الجمعة 10 شوال 1445 - 19 أبريل 2024 , آخر تحديث : 2024-04-14 09:52:35 الرئيسية   |   خريطة الموقع   |   المساعدة   |   اتصل بنا  
http://www.awqaf-damas.com/?page=category&category_id=368&lang=ar

خطب الجامع الأموي

تاريخ النشر 2018-05-30 الساعة 11:02:52
طهـــارة الأرواح بالتَّــــــوبــــــة
فضيلة الشيخ مأمون رحمة

بتاريخ: 2 من رمضان 1439 هـ - 18 من أيار 2018 م

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك على نور الهدى محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الصحابة ومن اهتدى بهديهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.

عباد الله، أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله عز وجل، واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.

يقول المولى عز وجل في محكم التنزيل: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّـهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( [التحريم: 8].

معاشر السادة: إننا بشر نخطئ ونصيب، ونعثر وننهض، ونعتكر ونصفو، والمطلوب إذا أخطأنا أن نصحح الخطأ، وإذا أذنبنا أن نتوب ونستغفر، وإذا سقطنا أن نتجاوز الزلل، فإن مَن أصرَّ على خطئه أحاطت به خطاياه فأهلكته.

ولما كان الخطأ طَبيعة في الإنسان وجب أن تكون التوبة عادة لازمة له، ومِن لُطف الله أنَّه كَتب على نفسه الرحمة، وأنَّه يهش للنادم إذا استقام بعدما انحرف، فقد روى الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها))، وإنما وَقَّتَ قبولَ التوبة بهذا الحدث الكبير لأنَّه نِهاية المهلة الموضوعة للمُخطئين كي يتوبوا، فلا توبة عند الغَرق، ولا توبة عند النزع، وقد أكد ذلك النَّبي صَلى الله عليه وسلم بِقوله في الحديث الذي رَواه ابن ماجه والترمذي: ((إنَّ اللهَ يَقبل توبة العبد ما لم يُغرغر)).

عندما ضَربت اللجج وجه فرعون وشعر بالماء يتسرب إلى جوفه قال: )آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلـهَ إِلَّا الَّذي آمَنَت بِهِ بَنو إِسرائيلَ وَأَنا مِنَ الـمُسلِمينَ( [يونس: 90]، فكان الجواب: )آلآنَ وَقَد عَصَيتَ قَبلُ وَكُنتَ مِنَ الـمُفسِدينَ( [يونس: 91]، ما قيمة هذا الإيمان بعد فوات الأوان؟ فالتوبة لا تُقبل بعد فوات الأوان، والتوبة لا تقبل بعد أن يَضع المرء قدمه على أولى عتبات الآخرة.

إنَّ المغريات بالانحراف والذُّهول كثيرة، وما يَعرو الرّوح منها يُساوي ما يَعرو البدن مِن عرقه وفضلاته، ومِن ثم كان لا بُدَّ مِن غَسل النَّفس بالتوبة وغسل الجسد بالماء، وكلاهما طهور،
وهذا هو معنى قوله سبحانه: )إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ( [البقرة: 222]، أي يُحب سَناء الأرواح وكمال الأجسام.

إنَّ البَشر لهم أجساد حافلة بالأجهزة والغدد التي لا تنقضي إفرازاتها، ولو تُركت مِن غير تنقية وتَطهير لأنتنت وكانت مثار اشمئزاز، كما أنهم يَحيون فوق الأرض التي يَهيج فيها الغبار وترتفع الحرارة، فيتلوث الجلد بالعرق والأدران، فلا جرم أمر الإسلام بتجديد الوضوء والتَّعهد المستمر للنظافة الشاملة للجسم والثوب والمكان، وليس هُناك نظام أرضي اهتم كل هذا الاهتمام بجمال الجسم وطهارته كما اهتم الإسلام، لذلك كان النقاء البدني للمؤمنين شَارة تَميزوا بها بين الشعوب الأخرى.

لقد جَرت العادة أن يُنظف المرء نفسه وأن يُصلح هيئته عندما يَخرج على الناس، كأنما يَكره أن يَراه الناس على غير ما يَشتهي، وهذا شعور حسن، وأحسن منه أن يَحرص على استكمال طهارته ووجاهته خالياً أو مع الناس، نائماً أو يقظان، لا لِشيء إلا أنه ينبغي أن يكون جميلاً وأن يراه الله في أجمل صورة، فإن الله جميل يحب الجمال، وتَدَبَّر هذا الحديث الذي يَحث على الطهارة والنظافة، ويُبين أنَّ مَلائكة الرحمن تَستغفر للمؤمنين الطاهرين، فقد روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((طَهروا هذه الأجساد طهركم الله تعالى، فإنه ليس عبد يَبيت طاهراً إلا بات معه مَلك في شِعاره، لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً)).

إنَّ المؤمنين نماذج رائعة للطُّهر والجمال عندما يُنفذون تعاليم دينهم، فأين أجسامنا وشوارعنا وحدائقنا وقرانا ومدننا مِن هذه التَّعاليم الوضيئة على أن جمال الظاهر لا يُغني فتيلاً عن جمال الباطن، والبيت الحسن الطلاء لا قيمة له إذا كان رديء المرافق بالي الجدران، تسرح فيه العناكب والهوام، مِن أجل ذلك أمر الإسلام بإصلاح السريرة وتخليص النفس مِن العلل والآفات، ومَن وقع في مَعصية وجب عليه أن يَكتمها وأن يَدفنها في مَكانها، فلا يَعلم بها أحداً، وقد حَذَّر النَّبي صلى الله عليه وسلم مِن المجاهرة بالمعصية عندما قال في الحديث الصحيح: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن مِن المجاهرة أن يَرتكب أحدكم ذنباً بالليل فيُصبح يَكشف ستر الله عنه، فيقول: فعلت كذا وكذا)) ما معنى هذا التَّبجح؟ إن الرذائل قاذورات تُلوث صاحبها، فهل يريد الإخبار بأنه مُلوث؟ وهل يريد الإخبار بأنه عصى مَن خلقه ورزقه؟ إن الفضيحة عقبة أمام التوبة، ومَن مزق الأستار التي لَفته بها الأقدار فقد مَهَّد لِنفسه طريقاً إلى النار.

جاء في الحديث الصحيح أن عبد الله بن عمر كان يطوف بالبيت الحرام فجاءه رجل يسأله: يا أبا عبد الرحمن، أخبرني ما سمعت مِن رسول الله في النَّجوى، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يَدنو المؤمن مِن ربه عز وجل حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه: تعرف ذنب كذا وكذا، فيقول: أعرف ربي أعرف، مرتين، فيقول: سَترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يعطى صحيفة حسناته، أما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الأشهاد من الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين)).

إن الأديان السماوية -يا سادة- إنَّ الأديان السماوية كلها أكدت على التوبة، لأن التوبة تُهذب لنا سلوكنا ظاهراً وباطناً، وتدلنا على طريق الخير، وتبعدنا عن طريق الشر، ولما كانت للتوبة أهميتها في إصلاح الأفراد والمجتمعات نجد العقلاء والمصلحين وقفوا على أعتاب العبودية يُناشدون الأفراد والمجتمعات بالتَّمسك بالتوبة، لأن بها صَلاحهم ونجاحهم وفلاحهم.

قال لقمان الحكيم لابنه: يا بُني لا تُؤخر التَّوبة، فإن الموت يأتي بغتة.

وقال الفيلسوف الإسباني "سنكا": الاعتراف بالخطأ أول خُطوة على طريق التوبة.

وقال الفيلسوف الفرنسي "فرانسواي رولاش فوكولد": لَيست التوبة نَدماً على الأذى الذي تَسببنا به بقدر ما هي الخوف مما قد يَلحق بنا.

وقال الشاعر الإيطالي "دانتي": إذا لم نَستطع أن نتوب فإننا لا نستطيع أن نُسامح.

وقال قداسة البابا "شنودا الثالث": سأتوب الآن وليس غداً، فهذه اللحظة في يدي ولكن الغد في يد الله، لا تيأس مهما سقطت ومهما نَسيت الوصية، بل قل سأسير نحو الله وإن كنت أجر رجلي جراً إليه.

وقال القديس "مار إسحاق السرياني": التوبة هي السفينة والخوف ربانها والحب هو الميناء الإلهي.

وقال الأب "بيشوي كامل": القديسون ليسوا أناساً بلا خطية بل أناس جاهدوا ضد الخطية.

يا سادة: عندما تخلت الأمة عن التوبة تجرأت على ربها، ولما تجرأت على ربها هان عليها أن تقترف الكبائر والصغائر، وهان عليها أن تبيع عقائدها ومقدساتها للشيطان الأمريكي.

إن البُعد عن الله وَلَّد القسوة في قلوب الحكام الخليجيين تجاه العرب والمسلمين، وجعلهم ينسلخون تماماً عن عروبتهم وكرامتهم، وإنه لجدير بكل مَن وَضع يده في يد الشيطان الأمريكي وفي يَد الصهاينة المعتدين أن يَعود إلى رشده، وأن يُصلح حاله مع ربه، فالتاريخ لن يرحم المخطئين والمسيئين، كما أن الله عز وجل لن يرحم السفلة المجرمين.

أي ذنب يرتكبه العبد عندما يقترف الدم، عندما يعمل على سفك الدم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)).

سلمان بن عبد العزيز خائن الحرمين الشريفين، ولي عهده محمد لا يستحق هذا الاسم ولي عهده، النظام القطري، النظام البحريني، أردوغان النظام التركي، كم أذنب هؤلاء -يا سادة بحق الإنسانية- وبحق البشرية وبحق الشعوب وبحق الله جل جلاله، جرائمهم لا تدل على إسلامهم، جرائمهم لا تدل على إنسانيتهم، وخيانتهم لا تدل على عروبتهم، وإننا نقول لهم ناصحين: توبوا إلى الله عز وجل، ها هو شهر رمضان شهر الرحمة والمغفرة والتوبة والإنابة إلى الله، ها هو شهر رمضان المبارك هو فرصة لأن يصطلح العبد مع ربه، هو فرصة لأن يَصطلح العبد مع الناس، وإن كنا نظن أن ذنوب هؤلاء حتى ولو وقفوا تحت مِيزاب الرحمة لِيغسلوها لن تُغسل، وإن كنا نظن أن ذنوب هؤلاء وجرائمهم لو مُزجت بمياه البحر والمحيطات لمزجتها، فهل مِن توبة يا أيها الفراعنة؟ هل مِن توبة إلى الله؟ في كل زمان يوجد فراعنة، في كل زمان يوجد فرعون وهامان وقارون، ألا تُذكركم ألا تذكرنا أموال بني سعود بقارون، قارون أوتي أموالاً كثيرة، لكنه سخرها بالفحش والمجون، ومَنَعَ حق الفقراء منها، بنو سعود آتاهم الله أموالاً كثيرة، لكنهم سخروها في بيع القضية الفلسطينية، باعوا فلسطين ودفعوا ثمنها مِن جيوبهم، باعوا دماء الشهداء في غزة الحبيبة ودفعوا ثمنها من جيوبهم، باعوا كرامة الأمة العربية بأسرها ودفعوا ثمنها من جيوبهم، باعوا عقيدة الإسلام عقيدة التوحيد عقيدة الدين الحق، وتاجروا بها ودفعوا ثمنها من جيوبهم.

إلى متى هذا التفرعن، إلى متى الإنابة، خائن الحرمين الشريفين بينه وبين القبر مسافة شبر، ماذا يتأمل من حياته، هل تريد يا سلمان أن ترحل إلى ربك -ولن يستقبلك الله- هل تريد أن ترحل إلى الله وفي رقبتك دماء السوريين؟ وفي رقبتك دماء اليمنيين؟ وفي رقبتك دماء العراقيين والليبيين؟ هل تريد أن ترحل إلى الله وأنت تحمل فوق أوزارك وآثامك هذه الدماء؟.

عودة يا أمة العرب إلى الله، عودة يا أمة الإسلام إلى الله، ما أحوجنا اليوم أن نصطلح مع الله حتى نصطلح مع نفوسنا، وما أحوجنا أن نصطلح مع نفوسنا حتى نصطلح مع الله، فشهر رمضان هو شهر التوبة، يُذكرنا بالعبودية، يُذكرنا بالتراحم، يُذكرنا بالأخوة، يُذكرنا بالعروبة، يُذكرنا بالإسلام، يُذكرنا بالمسيحية، فهل تَعي هذه الأمة هذه الدروس لكي تتلاحم وتتراحم وتتعاضد مع بعضها البعض؟.

شهر رمضان شهر الرحمة والمغفرة والرضوان، أهلاً وسهلاً بك يا رمضان، يا شهر الرحمن، وطوبى لمن عرف قدرك وفضلك وتزود واغتنم، فإنه لا ينفع يومئذ مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.

 

 

الخطـــــــــــــــبة الثانيــــــــــــــــــــــــــة:

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله, اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله اتقوا الله، واعلموا أنكم ملاقوه، وأن الله غير غافل عنكم ولا ساه.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحمنا فإنك بنا رحيم ولا تعذبنا فإنك علينا قدير، اللهم ارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً، اللهم إنا نسألك أن تبارك لنا في شهر رمضان، وأن تعيننا فيه على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان، وأن تجعلنا فيه من عتقائك من النيران.

اللهم إنا نسألك أن تنصرَ رِجالك رجال الجيش العربي السوري, وأن تكون لهم مُعيناً وناصراً في السهول والجبال والوديان, وأن تثبت الأرض تحت أقدامهم، وأن تسدد أهدافهم ورميهم يا رب العالمين، اللهم وفق القائد المؤمن والجندي الأول بشار الأسد إلى ما فيه خير البلاد والعباد، وخذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، وخذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، وخذ بيده إلى ما تحبه وترضاه، واجعله بشارة خير ونصر للأمة العربية والإسلامية, )سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(.

أضف تعليقك عدد التعليقات : 0 عدد القراءات : 1364
تحميل ملفات

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟
الاسم الكامل : *
المدينة :
عنوان التعليق : *
التعليق : *

أدخل الرمز : *