الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024 , آخر تحديث : 2024-03-11 13:07:01 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب مدير الأوقاف

تاريخ النشر 2017-11-28 الساعة 12:37:44
علامات حسن الخُلُق (بَسْطُ الوجه) /5/\r(مزاح النبي صلى الله عليه وسلم وملاعبته للأطفال)
الشيخ أحمد سامر القباني

بتاريخ: 6 من ربيع الأول 1439 هـ - 24 من تشرين الثاني 2017 م

الحمد لله، الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين القويم، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، حمداً لك ربي على نعمائك، وشكراً لك على آلائك، سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صفيه من بين خلقه وحبيبه، خير نبي اجتباه وهدى ورحمة للعالمين أرسله, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون.

وبعد أيها الإخوة المؤمنون، فإني أوصيكم ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم وإياي على طاعته، وأحذركم ونفسي مِن عصيانه ومخالفة أمره، وأستفتح بالذي هو خير.

فما زلنا وإياكم -أيها الإخوة المؤمنون- ضمن المنهج العام لخطب الجمعة، نتحدث عن علامات حُسن الخلق، وقلنا: إِنَّ أول علامة مِن علامات حُسن الخلق:

بسط الوجه: فقد قال سيدنا عبد الله بن المبارك رحمه الله ورضي عنه وقد سُئل عن حُسن الخلق وعلاماته فقال: (هو بسط الوجه وكف الأذى وبذل المعروف)، وسُئل كذلكم سيدنا إبراهيم بن أدهم رحمه الله، هذا الرجل الصوفي الذي كان تقربه مِن الله سبحانه وتعالى تقرباً حقيقياً بمجاهدة نفسه، قال: (ذهب الجود والكرم والسماحة -وهذا في عصره في القرن الثاني الهجري، فماذا نقول في زماننا- ذهب الجود والكرم والسخاء، إنكم لن تستطيعوا أن يُحبكم الناس بأموالكم، -بأنكم لن تستطيعوا أن تبذلوا للناس كل المعروف- فليرى الناس منكم بسط الوجه والخلق الحسن)، وهذان العالمان الجليلان لم يَقولا هذا الكلام مِن تِلقاء أنفسهما، بل أخذا ذلك من سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾] الأحزاب: 21[، فقد أخرج الحاكم في مُستدركه، عن سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنكم لا تسعون الناس بأموالكم، فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق)).

مِن المعروف أنَّ الإنسان عندما يبذل المال ويبذل المعروف، فإن هذا البذل وهذا العطاء يُغطي كثيراً مِن العيوب عند الإنسان،

يغطى بالسماحة كل عيب *** وكل عيب يغطيه السخاء

ولكنَّك لن تستطيع أن يحبك الناس ببذلك للمال، لأنك لن تستطيع أنَّ تعطي كل العالم، فما الشيء الذي يمكن أن يكون مُكافئً لبذل المال؟ الشَّيء الذي يُعوض عن بذل المال يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بسط الوجه وحسن الخلق))، ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي تحفظونه: ((وتبسمك في وجه أخيك صدقة))، ويقول أيضاً: ((لا تحقرن مِن المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)).

وقلت لحضراتكم: إنَّ سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى رجلاً فرأى في وجهه البشر أخذ بيده صلى الله عليه وسلم وتبادل معه الحديث، وإذا لقي رجلاً فلم يرَ في وجهه البشر كان لا يأخذ عليه الصلاة والسلام بيده، وهذا مِن الإتكيت الإسلامي، إذا أردت أن تَكون مُحبباً لدى الناس وأن تتقرب إليهم، إذا صَادفك إنسان رأيت فِيه اللُّطف والظّرف، ورأيته حسن الخلق ورأيت ابتسامة في وجهه، ولو كان مِن ضعفاء المسلمين وفقرائهم، فهو أكثر ثواباً لك عند الله، فخذ بيده وأنت تحدثه، إذا رأى رَجلاً فرأى في وجهه البشر كان يأخذ بيده صلى الله عليه وسلم، ويمشي معه ويُحدثه.

وقلنا: إنَّ هذا الأمر يَجب أن لا يكون مع النَّاس فقط، فلأهلنا ولزوجاتنا في بيوتنا حظ كبيرٌ مِنه، وهكذا يَنبغي أن يكون.

واليوم -أيها الإخوة الكرام- نَتحدث عن بَسط الوجه مع أولادنا، مع الأطفال، ومع الكبار، مع أولاد الناس المؤمنين في الأماكن العامة والأماكن الخاصة.

الرسول صلى الله عليه وسلم بالنسبة لنا مُشَرِّع، ولكن كثيراً مِن الناس غفلوا عن أمر هام، وهو أنَّ أخلاقه وشمائله صلى الله عليه وسلم واجبة الإتباع:

أولاً: لأن الله أمر بإتباعه: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ﴾ ]آل عمران: 31[, ﴿وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ ]التغابن: 12[, ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّـهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم﴾ ]الأنفال: 24[, ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ ]الحشر: 7[، فقال عُلماؤنا يَجب على الإنسان المؤمن أن يَعلم أخلاق وشمائل الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، يجب وليس يُسن، فما كان حال النَّبي صلى الله عليه وسلم مع أولاده كباراً وصغاراً؟.

الحديث الأول: السَّيدة عائشة رضي الله تعالى عنها تُحدثنا مِن خلال الحديث الذي أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم، تقول السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها: (مَا رَأيت أحداً أشبه سمتاً -شكلاً- وهَدْيَاً –في تصرفاتها في أخلاقها في تعاملها برسول الله صلى الله عليه وسلم وقيامها وقعودها- من فاطمة رضي الله تعالى عنها)، كانت أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم سيدتنا فاطمة الزهراء، قالت: (كانت إذا دخلت قام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها رسول الله قامت السيدة فاطمة مِن مجلسها فقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلسته في مجلسها).

هذا الأمر لا نَفعله في كثير من تصرفاتنا اليومية، هذه هي الحقيقة، يعني ممكن تكون قاعداً، يأتي ابني: الله يرضى عليك، وأنا جالس أعطيه يدي، يريد أن يقبل يدي، يُريد أن يقبل يدك ابنك وأنت قاعد، الله يرضى عليك أهلاً وسهلاً بابا، كلام طيب جميل، أهلاً وسهلاً وكلام طيب، أن يصافحك وأن يقبل يدك كلام وفعل رائعان جداً، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فَعل شيئاً لا نَفعله اليوم، مَن مِنَّا اليوم إذا جاء ابنٌ كبير له يقوم مِن أجله، والله معظم الأحيان نبقى جالسون، نحن إذا دخل ابنك الكبير إلى البيت والله تَبقى قاعد، هي الحقيقة، يقوم عليه الصلاة والسلام مِن مجلسه فيقبل السيدة فاطمة ويجلسها في مكانه، ما هذا الاحترام؟ ما هذا الإقبال؟ ما هذا المعروف الجميل؟ بسط الوجه والابتسامة اللطيفة مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجلسها في مَكانه، مَا هذه المبالغة في العناية بتربية الأولاد وتثقيفهم واحترامهم، وكذلك مُبادلة السيدة فاطمة رضي الله تعالى عنها لسيدنا رسول الله في الفعل نفسه.

إذاً تقبيل أولادنا ولو كانوا كباراً مِن سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، بسط الوجه والابتسامة اللطيفة، [ولو كنت زعلان مِن ابنك عامل شيء سيء، وأنت الآن آخذ موقف]، في علم التربية يقولون: يجب أن تُظهر له أنَّك أنت مُنزعج مِن فِعلِهِ الذي فَعَله، ولكن مع هذا الذي يَذكره علماء التربية خُذ في الحُسبان أنَّك إذا كنت راضياً وإذا كنت مع ابنك في حال جيدة ورائعة لا تنسَ أنَّ الابتسامة في وجهه وأنَّ الإقبال عليه وأنَّ تقبيله ...، وكثير هذا الحمد لله مشهورين فيه علماء بلاد الشام، يَحثون الناس عليه، وأهل الشام يفعلونه، فيتعانق الأب مع ابنه ويقبلون بعضهم، يأتي الابن يُقبل يد أبيه، هذا شيء رائع وجميل أيها الإخوة، مِن عادات بلاد الشام الرائعة ولله الحمد.

الحديث الثاني: أخرجه ابن عساكر بسنده إلى السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها, قالت السيدة عائشة: (إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يُقَبِّل عرف فاطمة)، العَرف مُقدمة الرأس، يُقبلها مِن جَبينها، شيء جميل جداً مع أولادنا الكبار، أن يكون هذا الودُّ وهذه الحرارة وهذه الحميمية في التَّعامل معهم.

والرسول صلى الله عليه وسلم كما كان يُعامل أولاده الكبار كان يُعامل أسباطه، سيدنا الحسن، سيدنا الحسين، أولاد السيدة زينب، أولاد السيدة أم كلثوم، كان يُعاملهم جميعاً بلطف وود منقطعي النظير، وكما كان يُعامل أسباطه كان يُعامل أولاد وأطفال المسلمين، فمِن بَسطِ وجهه صلى الله عليه وسلم ولُطفه وظرفه، هذه كلمة فُصحى، الظَّرف مَصدر، ظَرف الشيء يظرف ظرفاً، أي لَطف الشَّيء يَلطف لطافة، شيء مُنقطع النَّظير:

أولاً الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا مَرَّ على الصِّبيان وهم يلعبون يُسَلِّم عليهم، وهم جالسون يُسَلِّم عليهم، فالحديث أخرجه ابن حبان والنسائي، عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار، ويُسَلِّم على صبيانهم، ويمسح رؤوسهم، ويقول سيدنا أنس: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، فوجدت الأولاد يلعبون، فجلست أنظر إليهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبي، [طول عليه، أرسلناه يجيب غرض دقيقتين صرله نصف ساعة ما بين، فغلي قلبه سيدنا الرسول]، قال: فوجدني جالساً أنظر إليهم، فقال: يا أنس، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: فَسَلَّم على الأولاد صلى الله عليه وسلم، قال لهم: ((السَّلام عليكم))، مَن مِنَّا يَخطر بباله إذا مَرَّ بأولاد يلعبون اليوم أن يُسَلِّم عليهم؟! مَن مِنَّا يَخطر له ذلك؟! طَبعاً إذا رأى أحدنا ابناً لأخٍ لَهُ في الله يَمسَحُ على رأسه ويُقَبِّله مَودةً وَرَحمةً ويُسَلِّم عليه، ولكن في الطريق يَرى أولاداً يَلعبون صلى الله عليه وسلم فيسلم عليهم، والله هذا الشَّيء مُنقطع النَّظير اليوم، لا نجده كثيراً في حياتنا العملية، ورسول الله كان مع السلام والابتسامة كان يُداعب هؤلاء الأطفال.

سيدتنا أم سلمة -كما ذكر الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة- كان لها بِنتٌ يُقال لها زينب، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل حَمَلَها ولاعبها وداعبها، طفلة صغيرة 3 أو 4 سنين، ويقول لها: يا زُوَينب، إذاً تَدلِيع الأطفال أيضاً مِن سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنَّك تدلعه باسم ثاني غير اسمه، سيدنا الرسول كان يُدَلِّع الأطفال، يقول: يا زُوَينب، يا زُوَينب.

وكذلك كان رسول الله يُمازح سيدنا أنس بن مالك وهو صغير السِّن، ويقول له: يا ذا الأذنين، وكل إنسان له أذنان، ولكنها ممازحة ومُداعبة مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا أنس خادمه.

يَروي البخاري في صحيحه عن سيدنا أنس رضي الله تعالى عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقاً، وكان لي أخٌ يُقال له أبو عمير، وكان عنده نُغر صغير، النُّغرُ طائر يُسمى عند أهل المدينة البُلبُل، وكذلك عندنا في الشَّام اسمه البُلبُل، طائر صغير كان يَلعب به، فكان رسول الله يُسَلِّمُ عَليه، ويَبتسم له ويقول له: ((يا أبا عُمير ما فعل النُّغير؟))، النُّغير تصغير نُغر على وزن صُرد، ((يا أبا عُمير ما فعل النُّغير؟))، مَن مِنَّا يَخطر في باله إذا وَجَدَ طِفلاً يَلعب بطائر يأتي إليه يُسَلِّم عليه، يُلاعبه، يجلس أمامه، ويقول له: ((يا أبا عُمير ما فعل النُّغير؟)).

أيها الإخوة الكرام: هذا مَنهَجُ حياة، يعني عندما نتكلم عن هذه الأحاديث هي أحاديث بسيطة، لكن هذه الأحاديث البسيطة تُتَرجم لنا مَنهج حياةٍ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله مع مَن حوله، هل يَخطر في ذِهنكم حادثة حدثت مع النبي صلى الله عليه وسلم أرويها لحضراتكم:

هذه الحادثة أخرجها الطبراني والهيثمي، عن سيدنا جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه يقول: دخلتُ على النَّبي صلى الله عليه وسلم، استأذن في الدخول على رسول الله، دخلتُ على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي على أربع، كيف يمشي على أربع؟! قال: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه يَمشي على أربع وعلى ظهره الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما، واضع سيدنا الحسن والحسين ويمشي على أربع، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نِعمَ الجَمَلُ جَمَلُكُمَا، ونِعمَ العِدلانِ أَنتما))، العِدلان جمع عِدل، والعِدل تعرفون أنتم هو الكِيس الذي يُوضع فيه المؤونة، فَشَبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذين الطفلين اللطيفين بالعدلين: ((نِعم الجمل جملكما ونِعم العدلان أنتما))، مَن يَفعل ذلك؟! قليل، يعني أولادك تَنزل أنت كهيئة السجود وَتُركبهم على ظهرك وتمشي بهم، ممكن تَضعهم على أكتافك وتمشي بهم، أما بهيئة السجود تَضعهم وتمشي بهم في البيت، ((نِعم الجمل جملكما، ونِعم العدلان أنتما))، وفي رواية: ((نِعم الراكبان أنتما))، والله شيء جميل، إذاً سيدنا الرَّسول كم كان لطيفاً مع عظمته، رئيس دولة، قائد جيش، رسول الله ومصطفاه، يَفعل هذا مع أسباطه أولاد ابنته، ويفعل هذا مع عامة أبناء المسلمين، شيء رائع وجميل!.

سيدنا شَدَّاد بن الهادِ اللَّيثي، يَروي لنا حديثاً، هذا الحديث أخرجه أحمد والحاكم والنسائي، يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العَشِي الظهر أو العصر، -نَسِيَ- ومعه أحد ابنيه، فكثير مِن الصحابة كان يُعَبِّر عن أبناء ابنته صلى الله عليه وسلم في الحديث بابنيه الحسن أو الحسين، قال: فوضعه عند قدمه اليمنى، فأقيمت الصلاة، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بِنَا، قال: فَسَجَدَ سجدة فأطال فيها السُّجود، الرسول صلى الله عليه وسلم أطال السجود، يقول سيدنا شداد -مِن باب الفضول يعني-: فَرفعت رأسي، -ليكون يعني رفع الرسول ونحن ما انتبهنا، ليكون رفع رأسه من السجود- قال: فرفعت رأسي فرأيت ابنه الحسن أو الحسين قد ركب على ظهره وهو في السجود، قال: فَعُدت إلى السجود، فلما انصرفنا مِن الصلاة جاء الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا له: يا رسول الله، أشيء أُمرت به أم كان يُوحى إليك، لقد سجدت سجدة ما كنت تَسجدها، -يعني أطلت كثيراً، فربنا أمرك تبقى ساجداً هكذا، فنعمل دائماً هكذا في الصَّلوات مثلك، هذه السجدة الثانية نُطولها، السجدة الأولى التي سجدتها أنت نُطِيلها أم كان يُوحى إليك، كان سيدنا جبريل يُعطيك وأنت في الصَّلاة-؟ فقال لهم عليه الصلاة والسلام هذه الكلمة قال: ((كل ذلك لم يكن، ولكن ابني هذا ارتحلني -أي ركبني أو ركب على ظهري كالراحلة- فَكَرِهت أن أعجله حتى يقضي حاجته))، يعني حتى يَمَل وينزل لحاله، والله ما أحد يفعلها اليوم، [يعني تكون في حالة السجود يطلع ابن بنتك أو ابنك الله أكبر، شو الله أكبر، قال: يعني تعالوا خذوه من فوق ظهري، سبحان الله، شو سبحان الله، يعني تعالوا خذوه، لا لا لا، رسول الله كان إماماً، يا رِيت كان عَم يصلي لحالو، سيدنا الرسول كان إماماً يُصلي وراءه آلاف الناس]، قال: ((ولكن ابني هذا ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته)) صلى الله عليك يا سيدي يا رسول الله.

أختم هذه الخطبة بهذا الحديث: هذا الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن سيدنا أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: بَكَت أمامة بنت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وأُقيمت الصلاة، بَكت بكاءً طويلاً وأقيمت الصلاة -أنت ماذا تتوقع، أن يتركها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم ماذا يفعل؟ أُقيمت الصلاة وبدأت تبكي هذه البنت الصغيرة- فيقول سيدنا أبو قتادة: فحملها النَّبي صلى الله عليه وسلم وصلى وهو يحملها، حَمَلها في يده وهو يُصلي، يضعها على كتفه أو يمسكها في يده، ويصلي سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها، لما يريد أن يركع يضعها على جنب ويركع ويسجد سيدنا الرسول، ولما يرفع مِن السجدة الثانية ويقوم إلى الركعة التي بعدها كان يحملها حتى لا تبكي.

انظر إلى هذا اللُّطف في التعامل من النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال، بل هناك أعجب مِن ذلك، الأعجب من ذلك ما أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأحمد والحاكم، عن سيدنا بريدة بن الحصين الأسلمي، -أعجب وأغرب مِن ذلك- يقول سيدنا بريدة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا، -مِثل هذا الموقف يخطب بالناس الرسول صلى الله عليه وسلم- إذ جاء الحسن والحسين عليهما قَميصان أحمران، يمشيان ويعثران، [يلبسان كلابيات لونها أحمر، يبدو هذه الكلابيات طويلة، لأن الثوب في اللغة هو كلابية، فيبدو أنها طويلة، كلما يقف يمشي خطوة يدعس على هذه الكلابية فيقع مرة ثانية، وسيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب بالناس وشايفهم كيف يمشون ويقعون، والناس وجوههم إلى رسول الله وظهورهم إلى باب المسجد، لا يرون ما يحصل مع سيدنا الحسن والحسين]، قال: وعليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن المنبر، حتى جاء إليهما فحملهما ووضعهما بين يديه بجانب المنبر، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((صدق الله سبحانه وتعالى: إنما أموالكم وأولادكم فتنة))، ليس شرطاً فتنة أي بلاءً إخواننا، ومصيبة فتنة واختبار، فَتنتُ الذَّهب بالنار في اللغة أي اختبرته، فإذا بالتراب يخرج بجانب لَمَّا تُعرض أنت هذه الكتلة مِن التراب في الذهب لَمَّا تَختبرها وتَفتنها بالنار يَخرج الذهب وحده والتراب يخرج وحده، فيقال في اللغة: فَتنتُ الذَّهب بالنَّار أي اختبرته به، يقول عليه الصلاة والسلام: ((صدق الله: إنما أموالكم وأولادكم فتنة، نظرت إلى هذين الصبيين يَمشيان ويعثران -يقعان- فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما))

ما هذا اللطف من سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم؟!.

البخاري ومسلم في صحيحيهما يرويان عن سيدنا أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أُتي بأحد ابنيه فقبله، وكان الأعراب جالسين، فقام واحد منهم فقال: يا رسول الله، أتقبل هذا؟! وفي رواية أخرى: أما أراك تصنع هذا بهذا، والله إنه ليكون لي الولد يخرج وجهه -مِن كَثر ما يتعرض لأبوه يندحش فيه- يخرج وجهه وما قبلت يوماً واحداً منهم، فقال عليه الصلاة والسلام: ((مَن لا يَرحم لا يُرحم))، وفي رواية: ((أوأملِكُ إن نزع الله الرحمة من قلبك))! سيدنا الأقرع بن حابس يقول: يا رسول الله -يستغرب- إنَّكم تُقبلون صبيانكم؟ فيقول عليه الصلاة والسلام: ((مَن لا يَرحم لا يُرحم))، قال إني لي عشرة مِن الولد -سيدنا الأقرع بن حابس- والله ما قبلت يوماً واحداً مِنهم، فقال عليه الصلاة والسلام: ((مَن لا يَرحم لا يُرحم))، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط الوجه، وملاعبة الأطفال، ومداعبتهم واللعب معهم، وتقبيلهم، جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن باب الرحمة، قال: ((مَن لا يَرحم لا يُرحم))، فبسط الوجه -أيها الإخوة- العلامة الأهم والأبرز مِن علامات حُسن الخلق، مع عامة الناس، مع أهل بيتنا، مع أولادنا الكبار والصغار، مع أولاد المؤمنين في أماكنهم الخاصة والعامة، ولا مانع أن يكون هناك لَعِب مع هؤلاء الأطفال، فهذا مِن حُسن الخلق.

 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم مِن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه،

أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

استغفروا الله يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين.

 

 

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 980
تحميل ملفات
فيديو مصور