الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2018-02-06 الساعة 09:38:06
كرم النبيّ صلى الله عليه وسلم وجوده
الشيخ أحمد سامر القباني

تاريخ الخطبة:  16 من جمــادى الأولــى 1439 هـ - 2 من شــــباط  2018 م.

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه وهدى ورحمة للعالمين أرسله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

فضمن المنهج العام لخطب الجمعة نتكلم -أيها الإخوة المؤمنون- عن موضوع هام جداً في تشريعنا الإسلامي العظيم وهو موضوع الأخلاق، وبدأنا بالحديث عن علامات حسن الخلق:

والعلامة الأولى: بسط الوجه، أن يكون الإنسان مبتسماً مستبشراً، إذا لقيته سُررت بلقائه، وأن يكون إنساناً لطيفاً ظريفاً، فهذه علامة عظيمة مِن علامات حسن الخلق.

والعلامة الثانية: بذل المعروف، أن يكون الإنسان كريماً مِعطاء، وقلنا: إن العَطاء لا يتقيد بالمال، فهناك عطاء الخدمة، وهناك عطاء العلم والمعرفة، وهناك العطاء بكافة أشكاله وأنواعه، فكل إنسان يبذل من المعروف والعطاء مِن النعم التي أنعم الله عز وجل عليه بها، فصاحب العلم والمعرفة يبذل مِن علمه ومعرفته ويعلم الأجيال ويعلم الناس، وصاحب المال يَبذل مِن ماله لِقضاء حوائج الناس، ومَن كان يَمتهن مِهنة أو يَعمل عملاً فإنه يُساعد مِن خلال مهنته وعمله واختصاصه، طبيباً كان أو مهندساً أو عاملاً، يُساعد الناس مِن خلال اختصاصه المساعدة التي يستطيعها.

وقلنا: إن بذل المعروف يجب أن يتحقق فيه:

أولاً: الإخلاص لله عز وجل، ليكون هذا المعروف وهذا الخير مقبولاً عند الله.

ثانياً: المبادرة، لا ننتظر الناس ليعرضوا علينا مشاكلهم، فنحن نبحث عن حاجات الناس ونَقضيها.

وثالثاً: إنَّ في المال حقاً سوى الزكاة، فليست الزكاة كل أنواع الخير والبر، فالزكاة ركن من أركان الإسلام، وهي فرض، ولكن المؤمن إنسان كريم مِعطاء، لا يَقف عند حد الزكاة، بل ينفق في وجوه الخير كلها.

واليوم -أيها الإخوة- نتحدث عن تتمة لهذا الموضوع هامة، وهي أن يَقصد الإنسان بعطائه وبذله وكرمه ومعروفه أن يَقصد بذلك التَّأسي والاقتداء بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، لأن الله عز وجل يقول في القرآن الكريم: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ ]الأحزاب: 21[، فهو لا يرجو بذلك رياء أمام أحد، ولا يرجو سمعة، ولا يَرجو أن يكون هناك كلام جميل بحقه بين الناس، وإنما لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ]آل عمران: 132[، فيعتقد أن مفتاح الرحمة هو طاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ﴿...أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ ]النساء: 59[، فهناك أناس سَبَّاقون يُحبون تعاليم الله ورسوله، فبأي شيء يأمر الله يُريد أن يستجيب، وبأي شيء يأمر رسوله يُريد أن يكون في طليعة المطبقين لسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإنهم يرون في قوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا -انظر إلى كلمة استجيبوا- يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم﴾ ]الأنفال: 24[، استجيبوا إذا دعاكم لما يحييكم، ففي الاستجابة لأوامر الله وأوامر رسوله الحياة، ولكن ما المقصود بالحياة؟ أن يعيش الإنسان ويتنفس شهيقاً وزفيراً؟ لا، فيه حياتكم السعيدة، فيه حياتكم الرغيدة، فيه حياتكم التي تشعرون فيها بالبركة، فيه حياتكم التي فيها الكرامة والعزة، فاستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، فنحن نحيا بتعاليم الله وتعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رسول الله عليه الصلاة والسلام كان المثل الأعلى ببذل المعروف والعطاء، فإذا شِئت فافتح كتب الشمائل وكتب الحديث والسنة، واقرأ عن كرم النبي صلى الله عليه وسلم، فسيدنا عبد الله بن عباس حبر هذه الأمة يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير أجود من الريح المرسلة)، الريح المرسلة التي فيها نفع للناس تُلقح الزهر وتحرك الغمام فينزل المطر، كم وكم في الريح المرسلة بهدوء وتؤدة من الخير، ﴿وَهُوَ الَّذي يُرسِلُ الرِّياحَ بُشرًا بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ﴾ ]الأعراف: 57[، فالرياح نعمة عظيمة من الله، تَصَوَّر الأرض بغير رياح! لا حياة فيها، كل شيء متوقف على هذه الرياح، سبحان الله! فرسول الله أجود من الرياح يقول سيدنا عبد الله بن عباس.

وأما سيدنا أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشجع الناس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الناس).

لا يوجد أكرم من سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يتوقف كرمه على بذل المال صلى الله عليه وسلم، فقد ورد في الحديث الصحيح أنَّ الأَمَة -ماذا تعني الأمة؟ يعني مِن الرقيق العبيد، امرأة ضعيفة من الرقيق- إنَّ الأَمَة لَتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فيذهب معها ويقضي لها حاجتها، يا رسول الله إن لي حاجة عند فلان، فلان أساء إلي، فلان أريد منه مالاً لا يعطيني، فلان طردني، أمة تأخذ بيد النبي، يا رسول الله أريد أن تذهب معي، هو قائد جيش ورئيس دولة، وقبل كل ذلك رسول الله ومجتباه صلى الله عليه وسلم، أَمَة تأخذ بيده فيذهب معها ويقضي لها حاجتها.

يا أيها الإخوة: في حياة الإنسان لمحات لا ينساها، ربما يتكلم لك عن موضوع من مواضيع الخير والبر فتأمر بالإنفاق أعطوه، لكن تَحَيَّن في زمانك وقتاً تذهب أنت به بنفسك لقضاء حوائج الناس أولاً، سترى ما عليه الناس مِن الفاقة والفقر، فتشكر الله على النعم، لكن ثِقْ تماماً صَدِّقني الشعور الذي تشعر به عندما تَرى فقر الناس وحاجتهم، هذا إنسان ساكن ببيت ليس له شبابيك على البلوك، وهذا الإنسان ليس عنده طعام، فتحت البراد عنده ذهبت لزيارته ما وجدت شيئاً يؤكل في البراد كله، نحن براداتنا فيها أطايب الطعام، هذه المرأة عندها أيتام ولا تجد من يعطيها، ماذا تفعل امرأة ضعيفة؟! كيف تكتسب؟! وأنت تعلم كم هو المصروف غال في هذه الأيام، عندما تذهب كما كان يذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسك اذهب واقض حاجة إنسان مؤمن، انظر سبحان الله، كلمة (الحمد لله) تخرج مِن فيك، وقلبك وكأن كل ذرة في كيانك وجسدك تقول: (الحمد لله) لها طعم آخر، سبحان الله، اقض حوائج الناس على الهاتف، عن طريق المحاسب، أعط إنساناً لِيعطي إنساناً، لكن تحين فرصة عندما يضيق صدرك من هذه الدنيا، وترى أنه تراكم عليك كثير من الظروف المادية أو مادية الحياة التي أخذت كل أوقاتنا ليلنا ونهارنا، هذا الزمان السريع اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي والحركة الدؤوبة في الحياة، كل يوم نستيقظ، نذهب للعمل، نرجع من العمل، نتأخر بالسهرة، نذهب في اليوم الثاني إلى العمل، حياة مادية، أوجد لنفسك وقتاً تقضي فيه حوائج الناس الضعفاء، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حوائج هؤلاء الناس، إنْ كانت الأمة مِن إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم، فيذهب معها ويقضي لها حاجتها صلى الله عليه وسلم، بجاهه، بهذه الهيبة التي أعطاه الله إياها، بسلطته الجميلة الرائعة، بأخلاقه، بسلطة الأخلاق، يقضي حوائج الناس صلى الله عليه وسلم، نحن مطالبون بقضاء حوائج الناس، هناك أشخاص يُكلمهم الناس فيقولون: هذا المسؤول نحن ندخره لوقت الحاجة، يقول: والله ما أعرف أحداً يا أخي، سامحني، {قايمه لحاجة شو قال شي نهار منوقع منجي منروح لعنده بيستجيب النا إذا كل يوم بده يجي واحد يحاكيني بموضوع روح لعند المسؤول الفلاني والمدير الفلاني والوزير الفلاني لأقضي حوائج هذا الرجل بكرا بمل مني بسكر الباب ما بعود بيستقبلني يا حبيبي أنت إذا قضيت حوائج هؤلاء الناس أصلاً لن تحتاج إلى أي حاجة وإلى أي فاقة} أنت تتعامل مع الله، أنت تقضي حوائج الناس وربي يدخلك في ضيم وضيق لحاجة الناس؟! أنت مخطئ، يجب أن تصحح المفاهيم، اذهب في قضاء حوائجهم، والله يجبك الله ويحبك الناس، لا تدخر شيئاً من جاهك، اذهب واقض حوائج الناس، لَن يوقعك الله بضيق أبداً، لا تَألُ جُهداً ولا تقصر أبداً، بالكلمة، بهاتف، لِيَركب هذا الإنسان صاحب الحاجة بسيارتك واقض حاجته، وانظر إلى نعم الله عز وجل عليك.

أما عطاء المال فشيء عجيب عند سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، شيء عجيب:

أخرج مسلم في صحيحه، عن موسى بن أنس عن أبيه رضي الله تعالى عنه قال: -انظر سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم لا ترد أحد أبداً ولو بالقليل، إذا كنت لا تعرف حاله الإنسان الذي لا نَعرف حاله نرده بالقليل، لأنك مُطالب أن تضع زكاة مالك وأن تَضع صدقاتك حيث تثق، فإذا كان الإنسان لديك مجهول الحال فلا ترده، ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ ]الضحى: 10[، لكن أعطه القليل، لأنه مجهول الحال لا تعلم عنه شيء- يقول: (ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً على الإسلام إلا أعطاه)، بعد أن بلغ بالرسالة سيدنا الرسول لم يُسأل شيئاً إلا أعطاه، أي إنسان يسأله شيئاً؟ خُذ، أريد مالاً؟ خُذ، أريد عباءتك؟ خُذ، أريد جملك؟ خُذ، ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، فجاءه رجل فسأله: أعطني يا محمد؟ -هذا مِن المؤلفة قلوبهم، أسلم من جديد، وسيدنا الرسول يريد أن يتألف قلبه- أعطني يا محمد؟ فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم غنماً بين جبلين، تَصَوَّر أنت، هضبة وهضبة بينهما الوادي مليء بالأغنام، ألف رأس، ألفين رأس، ثلاثة آلاف رأس، اضرب الرأس بمائة ألف، رجل واحد أعطاه غَنَماً بين جبلين، فَدُهش الرَّجل ورجع إلى قومه فقال: (يا قومي أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاء لا يخشى الفاقة)، هذه رواية مسلم، وفي رواية غيره: (فإن محمداً يعطي عطاء مَن لا يخشى الفاقة)، هذا الإنسان، ما هذا الإنسان العجيب! لا يخش الفاقة، هذا أعطاني الوادي كله، فيه ثلاثة آلاف رأس غنم، أعطاني إياه وهو مُلك لرسول الله، رسول الله لا يتصدق إلا مما هو مُلكه صلى الله عليه وسلم، لأنها إذا كان له كما تعلمون يقول الله تعالى: ﴿وَاعلَموا أَنَّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسولِ﴾ ]الأنفال: 41[.

أخرج البخاري في صحيحه، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو كان لي مثل أحد ذهباً))، الذي زار منكم المدينة المنورة هنيئاً لنا ولكم، والذي لم يزرها إن شاء الله ربي يكرمه قولوا آمين، إن شاء الله ربي يكرمنا بصحبتكم جميعاً إن شاء الله، جبل أحد جبل عظيم، لو كان جبل أحد ذهب تصور ذهب تُكسر منه هكذا بالفأس وتُخرج منه قطع الذهب، ((لو كان لي مثل أحد ذهباً ما يَسرني -يقول رسول الله مِن كرمه وجوده وعطائه الدنيا عنده لا تعني شيئاً- ما يَسرني أن لا يمر علي ثلاث وعندي منه شيء))، ثلاثة أيام ما يسرني لو كان أُحُد كله ذهباً ثلاثة أيام أوزعه، ما يسرني بقاء شيء منه عندي، ما هذا الكرم والجود والحب للعطاء عند النبي صلى الله عليه وسلم، وعدم الاكتراث بالدنيا، ما هذا الشيء العجيب! قال: ((ما يسرني أن لا يمر علي ثلاث وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين))، فقال شراح الحديث: أرصده لدين يحتمل معنيين: الأول: أن علي ديناً لأقضي به هذا الدين، والثاني: إذا طلب مني واحد من المسلمين قرضاً أو ديناً ليكون عندي المال لأعطيه، يقضي حوائج الناس، هذا القرض الذي تقرضه للناس أنت تبتغي به وجه الله عز وجل، هم يذهبون يأخذون هذا المال يقضون به حوائجهم، يدعون لك ليلاً ونهاراً، هذا أمر سهل عند الله! الله أكبر، هذا الشيء عظيم، سيدنا الرسول يقول: لو كان جبل أحد ذهب أوزعه بثلاثة أيام وأبقي قسم منه لأقرض الناس ودين الناس.

أخرج البخاري في صحيحه، أن امرأة أهدت النبي صلى الله عليه وسلم شملة منسوجة عباءة، هي حاكتها بنفسها في بعض الروايات الأخرى تعبت عليها، أهدتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، أكسوك هذه، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها، فلبسها سيدنا الرسول، كان محتاجاً إليها فأخذها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه! فكسنيها، قال له: أعطيني إياها؟! فقال رسول الله: نعم، خلعها وأعطاه إياها، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه الصحابة فلاموه، لامه أصحابه فقالوا له: ما أحسنت حين رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجاً إليها ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئاً فيمنعه، أنت تعلم هذا الشيء وتعرفه أنه محتاج لهذه العباءة، والآن أهدته إياها المرأة، تأخذها وتطلبها؟ ما هذا! لامه أصحابه، فقال لهم هذا الصحابي: رجوت بركتها، وفي رواية: والله مالي بها من حاجة، لكن هذه عباءة لبسها سيدنا الرسول، رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم، لَعَلِّي أُكَفَّن بها، انظر إلى حرص الصحابة على البركة من سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم، لَعَلِّي أُكفن بها، تكون كفني، وشيء لبسه رسول الله وكفن به واحد من الصحابة هذه بركة، يُطوى عنه عذاب القبر ببركة النبي صلى الله عليه وسلم، سبحان الله، لكن الآن أهديت له، انظر إلى كرم سيدنا الرسول.

أحياناً يكون معك شيء وأنت قادر أن تستغني عنه، جاء إنسان وقال لك: والله ما أجمل هذه العباءة، كم هي جميلة! ما شاء الله كان! أعطه إياها إذا كنت أنت عندك غيرها، قال لك: ما أجمل هذه الساعة، قل له: مُقَدَّمَة، إذا عندك غيرها، هكذا سيدنا الرسول فعل مثل ما يفعلوا أهل الشام الأصيلين، الذين عندهم كرم أهل الشام، يقول له: الساعة ما أجملها، يقول له: مُقَدَّمَة تفضل، يقول له: هذا الخاتم جيد، يقول له: مُقَدَّم تفضل، بعض الناس يقول: والله هذه جاءتني هدية، مِن ابني، من زوجتي، أنا سَأُحضر لك غيرها، والله كلام جميل، يَعني في حِيلة، لا تقل: الشيخ أوقعنا في إحراج، الآن هذا يقول له: ما هذا الجاكيت الظريف؟ وهذا يقول: ما هذه العباءة الظريفة؟ في حل جميل وظريف، تقول له: هذه هدية عزيزة علي، إن شاء الله لك خاتم عندي، لك ساعة عندي، لك عباءة عندي، هكذا سيدنا الرسول، قال: ما أحسنها يا رسول الله، فاكسنيها؟! قال: نعم، خلعها وأعطاه إياها، صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله.

أخرج الترمذي والبزار والطبري، أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يُعطيه، قال له: أعطني يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما عندي شيء أعطيك إياه، ولكن ابتع عليَّ، قال له: انزل إلى السوق واشتر ما تريد، انظر إلى كرم سيدنا الرسول، ما يقول: لا أبداً، ابتع علي، انزل إلى السوق وخذ ما تريد، وقل للبائع: يسجله علي، ابتع علي، اشتر ما تريده من الحوائج وقل لهم: هذه يدفع ثمنها محمد صلى الله عليه وسلم، قال: ما عندي شيء ولكن ابتع علي، فإذا جاءني شيء قضيته، قل له: غداً الله يرزقني فأقضي الدين، سبحان الله، ما هذا الكرم، والله قليل من يفعلها، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: (يا رسول الله، ما كلفك الله ما لا تقدر)، ما عندك قل له: ما عندي، ما كلفك الله ما لا تقدر عليه، يقول راوي الحديث: فَكَرِهَ النبي صلى الله عليه وسلم قول سيدنا عمر، يعني ما أعجبه كلام سيدنا عمر، فقال رجل مِن الأنصار: أنفق يا رسول الله ولا تخش مِن ذي العرش إقلالاً، أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالاً، ربنا عنده كثير ما عنده قليل، خزائنه ملآ سبحانه وتعالى، قال الراوي: فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وَعُرف في وجهه البِشر بقول الأنصاري، ثم قال: بِهذا أُمرت، (ما عِندي شيء ولكن ابتع علي، فإذا جاءني شيء قضيته).

سبحان الله، يعني هذه نماذج أدركنا أشياخنا -أيها الإخوة- والله أدركنا أشياخنا كل ما قلناه يفعلونه، ما سألهم إنسان شيئاً فمنعوه، لأنهم يتأسون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أدركنا مشايخنا -يا إخواننا- يأتي واحد يقول له: العباءة سيدنا ما شاء الله حلوة، فيعطيها له مباشرة، كان أحد أشياخنا من علماء الشام الكبار يقول لأولاده ولتلاميذه: إذا ضاقت عليكم الدنيا واستحكم عليكم الدَّين اذهبوا فاقترضوا فاقضوا حاجة إنسان محتاج، قال: ابحثوا عن إنسان فقير، كيف وأنا مُثقل بالديون، قال: اقترض واذهب واقض حاجة إنسان محتاج، قال: فَتُقضى حوائجك كلها، فهذا كلام شيخ مِن كبار علماء الشام، لكن كلام الله ورسوله يوقع في النفس شيئاً لا يُوقعه أي كلام، فاستغرب أنه أنا علي دين أذهب لأستدين لأقضي حاجة إنسان محتاج فيقضي الله حاجتي؟! قال لهم: يا ولدي ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ومن ستر مسلماً ستره الله))، ألم يقل رب العزة والجلال: ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ ]سبأ: 39[، ألم يقل رب العزة والجلال: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ ]البقرة: 245[، استدنت عشرة آلاف، وقضيت حاجة إنسان، الحسنة بعشر أمثالها، لا تدري من أين يأتيك الرزق، يُعوض الله عليك بعشرة أضعاف، فيقضى دينك، خزائن الله ملآ سبحانه وتعالى، أدركنا علماءنا والصالحين والأولياء في هذه البلدة المباركة كل ما قرأته لكم عن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم والله يتأسون به ويفعلونه، والله كان أحد شيوخنا يذهب إلى البقال فيقول له: عائلة فلان وعائلة فلان وعائلة فلان وعائلة فلان، تعطيهم حوائجهم مِن عندك، وترسل لي الفاتورة آخر الشهر، ولكن قال عليه الصلاة والسلام: (ما عندي شيء، ولكن ابع علي، فإذا جاءني شيء قضيته)، وهذا الرجل كان مَعروفاً أنَّه مِن العلماء المستورين بالبركة، لم يكن غنياً، كان عيشه كفافاً، لكن اعتمادهم على ما عند الله سبحانه وتعالى، لا تكون مؤمناً حقيقياً حتى تكون بما عند الله أوثق مما في يديك، هذا إيمان قوي بالله عز وجل، لكن رسول الله يقول: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة))، وما أجمل أن ترى عندما تتكلم عن موضوع وتقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل كذا ويقول كذا، وقال الله عز وجل كذا، أن ترى أُناساً يَستجيبون، والله يُسر الإنسان عندما يرى الناس يَستجيبون لله ورسوله.

أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم مِن المتأسين بسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم،

إنَّه سُبحانه وتعالى على ما يَشاء قدير وبالإجابة جدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، استغفروا الله يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1380
تحميل ملفات
فيديو مصور