة من الكبائر، الرسول صلى الله عليه وسلم علمنا غض البصر، ﴿قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ -الآية في القرآن كلكم يحفظها- يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: 30]، هذه الأربعة هي التي تُهلك العبد: كثرة الكلام، كثرة الطعام، كثرة مخالطة الناس، كثرة النظر إلى ما حرم الله سبحانه وتعالى.

ويقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: (مَن كثر ضحكه قَلَّت هيبته)، الذي يَضحك ويُضحك الناس كثيراً أينما حَلَّ تَكلمنا عنها سابقاً لا نريد أن نُكرر: (قَلَّت هيبته)، لا أحد يحترمه، (ومَن مزح كثيراً استخف به)، يُمازح الناس كثيراً، لا يهابوه، يَستخف به الناس، ممكن إذا أحد التقى به يُسلم عليه من بعيد، مع أنه إنسان محترم، صاحب مكانة، صاحب مال، استخف به، (ومَن أكثر مِن شيء عُرف به)، ما أجمل كلامك يا سيدي يا عمر بن الخطاب! (مَن أكثر مِن شيء عُرف به)، الذي يُكثر مِن الغضب يَعرفه الناس أنَّه غضوب، الذي يُكثر مِن المزاح يقال عنه: فلان يمزح كثيراً، فلان معروف أنه من أهل الخير، ربنا عز وجل يَجعل له في قلوب العباد أن هذا مِن أهل الخير، فلان بخيل يُعرف ببخله، (مَن أكثر مِن شيء عُرف به، ومَن كثر كلامه –يقول سيدنا عمر وهنا الشاهد- ومَن كثر كلامه كثر سَقَطه)، أي كثرت أخطاؤه، يعني الذي يتكلم كثيراً أخطاؤه تكون كثيرة، الذي كلامه قليل تَكون أخطاؤه قليلة، (ومَن كَثُرَ سَقَطُه -الذي تَكثر أخطاؤه- قل حَياؤه -يُصبح قليل حياء- ومَن قل حياؤه قَلَّ وَرعه)، يُصبح لا شيء يهمه، يقول: أنا هكذا، هذا الحاضر يا أخي، هذا الشيء غلط لا يجوز أن تتكلم بهذا الكلام "أنا هكذا"، أنت تعلم بأنك مخطئ، لا يجوز أن تتكلم بهذا الكلام، أنت إنسان مؤمن، التزمت خَطَّ الإيمان، ولا إكراه في الدين، لكن أنت اخترت أن تكون مؤمناً، لا يجوز، (مَن كثر سقطه قَلَّ حياؤه، ومَن قَلَّ حياؤه قَلَّ ورعه)، يَفعل ما يُريد، لا يسأل عن أحد، إنسان لا يستحي، ((إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت))، يقول صلى الله عليه وسلم، (ومَن قَلَّ ورعه مات قلبه)، نسأل الله السلامة، قولوا: آمين، مَوت القلب إخواننا والله العظيم ليس شيئاً سهلاً لِتُحييه من جديد، تحتاج إلى وقت كبير، لَكن القلب مُهم جداً بالنسبة لنا، لذلك -أيها الإخوة- هذه الأمة اليوم تحتاج إلى نهضة لا تكون بالغيبة والنميمة والكذب، وكثرة الحلف بغير الله، وكثرة الحلف بالله كاذباً، والإنسان يَكون كثير المزاح ودائم الضحك، يَضحك يَذهب للسهر خارج البيت، ليلاً نهاراً قاعد، الأمة لا تَنهض بهذا، هذه القطعة الصغيرة التي في فَم الإنسان مِن الآن فصاعداً نُريد أن نتعاهد أنه مِن اليوم عِندنا علامة فارقة أنه قبل أن نقول أي كلمة نَضعها في الميزان فقط، تُعطي لنفسك قبل أن تتكلم كم ثانية فقط لتفكر، تعلمون أن مِن إعجاز الله عز وجل في خلق الإنسان أن التَّفكير في الأمر يَكون في أجزاء مِن الثانية، نحن لا نريد أجزاء مِن الثانية، خمس ثواني فقط، فَكِّر هذه الكلمة إذا تَكلمتها أنا خطأ؟ ماذا كنت ستقول؟ مثلاً: لا يفهم، قف، قل له: غفر الله لنا وله يا أخي، كنت ستقول عن فلان كذا وكذا، ستخرج الكلمة مِن فمك، فَكِّر فيها، قُل: أخي غير الموضوع، قل له: لم تَقل لي أين كنت البارحة؟ ماذا حدث معك في الموضوع الفلاني؟ غَيِّر الكلام على الهاتف، لماذا؟ لأن هذا اللسان هذه القطعة الصغيرة ما بَين لحيينا وما بين رجلينا مُمكن أن تدخلنا إلى جهنم، هذا الشيء عجيب، لذلك -أيها الإخوة- نحن مطالبون تجاه الله عز وجل ومُطالبون تجاه هذه الأمة أن نُخطط وأن يكون الإنسان صاحب هدف وصاحب قضية، أن يقل كلامه ويكثر فعله، يكثر تخطيطه، يكون إنساناً نظامياً في حياته، ليس أن يعيش حياته بشكل عشوائي، هكذا يمكن أن تبدأ نهضة الأمة، وما دامت أقوالنا أكثر من أفعالنا فلا نقول إننا سنراوح في أمكنتنا، بل إننا سنعود إلى الوراء.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، استغفروا الله يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1102
تحميل ملفات
فيديو مصور