الجمعة 10 شوال 1445 - 19 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2018-01-03 الساعة 14:07:06
أسباب منع القطر من السماء وعلاجها
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 11 من ربيع الآخر 1439 هـ - 29 من كانون الأول 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه وهدى ورحمة للعالمين أرسله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

وبعد عباد الله، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي من عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

فَمِن نِعَمِ الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ ]البقرة: ١٤٣[، وأوسطُ كل شيء خيره وأعدله، لا كما يَفهم البعض مِن أنه يمكن أن يَكون الحق في طَرف والباطل في طرف، ويأتي هذا الإنسان ليأخذ شيئاً مِن هذا وذاك ويكون في الوسط، فَهذا غير مراد من الآية، بل أوسط كل شيء خيره وأعدله، أي وكذلك جَعلناكم أفضل أمة وأعدل أمة، والوسط والوسطية -أيها الإخوة- تَكمن في التَّوازن، فهذا الإنسان يعيش حياته بين ترغيب وترهيب، يَرغب بما عند الله سبحانه وتعالى في الآخرة، وبما يعطيه وينعم عليه في الدنيا، ويخاف عذاب الله سبحانه وتعالى وعقابه يوم القيامة، أو أن تنزل عليه المصائب في الدنيا، فيكون هذا الإنسان في شخصه في قلبه في عقله إنساناً معتدلاً سوياً، إلا أنَّه قد تَغلب أحياناً على الإنسان شِقوته فينتهك المحرمات، أو ينتهك الأوامر الإلهية فيقع في المحرمات ويقع في المخالفات، فلا تَكون هذه المخالفات ولا تكون هذه المعاصي والآثام التي يرتكبها لا يكون جزاؤها حَصراً عليه فقط ولا يجني ثمرتها هو فقط، نعم هو الذي سيتضرر أولاً، لأن الإنسان عندما يَتبع أوامر الله سبحانه وتعالى يعيش في سلام وأمان وطمأنينة ورغد من العيش، وعندما يَرتكب المخالفات فإنه يَنزل في مُستنقع آسِن، هذا المستنقع هو أنه لا يَشعر ببركة الوقت، لا يشعر ببركة العمر، ينقطع عن رَحمه وينقطع عن الناس حوله، فتجده قليلاً لصلة الرحم، ينعكس ذلك على حياته، فتشعر أنَّه لا يُصلي الفجر، وتَذهبُ وتَضيعُ عليه كَثير مِن الصَّلوات، وتَشعر أنَّه باقترافه للمخالفات الشَّرعية غير مُرتاح وغير مطمئن، ولَيس سَليم الصدر اتجاه الناس، إلى غير ذلك مما يَشعر به الإنسان الذي يُخالف التَّعاليم السَّماوية والشرائع الإلهية، هذا الإنسان يَتضرر أولاً، ولكن المجتمع يتضرر معه ثانياً، كيف ذلك؟.

أيها الإخوة الكرام: نحن مثلاً الآن أصبحنا في قلب فصل الشتاء، ولم يأتنا الغيث مِن السماء، ومنع عَنَّا الغيث، فلماذا يمتنع الغيث مِن السماء؟ ولماذا لا تنزل الأمطار؟ ولماذا لا يُغاثُ الناس؟.

أسباب كثيرة، ولكننا سنتكلم عن بَعض هذه الأسباب، وجُلُّ الأمر أو وجملة الأمر هو المخالفات الشرعية، فالشرائع لم تنزل إلا لمصلحتنا، لتأخذ بأيدينا في الدنيا إلى السعادة، ولتأخذ بيدنا يوم القيامة إلى الجنة، ولكن بالمخالفات يَحصل عكس ذلك، فلا تَشعر بسعادة الدنيا، وينتظرك عِقاب يوم القيامة، هذا جُملة الأمر، ولكننا سنَدخل في شيء مِن التَّفصيل على عُجالة.

مِن أسباب مَنع القطر مِن السماء -أيها الإخوة-: الغِشُّ، والخِداع، والتَّزوير، ونَقص الكيل والميزان، هذا ليس كَلامنا، إنَّه كلام سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، واليوم لِقَائل أن يقول: إنَّ الميزان لم يَعد يستخدم كثيراً، وإنَّ المكيال لم يَعد يُستعمل كثيراً، نحن لا نتكلم عن جُزئية، نتكلم عن أمر هام وهو الإتقان في العمل، فأنت الذي تستورد بضاعة وتعلم أن هذه بضاعة ليست مُستوفية للشروط، أو أنَّها تَضُرُّ النَّاس، أو أنَّ هَذه الأقمشة سَوف تُسيء إلى النَّاس عِندما يلبسونها، لأن هذا القماش فيه نسبة عالية مِن مشتقات البترول، وأنت عندما لا تأخذ مَعايير السلامة في تَصنيعك للمواد الغذائية التي يتناولها الناس، وأنت عندما ترفع الأسعار على الناس ولا تَقنع بربح بسيط ولا ترحمهم، وأنت عِندما لا تتقن العمل الذي تَقوم به في تَصنيعك، وإذا بهذه الآلة تتعطل بعد فترة وجيزة، كل هذا من أسباب الخداع والغش، لا يُفكرن أحدٌ مِنَّا أن الموضوع هو إنقاص المكيال والوزن فقط، هناك أشياء كثيرة يَجب أن تُراعى في العمل، ورأس أمرها الإتقان، ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)).

أخرج ابن ماجة في سننه عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا معشر المهاجرين، خَمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن)) رسول الله يَستعيذ بالله أن يُدرك أصحابه هذه الخمسة، وجواب الشرط محذوف أي فقد وقع عليكم عذاب الله ومَقته، ((خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن، فقد أدرككم البلاء))، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث طويل سآخذ منه وأوجز وأختصر، يقول: ((ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسِّنين وشِدَّة المؤونة))، ومعنى أُخذوا بالسِّنين أي القحط والجفاف، لا تنزل الأمطار، فإنقاص الكيل والميزان ليس خاصاً فقط بالميزان وبالمكيال، بل في كل عمل يكون فيه غش ومُراوغة وخداع للناس وعدم استقامة، إذاً مِن أسباب منع الغيث أن يكون هناك غِشٌّ وخِداع وعدم استقامة في العمل وإنقاص للكيل والميزان.

ومن أسباب منع القطر من السماء -أيها الإخوة-: مَنعُ الزَّكاة، منع الزكاة مِن الخمس التي ذكرتها في الحديث السابق، ومن هذه الخمس التي نتيجتها بلاء، يقول عليه الصلاة والسلام: ((ولم يَمنعوا -يعني الناس- زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر مِن السماء، ولولا البهائم لم يمطروا))، ((لولا البهائم لم يمطروا))، فَمَنع الزكاة أو إخراجها على غير وجهها، إذا كان عندك أموال في البنك تجب فيها الزكاة، العروض التجارية تجب فيها الزكاة، أنت بماذا تشتغل؟ بالسيارات، بمواد البناء، بأي شيء تشتغل، بتجارة البيوت، كل هذه الأموال التي عندك في دكانك في متجرك في مولك في صالتك كل ما فيها يجب فيه الزكاة، إذا اشتريت مَنزلاً وكان هناك نية إن جاءك ربح به بعته أصبح في هذا المنزل زكاة، إذا اشتريت سيارة وقلت: إذا جاء إنسان ورغبها فسوف أبيعه إياها بربح صَار هناك زكاة على هذه السيارة، أما المنزل والسيارة في الأصل لا زكاة عليهما، يجب أن يتتبع الإنسان زكاة ماله بدقة، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ  * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ ]المعارج: 24-25[، فَمَنعُ الزكاة لا يقتصر والله أنا الحمد لله أخرج زكاة مالي، أنا لا أمنع الزكاة، ليس هذا هو المطلوب فقط، أن تكون دقيقاً في عمل الزكاة في حِساب الزكاة، بعض الناس يُخرجون زكاة أموالهم دُون حساب، يقول لك: يدفع الزكاة بغير حساب على البركة، يدفع ويُقدر تقديراً في آخر السنة، يقول لك: توكلنا على الله، هذا شرعاً غير جائز، يَجب أن تَحسِبَ زكاة أموالك بدقة، فإذا لم تُخرجها بدقة فأنت تَدخل مع مانعي الزكاة إذا كان قد نَقصك شيء مِن الزكاة لم تؤده، فإذاً الزكاة يَجب أن نَعتني بها عناية خاصة، والإنفاق إنفاق الزكاة وإنفاق الصدقات، الإنفاق في سبيل الله سبب للرزق.

أخرج مسلم في صحيحه، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينا رجل بِفَلات مِن الأرض)) أي: بينما رجل، بفلات: أي بأرض واسعة، قال: ((فسمع صوتاً في سحابة يقول -هذا الصوت-: اِسقِ حَديقة فلان))، الحديث في صحيح مسلم، ((اِسقِ حديقة فلان))، ما معنى الحديقة في اللغة العربية؟ هي البستان، يعني اسق بستان فلان، قال رسول الله صلى عليه وسلم: هذا الرجل سمع هذا الصوت في الغمام، من أين يأتي هذا الصوت؟ ((اسق حديقة فلان))، قال: ((فَتَنَحَّى السَّحاب))، قال: ((فأفرغ ماءه في حَرَّة))، الحرة هِي مَنطقة فيها حجارة سوداء، قال: ((فَتَبع هذه الحرة)) التي نزل فيها الماء وقال: ((فوجد شَرجة مِن الشراج))، أي مَسيلاً للماء مِن بين هذه الأحجار، ينزل الماء في هذه الحرة، ربنا جعله سَدَّاً لهذا الإنسان صاحب الحديقة، وينزل الماء مِن هذا السَّد عبر شَرجة أي عبر مَسيل ماء، وينزل ويَسقي بُستانه، قال: ((فاطلع فرأى رَجلاً مُمسكاً بِمِسحاته))، أي: مجرفته، قال: ((يُوجه الماء إلى بُستانه))، لأن البُستان كبير مَرَّة يَسقي هنا ومَرَّة يسقي هنا، قال عليه الصلاة والسلام: ((فَجَاء رَجل))، جاء هذا الرَّجل الذي سمع الصَّوت، فسلم على صاحب الحديقة والبستان، فقال له: ما اسمك يا عبد الله، قال: اسمي فلان، قال: ولم تسأل عن اسمي؟ قال: لقد سمعت صَوتاً في السَّحاب يقول: اسق حديقة فلان، وأنت الفلان الذي سَمعته يُذكر اسمه في السَّحابة))، اسق حديقة محمد، قال: ((بم ذلك يَرحمك الله))؟ لماذا هذه الغمامة يأتي منها صوت، ولماذا فقط حديقة فلان تنزل تمطر على هذه الحديقة؟ قال: ((أما وإنك قد ذكرت ذلك فإني أنظر إلى ما يخرج منه -مِن هذا البستان- فأتصدق بثلثه))، لَيس 2،5%، كَم؟ بِثُلُثِه، طبعاً الزكاة المفروضة 2،5%، فَمَن زاد زاد الله عليه الخير وزاد في حسناته، لكن هذا الرجل يَتعامل مع الله، ليس 2،5% فقط، قال: ((فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثه، وأرد فيها -في الحديقة -في البستان- الثلث))، يُبقي ثلثاً مِنها لكي يُعيد زراعتها مرة ثانية، سبب الصَّدقة سَبب في نزول الأمطار، ((اِسقِ حديقة فلان))، ومنع الزكاة أو عدم حسابها بدقة من أسباب منع القطر من السماء.

السبب الثالث هو التكبر، تكبر الإنسان على مَن حوله، عدم التواضع، التَّجبر على الناس، الاستعلاء على الناس، لَيس شَرط التجبر والتكبر الاستعلاء أن تنظر بازدراء إلى إنسان، هذا تكبر، أن ترى أن هذا الإنسان أنا أحسن منه هذا تكبر، يجب أن ترى نفسك أنك أقل الناس مع المؤمنين، فإذا نظرت وتشوفت نفسك ورأيت أنَّك أفضل مِن الناس هذا نوع مِن أنواع التَّكبر، إذا ركبت سيارتك وفعلت أفعالاً في هذه السيارة تَدُلُّ على تكبر وترفع على الناس فَهَذَا نوع من أنواع التكبر، إذا كنت تنظر وأنت في الطريق تركب سيارتك الفارهة إلى سيارة أخرى متواضعة، وهذا الرجل أساء إليك في الطريق، فسببته ونزلت من سيارتك الفارهة وأردت أن تَصُبَّ جَام غضبك عليه، لأنك تركب سيارة فارهة، هذا نوع من أنواع التكبر، الإنسان يخطئ ليس العلاج هكذا، التكبر فيما بيننا يكون بالكلمة، إذا تكلم معك قلت له: اذهب عن وجهي هذا تكبر، إذا كنت قصدت التكبر فيها طبعاً، لذلك علينا أن نراقب حركاتنا، التكبر على الناس هذا التكبر سبب من أسباب منع القطر، فرعون كان يقول: أنا ربكم الأعلى، قَتَلَ الناس واستحيا النساء، وقال: أنا ربكم الأعلى، فقال الله عز وجل في القرآن الكريم جزاء على تكبره قال: ﴿وَلَقَد أَخَذنا آلَ فِرعَونَ بِالسِّنينَ وَنَقصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ﴾ ]الأعراف: 130[، بالسنين أي بالجفاف والقحط وانعدام الأمطار، ﴿وَنَقصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرونَ﴾، لعلهم يعملوا عقولهم، لعلهم يرجعوا عن هذا التكبر والتجبر، فلا ينفع -أيها الإخوة- أن يتجبر المؤمن على المؤمن، ولا أن يتكبر عليه، ولا أن يستعلي عليه، لنراقب أفعالنا، يصدر كثير مِن الأفعال من كثير من الناس فيها وفي ثناياها التكبر، وقد لا يشعر الإنسان بذلك، فلنراقب حركاتنا.

أخرج البخاري عن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إن قريشاً لما غلبوا النبي صلى الله عليه وسلم واستعصوا عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف))، تعرفون قصة سيدنا يوسف؟ ﴿إِنّي أَرى سَبعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأكُلُهُنَّ سَبعٌ عِجافٌ وَسَبعَ سُنبُلاتٍ خُضرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ﴾ ]يوسف: 43[، سبع سنين جفاف، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف))، إذاً تكبرت قريش، قتلت ياسر والد سيدنا عمار بن ياسر، قَتلت -قريش عبدة الأصنام- قتلوا سمية والدة سيدنا عمار بن ياسر، عَذَّبوا سيدنا عماراً، عذبوا سيدنا بلالاً، مَنعوا الطعام عن المسلمين، وحَاصروهم ثلاث سنوات في شِعب بني هاشم، حتى أكل المسلمون أوراق الشجر، تكبروا واستعلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صحابته وآل بيته، ما النتيجة؟ النتيجة دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول سيدنا عبد الله بن مسعود: لما دعا رسول الله ((اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف)) قال: فأخذتهم سَنة، أي قحط وجفاف، أكلوا فيه العظام والميتة مِن الجهد، مِن كثرة ما أصابهم اضطروا إلى أن أكلوا العظام وأكلوا الميتة، حتى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كَهيئة الدخان مِن الجوع، أصبح الواحد يتوهم أن بينه وبين السماء يُوجد دخان، توهم مِن شدة الجوع، السبب تجبروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكبروا عليه.

التكبر -أيها الإخوة- لا يأتي بخير، يقول عليه الصلاة والسلام: ((وما تواضع أحد لله إلا رفعه))، تُريد أن ترتفع في الدنيا ويوم القيامة؟ الباب هو التواضع والتذلل للمؤمنين، قال رب العزة والجلال: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ ]المائدة: 54[، وقال عن الوالدين: ﴿وَاخفِض لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحمَةِ وَقُل رَبِّ ارحَمهُما كَما رَبَّياني صَغيرًا﴾ ]الإسراء: 24[، باب الولوج إلى الله التواضع والتذلل، أما التكبر فهو سبب من أسباب مَنع القطر من السماء.

السبب الأخير -وقلت هناك أسباب كثيرة لكنني أوجز-: كثرة المعاصي وانتشار المخالفات الشرعية كبائرها وصغائرها فيما بين الناس، وخصوصاً المجاهرة بهذه المخالفات الشرعية.

أخرج مالك في الموطأ، عن سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه قال: (كان يُقال إنَّ الله تعالى لا يُعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم)، كلهم استحقوا العُقوبة إذا عُمل المنكر جهاراً. وقال مجاهد التابعي الجليل: (إنَّ البَهائم تَلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر)، البهائم تلعن عصاة بني آدم وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم. وقال عكرمة -أيضاً التابعي الجليل-: (دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يَقولون: مُنعنا القطر بذنوب ابن آدم).

وكذلك يُحرم الإنسان الرزق بسبب المعصية، الحديث أخرجه أحمد في مسنده وابن ماجه في سننه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يَزيد في العمر إلا البِرّ، ولا يَرُدُّ القدر إلا الدعاء، وإنَّ الرجل لَيُحرم الرزق بالذنب يُصيبه))، المعاصي والآثام -أيها الإخوة- سبب مُباشر، وانتشارها والمجاهرة بها سبب مباشر مِن أجل منع القطر من السماء.

الآن عرفنا الأسباب، ولا أظن أن أحداً منكم لا يعرف العلاج، العلاج في الاستقامة.

قال رب العزة والجلال في القرآن الكريم: ﴿وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾، أي على ما أُمروا به مِن الأوامر ففعلوها وابتعدوا عن النواهي فاجتنبوها، ﴿وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا﴾ ]الجن: 16[، الاستقامة سبب مِن أجل غيث السماء.

وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنا عَلَيهِم بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ﴾، الأرض تتفجر فيها العيون والسماء ينزل منها الأمطار، ﴿وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرى آمَنوا وَاتَّقَوا﴾ ]الأعراف: 96[، إيمان وتقوى، وقَبلها الآية الاستقامة ﴿وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا...﴾.

الاستغفار، قال رب العزة والجلال: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾ ]المرسلات: 10-12[، ليس فقط نُزول المطر مِن السماء، إذا كان عليك دين إلزم الاستغفار، إذا شعرت بضيق في الرزق إلزم باب الاستغفار، ربنا يقول: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ﴾، يُرسل في اللغة العربية جواب الطلب، أي إن تستغفروا الله يُرسل عليكم السَّماء مِدراراً، ويُمددكم بأموال وبنين، الإنسان الذي لا يستطيع الإنجاب قال: باب الإنجاب بالإضافة إلى الأخذ بالأسباب عند الأطباء طبعاً باب الإنجاب الاستغفار، استغفار الله سبحانه وتعالى.

وكذلك الشعور بالاضطرار، أن يشعر الإنسان بأنه مُضطَّر لله سبحانه وتعالى، بمعنى آخر نحن الآن جالسون في هذا المكان المبارك، وسنصلي الاستسقاء إن شاء الله بعد صلاة الجمعة، إذا لم يكن عندك شُعور أنَّك مُضطَّر ونزلت في باب الله سبحانه وتعالى بِذُلٍّ وتَضَرُّع، وأنك بحاجة إلى هذا الماء، فإن الدعاء لا يُستجاب، ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ ]النمل: 62[، الله سبحانه وتعالى يَحتاج إلى الاضطرار، أن نشعر باضطرارك إلى الله تعالى، والله إن نزلت المطر أهلاً وسهلاً وإن لم تنزل أيضاً أهلاً وسهلاً، {عم يطالعولنا مؤسسة مياه عين الفيجة، عم يحفروا آبار والحمد لله، ما حدا حيموت من العطش}، هذا الكلام غير صحيح إخواننا، نسأل الله أن لا يبتلينا بالقحط قولوا آمين، موضوع القحط موضوع خطير جداً جداً، هل تعلمون أن الدُّول اليوم مِن أسباب الحروب فيها هي المياه، تقاسم المياه في العالم بسببه تقوم الحروب وتقعد، وتقوم الدنيا ولا تقعد، موضوع المياه موضوع هام جداً، لأنه في دراسات أن المياه الحلوة سَوف تكون نَاضبة كلما تقدمنا في السنوات، سوف تقل المياه الحلوة، تَبقى عِندك مياه البحر فتحلي مياه البحر وتشرب، فإذاً موضوع الماء لَيس موضوعاً هيناً، كل ليلة نقرأ قبل أن ننام السُّنة حتى نتجنب عذاب القبر كل ليلة نقرأ سورة الملك، ما هي آخر آية في سورة الملك، ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ﴾ ]30[، الله رب العالمين، موضوع ليس سهلاً، إذا كنت الآن مَعنا لم تشعر بالاضطرار، تتذكر معاصيك، يتذكر الإنسان مخالفاته الشرعية، يُعاهد الله عز وجل على التوبة في هذا اليوم، يَشعر بأنَّه مُضطر إلى مغفرة الله ورحمته ورضوانه، فمعنى ذلك؟ أننا لم نحدث فارقاً أبداً، ولماذا نُغَاث، يجب أن يكون هناك فارق، هذا الفارق يجب أن نحدثه، جِماع الأمر كله التوبة إلى الله، والإنابة إلى الله، والتضرع إلى باب الله، والنزول في أعتاب الله، نعم أيها الإخوة.

أخرج الحاكم في مستدركه، انظروا إلى فضل الله عز وجل وعظيم رحمته بنا، رغم تقصيرنا في جناب الله سبحانه وتعالى ومخالفاتنا، الحاكم في مستدركه أخرج حديثاً، عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه أي البخاري ومسلم، قال: يقول إبليس لرب العزة والجلال: -تحدي، مَن الذي يتحدى الخالق، لا أحد يستطيع، صُورته صورة تحدي، وحقيقته أن الله غالب على أمره، وأن الله مُنعم على عباده- (إبليس يقول لرب العزة والجلال: وعزتك وجلالك لا أزال أُغوي بني آدم ما دامت الأرواح فيهم، فيقول رب العزة والجلال: وعزتي وجلال لأغفرن لهم ما استغفروني)، أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، (وعزتي وجلالي لأغفرن لهم ما استغفروني)، وفي رواية: (وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما دامت الأرواح فيهم)، الرواية الثانية في المسند أيضاً، عن سيدنا أبي سعيد الخدري: (يُقسم إبليس فيقول: وعزتك وجلالك لا أزال في قلب ابن آدم ما دامت الروح فيه)، في قلب ابن آدم هكذا الرواية، فقال رب العزة والجلال: (وعزتي وجلالي لأفتحن له باب التوبة ما دامت الروح فيه)، أنت تُريد أن تبقى بقلبه ما دامت الروح فيه، سأفتح له باب التوبة ما دامت الروح فيه، كم فضل الله علينا عظيم أيها الإخوة؟ ما الذي يصدنا عن باب الله؟ ما الذي يحجبنا عن النزول بأعتاب الله؟.

أنا أقول لكم: استولت المعاصي والآثام على القلوب، وأدمن الإنسان المخالفات الشرعية والمعاصي، فصار صعباً عليه أن يرجع، صار ضعيف الإرادة، لأن أعداءنا أرادوا مِن الإنسان المؤمن أن يكون ضعيف الإرادة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكل ما تَرونه، أن يكون ضعيف الإرادة، لم يعد يوجد إرادة عند شبابنا اليوم، أن يعزم فيقول: أنا اليوم تائب إلى الله، أنا اليوم مُقلع عن المعاصي والآثام والمخالفات الشرعية، ولا يقولن واحد: ربما أتوب وتضعف نفسي بعد سنة وسنتين وأرجع إلى الذنب، الكبائر فيها مشكلة كبيرة، قال أهل الله: الوقوع في الكبائر يخشى عليه مِن سوء الخاتمة والعياذ بالله، أن الواحد يموت على غير الإيمان، قال: والإكثار من الصغائر يجعل على القلب الرَّان، يعمل صغائر لكن كثرت صغائره، ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ ]المطففين: 14[، لِذلك نحتاج إلى تنظيف قلوبنا بالذكر والعودة والإنابة والتوبة، والرجوع إلى الله، يجب أن نكون عند حسن ظن الله بنا، ربي عز وجل قال لإبليس: (وعزتي وجلالي لأغفرن لهم ما دامت الأرواح فيهم)، فلنعد إلى الله أيها الإخوة، نحن بحاجة لذلك.

 

نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم مِن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

استغفروا الله يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 3153
تحميل ملفات
فيديو مصور