الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2018-01-07 الساعة 22:19:41
الإخلاص في بذل المعروف (علامات حُسن الخُلُق)
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 18 من ربيع الآخر 1439 هـ / 5 من كانون الثاني  2018 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه، وهدى ورحمة للعالمين أرسله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

أيها الإخوة المؤمنون: ضِمن المنهج العام لخطب الجمعة، بدأنا بالحديث عن الأخلاق، ثم بعد ذلك تَطَرَّقنا في الخطب السَّابقة للحديث عن علامات حُسن الخلق:

أمَّا أول علامة مِن علامات حُسن الخلق: بَسطُ الوجه، أن يكون الإنسان مُبتسماً، أن يكون في وجهه البِشر، وأن يكون لطيفاً ظريفاً، فالله عز وجل لا يُحب الفَظَّ الغليظ، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا كذلك الناس.

وأما العلامة الثانية التي بدأنا بها فهي: بَذلُ المعروف، ذلكم أنَّ سيدنا عبد الله بن المبارك رضي الله تعالى عنه سُئل عن حُسن الخلق فقال: (هو بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى)، وكل ذلك أخذه سَلفنا الصالح مِن معين كلام الله عز وجل ومعين السنة النبوية المطهرة.

بذل المعروف: المعروف كلمة واسعة لا تقتصر فقط على إعطاء المال ومنحه، كما نقلت لكم عن المفكر العظيم السوري الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني في كتابه العظيم الذي هو مجلدان، (الأخلاق الإسلامية وأسسها)، فتكلم عن المعروف فقال: هو المعروف للدينا بذل العطاء، ثم قال: وهو مُتنوع: العطاء من المال، العطاء من العلم والمعرفة، عطاء النصيحة، العطاء النفسي مِن طلاقة الوجه والعطف والحنان والكلمة الطيبة والدعاء والشفاعة يعني أن تشفع للآخرين وتقضي لهم حوائجهم عند أصحاب الجاه والنَّسب والمنصب، قال: والعطاء مِن طاقات الجسد بالمعونة والخدمة، قد لا يُوجد مع الإنسان مَال لِكي يبذله، لكنه مُتعلم لمهنة مِن المهن، فيستطيع أن يُعطي مِن خلال مِهنته، هو ذو منصب يَستطيع أن يخدم الناس مِن خلال منصبه، هو ذو جاه بين الناس يَستطيع أن يحل لإنسان مُعضلة أو مُشكلة وما شابه ذلك، قال: ومنها العطاء بالحياة كلها، وهي التَّضحية بالنفس، وهو أعلى درجات العطاء، الشهادة في سبيل الله.

وقلت لحضراتكم: إنَّ الشَّهادة في سبيل الله -غير مرة- هِي رَدُّ العدوان والدِّفاع عن الأوطان، وليس ما ينتشر أو ما يُحاول اليوم أعداء الإسلام نَشره بأن يُوجد الحقد والعداوة فيما بين المؤمن والمؤمن والمسلم والمسلم، فلا تَكاد تفتح فضائية إخبارية إلا ووجدت فيها القتل مُستشرياً بين المؤمنين بعضهم بعضاً، وتجد العنف كذلك مُنتشراً في بلاد العرب والمسلمين حصراً، العالم كله الآن بهدوء تام، القتل والعنف والتشريد كله في بلاد العرب والمسلمين، وليس هناك غافل ساذج يَظنُّ أن هذا جاء عفو الخاطر، وإنَّما بُيِّتَ به بليل مِن أجل إِضعاف هذه الأمة العربية والإسلامية.

أعلى درجات العطاء -قال- بَذلُ النَّفس في سبيل الله، قال علماؤنا: وها هنا إذا كان العطاء وكان بذل المعروف علامة مِن علامات حسن الخلق، فالكريم إذاً حَسَنُ الخُلق، والإنسان الذي يَخدم بمهنته وجاهه وماله ونَسبه وحسبه هَذا إنسان حَسَنُ الخلق، أما الإنسان الذي لا يُنفق ماله، وصَاحب المنصب الذي لا يخدم مِن خلال مَنصبه الناس، وصاحب الجاه الذي يَضِنُّ ويَبخل بجاهه على النَّاس؛ فهذا إنسان ليس حَسَن الخلق.

مِن ها هنا تُقَّيِم نفسك وأُقَيِّم نفسي، هل نَقُوم بذلك؟! نحن مِن الناس ذوي الأخلاق الحسنة؟ لا نقوم بذلك، معنى ذلك أنَّك لَست مِن صاحب الأخلاق الحسنة.

البعض يتكاسل، تجده مثلاً يخدم مرة ويتوانى عشر مرات، يجب عليه أن يَشُدَّ مِن همته وأزره، وأن يُنشط نفسه لتكون حياته كلها خدمة للناس وللمؤمنين.

البعض مِن الناس لا يَفعل ذلك مطلقاً، إذاً هذا الإنسان ليس مِن ذوي الأخلاق الحسنة.

لكن قال علماؤنا: حتى الذي يفعل يَبذل المعروف ويَقوم بالعطاء بين الناس -قال- يَجب أن يُراقب نفسه وهو يفعل هذه الأفعال، لأن إبليس يترصد مِن أجل أن يقلب ذلك العمل الذي تَعمله أو الإنفاق الذي تنفقه أو الجاه الذي تستعمله أو المنصب الذي مِن خلاله تخدم الناس، لِيَجعل ذلك عبئاً عليك يوم القيامة، لا ليجعله سبباً للأجر والثواب لك، كيف؟ قال: يُدخل عليك الرياء في العمل، فَيُصبح الإنسان يتصدق مِن أجل أن يُقال عنه بين الناس إنَّه إنسان كريم مِن أهل الخير والبر، إنسان جواد، ويُصبح الإنسان يتعلم ويُعَلِّم النَّاس لِيُقال إنَّه عالم، حتى قارئ القرآن لِيُقال إنَّه قارئ، حتى مَن يَقوم بخدمة مِن خلال مِهنته لِيَقولوا فلان مَا شاء الله جاء وقَام بهذه الخدمة لله، كل هذه الأعمال إذا دَخلها الرِّياء بَطَلَت وانعكست سَلْبَاً على صاحبها.

قال علماؤنا: ولنا -نحن الخَلْق عندما نَفعل المعروف والخير - لنا في رب العزة والجلال المثال الحق والحسن، المثال الحق في الله سبحانه وتعالى، فقالوا: الله عز وجل يُعطي هذه الدنيا والنعم لمن يُؤمن به ولمن لا يؤمن به، إذاً إذا أَعطيت مَن أحسن إليك وأَعطيت مَن أساء إليك أنت فِعلاً إنسان مخلص، إذا قُمت بمعروف لِشَخص تَرجو منه شُكراً أو لا تَعرفه فلا تَرجو منه شُكراً فأنت إنسان مُخلص، يستوي عندك المدح والذم، يَستوي عندك الثناء وغير الثناء، لِذلك عَقَلنَا مِن أشياخنا عندما كُنَّا نُرافقهم أنهم يذهبون مثلاً إلى مجلس عزاء لإنسان يَعرفونه، يدخلون إلى العزاء ويخرجون، يَجدون عزاء آخر لا يَعرفون صاحبه، فَيَقولون: ندخل إلى العزاء الآخر، طيب يا مولانا هؤلاء لا نَعرفهم! قال: العزاء هذا سنة، يجب أن نُعَزِّي، نعرفه أو لا نعرفه، بالعكس كانوا يقولون: إذا كُنَّا لا نعرفه فالأجر والثواب مِن الله سبحانه وتعالى أكبر، ويكون كاملاً ليس هناك مصالح، لأننا لا نَعرف هؤلاء الناس، ندخل فنعزيهم وليس لنا أي مصلحة أبداً، هكذا كان أشياخنا وكان سلفنا الصالح.

قال لنا في الله عز وجل المثال الحق، فالله عز وجل يُعطي مَن يُؤمن به ومَن يجحده، من يكفر يقول: لا يوجد إله لهذا الكون، لا إله والحياة مادة والدنيا كلها أسباب ونتائج، قال: الله يُعطيه الصحة والعافية والزوجة والأولاد والمال، ربما يكون غنياً مِن كبار الأغنياء، وربما يكون طبيباً مِن أمهر الأطباء، وهكذا، فالله يُعطيه، يقول رب العزة والجلال في سورة الإسراء: ﴿مَن كانَ يُريدُ العاجِلَةَ -والعاجلة هي الدنيا- عَجَّلنا لَهُ فيها ما نَشاءُ لِمَن نُريدُ ثُمَّ جَعَلنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصلاها مَذمومًا مَدحورًا﴾ ]18[، هذا إنسان يُريد الدنيا حتى يُقال عنه: كريم، عالم، قارئ، إنسان يخدم الناس، إنسان يقوم بحاجاتهم، ليقال، قال تعالى: ﴿وَمَن أَرادَ الآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعيَها وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولـئِكَ كانَ سَعيُهُم مَشكورًا * كُلًّا نُمِدُّ هـؤُلاءِ وَهـؤُلاءِ مِن عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحظورًا﴾ ]19-20[، يا سلام، انظر إلى الآية ما أجملها، الذي يُريد الدُّنيا والذي يُريد الآخرة، قال ربنا: ﴿كُلًّا نُمِدُّ هـؤُلاءِ وَهـؤُلاءِ مِن عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحظورًا﴾.

فإذاً أيها الإخوة الكرام، نحن عندما يَقوم الإنسان ببذل المعروف -وهو علامة مِن علامات حُسن الخلق- يَجب أن يُراقب نفسه، لماذا ينفق؟ لماذا يعلم؟ لماذا يُطبب الناس؟ لماذا يَسعى إلى هذه المكانة؟ ما الذي فعله وهو في منصبه وفي مقام المسؤولية؟ هل بَذَلَ جَاهه هذا الإنسان الوجيه بين الناس مِن أجل خدمة الناس؟ إذا فعل ذلك كله فليراقب الله في النِّية، لأن الأمر خطير، إبليس سوف يَجرك إلى مكان آخر، عندما تتلعثم في نِيَّتك أو عندما تتخبط فيها، ثم بعد ذلك يَكون الهدف وتَكون الغاية أنَّك تعمل للشهرة، الشهرة تُذهب الأجر والثواب، إذا رفع الله قدرك فهذا أمر آخر بين الناس، أنت لم تطلب ذلك، وهذا دَلالة على حُبِّ الله عز وجل لك، أنتم تحفظون حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله إذا أحب واحداً مِن الناس نادى في ملكوته -ملكوت السموات- إني أُحِبُّ فلاناً فأحبوه، فيحبه جبريل، وتحبه ملائكة السماء، ثم يُوضع له القبول في الأرض))، يَجعل الله أفئدة الناس محبة لهذا الإنسان، نعم هذا أمرٌ آخر، الله كتب له القبول بين الناس والمحبة والشهرة، هو لم يعمل لأجلها، كن كذلك، الأمر خطير.

أخرج مسلم في صحيحه، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد))، يعني أول إنسان يُحاسب ويُؤتى به إلى مجلس القضاء لِكَي يُعطى جزاء أعماله رجل استشهد، فيؤتى به فيعرف نعمة الله عليه، أنت هل تعلم ما قيمة الشهادة في الله؟ يقول: نعم، ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ ]آل عمران: ١٦٩[، ثم يشفع يوم القيامة ثلاثة: أول مَا يشفع الشهداء، ثم العلماء، نعم وقيمة الشهادة قيمة عظيمة جداً، فيقول رب العزة والجلال: ((فما عملت))، طالما عَرَفت هذه النعمة فما عملت، يقول: ((يا رب، قاتلت في سبيلك، فيقال له: كذبت، قاتلت ليقال عنك جريء، وقد قيل))، كل الناس قالوا عنك أنك بطل، إنسان جريء، قال: ((ثم يُؤمر به فَيُسحب على وجهه في النار، ثم يُؤتى برجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فيؤتى به فيعرف نعمة الله عليه فيعرفها))، هل تعرف ما نعمة العلم؟ طبعاً، وقيمة قراءة القرآن وحفظ القرآن؟ طبعاً، قال: ((فيقال له: فماذا عملت؟ قال: فيقول: يا رب، عَلَّمت العِلم وقَرأت القرآن في سَبيلك، فَيُقال له: كذبت، إنما تعلمت وعَلَّمت وقَرأت لِيُقال عنك عالم وقارئ، وقد قيل، قال: ثم يُؤمر به فيسحب على وجهه في النار، -والعياذ بالله- قال: فيؤتى برجل وَسَّع الله عليه في الرزق، وأعطاه أعطاه الله المال الكثير والرزق، قال: فيعرف نعمة الله عليه فيعرفها))، لأنه هناك إِقرار أولاً كي نُحاسبك، هل تعرف قيمة المال؟ نعم، هل تعرف قيمة هذه النعمة التي أنعمنا بها عليك؟ نعم، قال: فماذا عملت؟ فيقول الله له: ماذا عملت؟ فيقول: يا رب، أنفقته في سبيلك، فيقال: كذبت، أنفقتَ لِيُقال عنك جَواد، وقد قِيل))، كل الناس قالوا عنك أنك كريم، ((وقد قيل، قال: فيُؤمر به فَيُسحب على وجهه في النَّار)).

انظر، ثلاث نماذج: الشهيد، العالم، الغني، شيء خطير جداً، إذاً الأعمال التي نَعملها أعلى درجات العطاء الشهادة، فيها حساب على النية، أعلى نعم الله المال، يوجد حساب على المال، أعلى نعم الله على العبد العلم، أن لا يكون جاهلاً، أن يكون عالماً، هناك حِساب على النية، قال: يُسحب على وجهه في النار، يُسحب على وجهه في النَّار، يُسحب على وجهه في النَّار، الله أكبر، الأمر يَحتاج إلى وقفة صادقة مع النَّفس، عندما يكون الإنسان حَسَن الخلق -ومِن علاماته بذل المعروف- يَجب أن يكون هذا العمل خالصاً لوجه الله سبحانه وتعالى.

وقلت أيها الإخوة: يَجب أن نُمَيِّزَ بَين مَن يَسعى للشهرة وبين مَن يَعمل لله، فالله يَكتب له الشُّهرة والقبول في الأرض، إلى ماذا يرجع الموضوع؟ قال: إلى النية.

طيب، سائل يسأل: أنا عندما أنوي أنوي أن أعمل هذا العمل خالصاً لوجه الله، هذه نيتي، لكن أحياناً عندما أقوم بالعمل تَشوب هذه النية شائبة أخرى، تتشوف النَّفس، أنا أريد أن أنفق في سبيل الله، لكن أقول: إذا قالوا {أنني دَفعت منيحة إلي بالمجتمع بين الناس}، هذا الإنسان يقول: والله أنا تعلمت العلم وأريد أن أعلمه للناس لوجه الله، لكن لما يكون في مجلس يُقدموه تتشوف نفسه، قال: فتدخل نية الرياء لِيقولوا عني فصيح، ليقولوا عني أنا إنسان جيد، أنا إنسان خطيب مُفَوَّه، أنا إنسان عالم جليل، تأتي نِيات، لكن أصل العمل كان خالصاً لوجه الله، يَعترض على الإنسان شبهة في نيته أو في فعله، وكذلك مَن يَقوم بأي خِدمة يَخدم النَّاس أحياناً مِن خلال منصبه ومن خلال نسبه وجاهه بين الناس، تكون النية خالصة لوجه الله، لكن تدخل عليها أحياناً شوائب، {يلا بيدرى فلان أني خدمت فلان بيصير يحترمتني أكتر، بيصير بقدرني لحتى أعمل هي الشغلة بيدروا بكرا أنو أنا حليت هي المشكلة، يرتفع ذكري بين الناس}، نِيَّات ونيات موجودة في القلب، قال علماؤنا: هذه النيات تحتاج إلى تحرير، قال: تدخل شائبة على النية، أصل النية لوجه الله، تدخل عليها في أثناء العمل أو في أثناء الوقت شائبة فتحولها ببعض النزعات أو النزغات النفسية، يَخطر في بال الإنسان خواطر أن يكون هذا العمل شيء مِنه لغير الله، قال: تحتاج إلى تحرير نية، قُلنا لمشايخنا وعلمائنا ولأهل العلم: ما معنى تحرير النِّية؟ قال: أن يَقف الإنسان مع نفسه فيقول: يا رب، أنت كنت تعلم أنني أُريد أن أقوم بهذا العمل لوجهك، وأن لا يعلم به أحد، أو في سبيلك، لا أرجو بذلك أحداً، فجاء الشَّيطان يا رَبِّ فوسوس لي أن يكون هناك غرض دنيوي مع هذا الغرض الأخروي، فيا رب أرجوك أن تتقبل عملي، وأنا أُشهدك أن هذا العمل خالص لوجهك، شُكِرت أو لم أُشكر، أُثني علي ومُدحت أو لم أُمدح، قال: فإذا حَرَّر هذه النِّية كان عمله لوجه الله سبحانه وتعالى، لأنَّ الإنسان خَطَّاء، والأفكار تتوارد على الناس، والنيات تخطر على بال الإنسان، طيب ماذا يَعمل؟ يُحبط عمله؟ قال: لا، ربنا كريم، لِذلك لا تُحاسب أنت على الخواطر والأفكار، قال رب العزة والجلال بعد أن نَزَل قوله تعالى: ﴿وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّـهُ﴾ ]البقرة: ٢٨٤[، قال: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ ]البقرة: ٢٨6[، فَنُحَرِّر النية، وهذا أمر يحتاج في الحقيقة إلى إخلاص كبير لله سبحانه وتعالى، ووقفة مع الذَّات حتى في عباداتنا.

أيها الإخوة الكرام: يعني سيدنا عمار بن ياسر، وهذا الحديث ورد في السُّنن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ العبد لينصرف مِن صلاته -يعني لينتهي مِن الصَّلاة ويُسلم- ولم يُكتب له منها إلا نِصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها))، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إلا عشرها))، العشر! لذلك قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: ((ليس لك مِن صلاتك إلا ما عقلت منها))، إلا ما يكون عقلك معك في هذه الصلاة، أمَّا مِن أولها لآخرها شَارد مَا حَصَّلت الأجر والثواب، سَقَطَ الفرض عنك؟ نعم سَقَطَ الفرض، لكن أخدت أجراً وثواباً؟ قال: لا، ما أخذت أجراً وثواباً، هناك فَرقٌ بين سقوط الفرض عنك لا تحاسب عليه يوم القيامة، بين ما تأخذ أجره وثوابه، لم تأخذ أجراً وثواباً، لذلك كان حديث رسول الله واضحاً، ((ولن يُكتب له منها -أي لم يكتب له الأجر والثواب منها- إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها))، وهكذا، وعن الصيام تعرفون حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((رب صائم ليس له من صيامه إلا العطش، ورب قائم لليل ليس له مِن قيامه إلا السهر))، وقيل لبعض السلف: الحاج كثير، قال: بل الدَّاج كثير، أما الحاج فقليل، الدَّاج دَجَّ يَدُجُّ مَشى على الأرض، الذين يمشون على الأرض ويرفعون أصواتهم بالكلام كثير صح، لكن الحاج الحقيقي قليل، مَن هُوَ الحاج الحقيقي؟ قال: الذي يعود مِن الحج فيلتزم التزاماً كاملاً، ويكون أفضل مما كان عليه قبل الحج، هذا الحاج الحقيقي، لَكن يَرجع إلى الغش وإلى الخِداع وإلى وإلى وإلى، فقال العلماء في شرح هذه الأحاديث قالوا: إمَّا أن يعود الأمر، إلى أنَّه قَصَّر في أداء جُزء مِن هذه العبادات، لم يقم بها على وجهها، أَخَلَّ بِشروطها، أَخَلَّ بالخشوع في الصَّلاة، وإمَّا لأنَّه دَخَلَهُ الرِّياء في العمل، فأبطل له الأجر والثواب، سقط عنه الفرض لكن لم يأخذ الأجر والثواب.

فيا أيها الإخوة الكرام: بَذلُ المعروف مِن علامات حُسن الخلق، فيحتاج إلى تحرير للنِّية، ولنا في رب العزة والجلال المثل الأعلى: ﴿كُلًّا نُمِدُّ هـؤُلاءِ وَهـؤُلاءِ مِن عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحظورًا﴾ ]20[.

 

للحديث تتمة، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم مِن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب،

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

استغفروا الله يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 900
تحميل ملفات
فيديو مصور